ثقافات

في دروب "جون شتاينبيك" (2)

-
قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

برشلونة: في ستينيات القرن الماضي الذي يعتبر "العقد" الذهبي للثقافة العربية تركزت "صناعة" الثقافة بين القاهرة و بيروت، ثم بغداد، لست بصدد الحديث عن الابداع و الانجاز الادبي و الفني لتلك الفترة الرائعة و تميزها الذي ساهم في انجازه العديد من المبدعين في شؤون الثقافة، لهذا حديث أخر، هنا أود الكتابة عن الترجمة الى العربية للعديد من عمالقة الادب العالمي، و بالذات عن هؤلاء من الاميركيين، و انا أكتب عن "جون شتاينبيك" لا بد من الاشارة الى كتاب أخرين تمتعنا قرأئتهم باللغة العربية مثل "وليام فولكنر"1897-1962 الذي تعمد تعقد أسلوبه و مفراداته في وصف درامي و سايكولجي لابطال رواياته، و أختراعه مدينة خيالية كما قام بذالك "غابرييل غارثيا ماركيز"في روايته الخالدة "مئة عام من الوحدة".و "ارنيست همنغواي" 1899-1961 الذي البس رواياته أسلوبا صحفيا مشوقا، لانه في الاصل كان مراسلا للعديد من الصحف الاميركية حيث غطى كل نزاعات القرن الماضي و تورطه شخصيا في بعضها كما حدث في الحرب الاهلية الاسبانية ليكتب فيما بعد روايته الشهيرة"لمن تقرع الاجراص"، الاخر و الاقدم من الكتاب الاميركيين الذي زينت كتبه رفوف المكتبات كان "جاك لندن" 1876-1916، الذي أختص في تقصيل تجربته كمغامر، و باحث عن الذهب في شمال "الااسكا"، ما أزال احتفظ بكاتبه "تحت سماء الجليد"، هؤلاء الاربعة كانوا من اكثر الذين ترجموا الى العربية في تلك السنوات، و من اكثرهم كان "جون شتاينبيك" الذي امتع شبابنا، و البعض تعلم فن الكتابة و حب القراrsquo;ة - ربما حب القرأة أكثر من فن الكتابة_.كنت اتذكر كل هذا و انا في أسير دروب المدن و القرى التي كانت مسرحا لمعظم رواياته الرائعة في مقاطعة "مونتيري" لاصل المركز الثقافي و المتحف الذي يحمل أسمه في مدينة مسقط رأسه "ساليناس" التي ولد فيها السنة الثانية من القرن العشرين، و كما ذكرت في المقال السابق، لم أعد من هواة زيارة المتاحف التي زرت معظمها، و هذه المرة أصابني نوعا من الفضول الممزوج بالمضض زيارة "مركز شتاينبيك الوطني" في مدينته، و أعترف فرحي بزيارته التي طالت أكثر من اللازم، وتذكرت بفرح شخصيات رواياته الاولى مثل "داني "و رفاقه المشردين في رواية "تورتيلا فلات" التي كتبها في 1935 بأسلوب فكاهي ساخر، فيها يصف سكان تلال مدينة "مونتيري"من جميع الاصول و مشاركتهم بؤس الحياة، و لكن بتضامن، فحينما يشتد فقر الانسان تزداد طيبة هذا.و لكن الرواية الاولى التي قرأئتها قبل أكثر من 40 عاما و التي أصابتني بنوع من حب و تعايش مع شخصياتها هي "شارع السردين المعلب"، و بنفس الاسلوب الساخر يتعرض حياة مجموعة من العاطلين السكارى دائما و زعيمهم "ماك" و علاقتهم مع "دوك" الذي كان يشرف على مختبرا بيولوجي .تذكرت رائحة الحي .، سمعت أصوات الضفادع في مستنقعات الضواحي، و طعم الويسكي الرخيص الذي كان ثمن بضعة ضفادع يجلبها هؤلاء الى العالم الشاب "دوك"، هكذا بدأت علاقتي مع "شتاينبيك"، و ما تزال، أحيانا أعيد قرائته مرة بعد أخرى، لا لتذكر الرواية و أنما لا أتذكرني صبيا في "يغداد".بين هذين الروايتين يشتهر "شتاينبيك" و هو الذي بدأ الكتابة منذ نهاية العشرينات، في روايات شبه قصيرة لم يلاقي فيها نجاحا، مثل "المهر الاحمر"و "مراعي الفردوس" و " الفنجان الذهبي" الخ، و لكنه يتخلى قليلا عن أسلوبه الساخر في رواية يكتبها في 1937 حيث يبدأ معالجة قدر الانسان و نضاله من أجل لقمة العيش، هنا في رواية "عن الفئران و الرجال" يطرح أفكارا أكثر عمقا، هنا يدخل في وصف نفسي وسايكولجي لبطلي الرواية" ليني" و "جورج" الاول يحدب لمس النعومة في جلود و شعر الحيوانات التي كان يقنيها لتنتهي ميتة بين اصابعه.و لكن في عام 1939 و بعد نشره اهم رواياته "عناقيد الغضب" يتم "تعميده" واحدا من أهم الكتاب الاميريكيين، وهو الذي لم يسافر خارج ويلايته، كما فعل سابقوه مثل "هنري ميللير" و "همنغواي" و "سكوت فتزجيرالد"، في هذه الرواية يصف فترة الانكسار الاقتصادي في الولايات المتحدة، و هذه جلبت له المجد و الحقد في أن واحد، بينما كانت الرواية تنتشر في كل أميريكا، أتهم بالشيوعية، و هذه كانت تهمة خطيرة حينذاك، وتعرض لمضايقة الاقطاعيين و مصاصي دماء المهاجرين، هذا من جانب، من الجانب الاخر تعرض لنقد الحزب الشيوعي الاميركي الذي أعتبر جودة الرواية و نفس الوقت يعيب فيها خلوتها من الايديولجية الماركسية، ثم فوضوية هذه، لان "شتاينبيك"لم ينتمي يوما الى الحزب الشيوعي، و في "ساليناس" مدينة مسقط رأسه تعرض للعديد من التحرشات و المضايقات مما اظطره الهجرة الى "نيويورك" بعد لعنه كاليفورنيا، و كما ذكرت في القسم الاول من المقال تبرع أحفاد اؤلائك الذين أجبروه الهحرة بأكثر كن 13 مليون دولار لبناء متحفه هذا قبل أكثر من عقدين.في نيويورك يبدأ حياة جديدة، أكثر هدوئا دون التخلي هويته ككتاب مستقل ويفتح طريقا أخرا للرواية الاميريكية، و يستمر ضد تيار الاعداء، و الاصدقاء الاعداء ليكتب روايته الخالدة "شرقي عدن" التي يصف فيها حياة عائلة من "ساليناس" بأفكار مستوحاة من الانجيل حيث الاب المبالغ في التديين و أبنيه في نزاع دائم و الام التي غادرت العائلة لتدير ماخورا في القرية المجاورة، كان عذا في عام 1952 حيث كتب رواية "فيفا زاباتا" و قام بكتابة السيناريو مع "ايليا كازان" الذي حول الرواية الى فيلما رائعا.لا أقصد في هذا المقال كتابة سيرة الكاتب التي يعرفها الجميع، هذه انطباعاتي عن سفري دروبه، أمتنانا له لانه علمني القرأة، في ضواحي "ساليناس" بعد ذالك كنت كما أحدهم ينصب خيمته جوار مزارع "الخس" مهاجرا منتظرا عقدا رخيصا مع "سركال"تلك المزارع، شاهدت نفس الوجوه المكسيكية، هم أحفاد مزارعين بداية القرن الماضي، و لا تخلو رواية من كل ما كتبه عن مكسيكي مهاجر متعب، و صيني مع دكانه.أخيرا، يعتبر "شتاينبيك"من أكثر الكتاب الذي تبينت أعماله سينمائيا، و مسلسلات تليفزيونية، مثل "تورتيلا فلات" و "عن الفئران و الرجال"، و "شرقي عدن" و "فيفا زاباتا" و "المهر الاحمر".

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف