ثقافات

الركح يبكي الفارس العملاق

بن قطاف: رحيل صوت المسرح الجزائري الهادر

-
قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

فقد المسرح الجزائري قبل ساعات أحد كبار رموزه، حيث رحل الفنان المخضرم "امحمد بن قطاف" الممثل والمخرج والكاتب ومدير المسرح القومي الجزائري، وخسر الركح الجزائري أحد أعمدته بانطفاء صوت هادر ظلّ يدوي من خلال مائة عمل وأكثر وسط خشبة صمّاء، قبل أن يرحل في سن الــ75 إثر مرض عضال.
الجزائر: تألق بن قطاف منذ سيتينيات القرن الماضي، وخطف الأنظار بحضوره القوي وأداءه المبهر وصوته المميز الذي ألهب عشاق أب الفنون على مدار أزيد من أربعة عقود ووهب عمره لحبه الأبدي المسرح، إذ كرّس نصف قرن للكتابة، التمثيل والإخراج المسرحي، كما شارك كممثل في أكثر من خمس وثمانين مسرحية.
الراحل الذي ولد في 20 كانون الأول/ ديسمبر 1939 بالجزائر العاصمة، سحرته أضواء الخشبة منذ الوهلة الأولى، رغم نجاحه في مسابقة للغناء، حيث كان يملك صوتا جميلا، ووظف بن قطاف هذه الخامة ليفجّر طاقته التمثيلية الهائلة، وبدأ الفقيد ممارسة الركح في زهرة شبابه، وتمكّن من فرض نفسه بسرعة أواسط سيتينيات القرن الماضي، ورغم حداثة سنه كسب التحدي في وجود كوكبة من كبار فرسان الخشبة أمثال: مصطفى كاتب، كاتب ياسين، محي الدين بشطارزي، عبد القادر علولة، عز الدين مجوبي بالإضافة إلى علالو، الحاج عومار، ولد عبد الرحمان كاكي، علال المحب، رويشد، كلثوم، سيد علي كويرات وغيرهم ممن كانوا في طليعة المسرح الجزائري الحديث .
وكانت لبن قطاف تواقيع مميزة في المسرح الإذاعي، حيث أظهر إمكانيات فنية مبهرة وصوتا جهوريا جذابا وإجادة للغة الضاد سيما في تمثيلية "بلا عنوان" لمحمد حلمي سنة 1965، ما أثار انتباه المسرحي الكبير "مصطفى كاتب" الذي كان يدير المسرح القومي، فقرر ضمّه ولم يخيّب بن قطاف الظن عبر عشرات المسرحيات التي تجوّل فيها في كلاسيكيات موليار وشكسبير وروائع مواطنيه عبد الحليم رايس، ولد عبد الرحمان كاكي وكاتب ياسين .
وتحتفظ الذاكرة المسرحية في الجزائر والوطن العربي بأدوار بن قطاف كـ"العم العابد" في مسرحية "الشهداء يعودون هذا الأسبوع" المقتبسة عن رواية الراحل "الطاهر وطار" (1986) ونالت الجائزة الكبرى في مهرجان قرطاج عام 1988.
ولمع بن قطاف في الكتابة الدرامية والتراجم والاقتباسات، مثل استلهامه "ايفان ايفانوفيتش" للكاتب الروسي غوغول، و"الرجل ذو النعل المطاطي" لكاتب ياسين، فضلا عن تعاطيه مع نصوص ري بردبوري، علي سالم، ناظم حكمت، محمود ذياب وغيرهم .
خاض بن قطاف مع رفاق دربه "عزالدين مجوبي"، "صونيا"، و"زياني شريف عياد" أولى تجربة للمسرح المستقل في الجزائر بإستحداثهم باكورة "مسرح القلعة" في 1990، وأسهمت تلك التجربة المتنوعة والغنية في صقل موهبة الرجل ومنحه قدرة أكبر على التواصل مع الجميع والتعامل مع المسرح بكثير من الحب والاحترام.
ورغم المرض وثقل السنون، واصل بن قطاف عطاءاته في العقد الأخير، ولم تكن إدارته للمسرح القومي منذ العام 2004، لتثنيه عن الابداع إخراجا وكتابة، بهذا الشأن، حيث ألف "التمرين" ونسج على منوال خمسة عشر مسرحية بينها "جحا والناس" (1980)، "موقف مستقر" (1995) إضافة الى "فاطمة ضجيج الاخرين" (1998).
وأعربت وزيرة الثقافة الجزائرية "خليدة تومي" عن حسرتها لوفاة بن قطاف، وأشادت بخصال الفقيد واعتبرت رحيله بمثابة "المصيبة التي أصابت الأسرة الفنية وأحزنت قلوبنا وغمرتها بالحسرة"، في حين أبرز الفنان الجزائري البارز "محمد إسلام عباس" أنّ بن قطاف "كان فارس الخشبة دون منازع صارم ومنضبط"، مشيرا:"تعلمنا منه إقصاء كلمة (تعب) من القاموس وأن يكون الشخص فنانا هو خيار ودرس".
وذكر الكاتب المسرحي بوزيان بن عاشور أنّ الساحة المسرحية فقدت رجلا كبيرا كان له حضور بارز ومميز طيلة مشواره الفني والمهني حيث ساير أهم مراحل الحركة المسرحية الجزائرية منذ انطلاقتها الأولى، وأضاف قائلا "كانت ابداعات الفقيد وإسهاماته في مجال الفن الرابع زادا كبيرا للركح الجزائري بعد أن اكتسب تجربة مسرحية مميزة ذات صلة بالتراث الشعبي الجزائري العميق".
ولتشبعه الواسع بالثقافة الشعبية، استطاع ابن قطاف إثراء المسرح الجزائري بلغة مسرحية جميلة - يضيف بن عاشور- الذي أبرز أنّ الفقيد فتح الأبواب أمام المبدعين الشباب ومنحهم الدعم في مجالات متعددة كالتمثيل والإخراج.
من جانبه، وصف المسرحي مراد سنوسي رحيل محمد بن قطاف بـ"الخسارة الكبيرة للمسرح الجزائري الذي فقد إحدى الشخصيات الكبيرة للفن الرابع"، وأضاف سنوسي أنّ الراحل ترك أعمالا مميزة ورصيدا ثريا لفائدة أجيال المسرح في المستقبل مبرزا نضاله من أجل تطوير مكانة المسرح في المجتمع ودعمه للإبداع ووقوفه الى جانب الشباب.
أما الناشط المسرحي "غوثي عزري" فأشاد بالتجربة الرائدة للفقيد خاصة من جانب تطوير أعمال الترجمة والاقتباس والتأليف المسرحي"، معتبرا الرجل "أحد كبار المسرح الجزائري الذين أسسوا ركائز قوية ومتينة للفن الرابع"، وذكر أيضا أنّ بن قطاف كانت له خصال شخصية سمحت له بالتواصل المميز مع المحيط خاصة مع المسرحيين الشباب الذين استفادوا من خبرته الطويلة والثمينة في المجال.
بدوره، اعتبر الفنان "محمد ميهوبي" أنّ الفقيد بشخصيته الفذة، أسهم في بروز مبدعين شباب، مضيفا: "المرحوم كان كاتبا مسرحيا متألقا ولم يمنعه مرضه من خدمة المسرح الجزائري ودعم المواهب ووفاته بالفعل خسارة كبيرة لنا".

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف