إدريس كثير: "إرحل" شعار يتوجه إلى ما يحكمنا في العمق "الزعيم، الفساد، المحسوبية"
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
أكد المفكر المغربي إدريس كثير أستاذ الفلسفة وأمين الجمعية المغربية لمدرسي الفلسفة، بفرع فاس، أن الإنتقال إلى الديمقراطية يجب أن يتم بعد رحيل كل الفاشلين وبعد تشبيب الأجهزة السياسية في الأحزاب والنقابات والجمعيات والحكومة والإتحادات الأدبية والفكرية. وأضاف أن من يتحدث عن الدخول الثقافي وتسريع الثورة الثقافية لا يدرك بأن هذا الربيع العربي هو ثورة ثقافية إندلعت منذ مدة وعلى المثقفين التقليديين استيعاب هذا الأمر والإنخراط فيه لفهم ما يجري.
وقال إدريس كثير إن عزوف الشباب وجزء كبير من المثقفين كان عن السياسة التقليدية وعن التنظيم المضجر، وعن اللقاءات النمطية وعن الهرولة نحو المناصب وعن الخصومات الماكيفيلية، وإن استمر جزء من المثقفين في مقاطعتهم؛ فقد عثر الشباب على وسيلة للتواصل "فايسبوك" وانخرط في شبكة تواصلية وأبدع لنفسه غناء جديدا كونيا والتحم مع غيره كأصدقاء، وبات الراب لسان حاله، إنها إذن ثقافة جديدة وتنظيم جديد ولقاءات جديدة، أدهشتنا لأنها باغتثنا".
ورأى أننا في الوطن العربي لا نملك تقليدا يمكن تسميته بالاحتفال الثقافي، فكل البلدان العربية الوازنة على المستوى الثقافي كلبنان والكويت ومصر لا تدعي هذا التقليد. وحتى معارض الكتاب والثقافة كمعرض الدار البيضاء "المغرب، معرض لبنان ومصر وبعض دول الخليج لا تشكل دخولا وافتتاحا ثقافيا كما نلمسه في فرنسا مثلا حيث تتنافس دور النشر على عرض مختلف منتوجاتها الأدبية والفكرية بدءا من شهر سبتمبر "أيلول" في كل سنة حيث ترصد جوائز عدة للتباري والتسابق. وتنظم وزارة الثقافة وجمعيات المجتمع المدني لقاءات ومحاضرات في ذات الشأن.
وأكد إدريس كثير "ثقافتنا لا تسير وفق هذه الروزنامة. يبدو أنها تخبط خبط عشواء. فما علاقة هذه العشوائية بربيع الثورات العربية؟ وقال "الحراك الجماهيري الأخير يتعلق بثورة شعبية شبابية. "نجحت في اقتلاع رموز الفساد بتونس/ ومصر". خميرة هذه الثورة هي الشباب المتعلم المثقف والعارف بالتكنولوجيا، والتواصل عبر النيت: "يوتوب فايسبوك، توتير..". شباب يتواصل عبر كل اللغات يضغط على الكلمات ويختصرها..ولا يؤمن بالزعامة الكاريزمية، ويعتقد أن التنظيم أيا كان يجب أولا أن يفسخ، "ارحل" ليعاد بناؤه من جديد وبشكل آخر لأمد طويل.. أكبر خطر يهدد هذه الثورة هو الإلتفاف على مطالبها وآفاقها.. "كما جاءت المحاولات "الفاشلة" إلى حد الآن في مصر وتونس، وكما يبدو أنها مستمرة ولو بشكل صامت في أماكن أخرى..".
وأضاف "انطلاقا من الحكرة أو الإحتقار "البوعزيزي" وانطلاقا من "الحريك" "إحراق الذات كاحتجاج".. جاءت الثورة العربية الشبابية. فهي نتيجة " النايضة" وهو مفهوم لا يترجم النهضة فقط كما فهمها وطبقها رواد النهضة "الطهطاوي قاسم أمين، محمد عبده.." وإنما يتجاوزها نحو "نهضة" جديدة تتعدى البعد السياسي بله الإيديولوجي لتتبنى ثقافة موسيقية تنهل من الهيب هوب والراب العالميين مصادر فنها، ومن الغناء أو "الحايحة" دواعي تأجيجها "يا مصر هانت وبانت" "امنين فهمتنا" ومن الفايسبوك.. أسباب تواصلها.
وأوضح إدريس كثير أنه في ضوء ذلك "لا معنى إذن للحديث عن الثقافية والفكر العربي ولا للحديث عن تقليد عربي ثقافي الآن، والحراك الشبابي في بدايته.. بداية حراك لا يني يعيد النظر في كل المفاهيم والبراديغمات بما فيها الثقافة وجواراتها. لقد غاب المثقف الكلاسيكي رغم حضوره "جابر عصفور"، وحضر مثقف شاب يتقن لغة النيت والبرمجة والتواصل.. وواكب مثقف آخر الحراك وانخرط فيه "علاء الأسواني" واستوعب المثقف العضوي بعض الصور الحية في مظاهرات 20 فبراير بالمغرب مثلا:
صورة إحدى المتظاهرات
من عشرين فبراير ومارس
على قميص أبيض
بأحرف سوداء:
I dont need sex
Gouvernment fuck me !
Every day
ليست بحاجة إلى الجنس
الحكومة تضاجعني في كل يوم !
ييس !
الحكومات بكل الوزارات
تضاجعنا منذ القدم
والسلطات كلها الآن
وأمس.
(الشاعرالمتميز إدريس الملياني)
وأشار إدريس كثير إلى أن التأطير وتشكيل الوعي والمد الثوري لم يعد يقوم به فرد واحد ولا قيادة موحدة إنما هي مفاهيم كلاسيكية نخرتها الإنتهازية والوصولية والهرولة وقلب القيم: بحيث بات الجلاد مناضلا والمثقف مخبرا ومنظم الحفلات مثقفا- لذا فشعار المرحلة الذي هو "إرحل" لا يتوجه إلى الآخر "الإستعمار، العولمة" إنما يتوجه إلى الذات أو إلى ذلك الجزء من الذات الذي يحكمنا "الزعيم، الفساد، المحسوبية" يجب التحرر مما يكبل الذات لتستطيع التحاور مع الآخر فيما بعد. لقد اتضح بالملموس أن الآخر "أوربا خصوصا" لا يتعامل معنا إلا بقدر إحترامنا لأنفسنا، وبقدر مصلحته، وهذا أمر مفهوم، فحين ننادي بقيم الثورة الفرنسية "الحرية، المساواة، الأخوة" لا يمكن لفرنسا أن تتنكر لإنسيتنا وكونيتنا "رغم أن فلول الإستعمار حاولت ذلك في بداية ثورة تونس: أليو ماري مثلا، فالنزعة الإستشراقية نالت حقها من النقد والفحص "إدوارد سعيد، الخطيبي"، والإعتراف بنا لا كأنظمة وإنما كشعوب بدأ مع هذه الثورة الشبابية: على مستوى السينما "في المهرجان الأخير العاشر لمدينة كان تم الإعتراف بيسري نصر الله من مصر"، وعلى مستوى الموسيقى هناك أهمية الراب العربي "في فرنسا وهولاندا" ثم ترجمة الأدب العربي "أولاد حارتنا/ عمارة يعقوبيان. وعليه إما أن نكون مع أو ضد هذا الحراك الثوري. كل الأنظمة الكليانية العربية تقول بأطروحة المؤامرة والدسائس وتفتعلها. ولا أحد يصدقها "كاميرات المحمول تكذب ذلك" ولا يمكنها أن تستجيب لمطالب شبابها لأن في الإستجابة إزاحة وسقوط لأركان الفساد والبيروقراطية، التي حاولت وأد هذه الثورات "البلطجية، افتعال التعصب الديني، التدخل السافر "السعودية". مقابل ذلك هناك بارقة أمل حقيقي، للقطع مع الخوف والإهانة مازال اليمنيون والليبيون والسوريون يحملون مشعلها.
وأضاف "أجل لكل بلد خصوصيته، فثورة تونس ليست هي ثورة مصر ولا ثورة اليمن ولا ليبيا، إلا أن الذي ميز التجربة المغربية هو أنها عرفت انتقالا هادئا للسلطة "ساهم فيه الإشتراكيون" ثم طرح مفهوما جديدا للسلطة بالمغرب وتمت ممارسته، وتعرض المغرب لتجربة قاسية "الإرهاب الغاشم على البيضاء" ثم فتحت أوراش كبرى "اقتصادية، بنيات تحتية" وواكب ذلك إقتراح إصلاحات كبرى "التعليم، المرأة، الدستور" ثم ضربة غاشمة جبانة "مراكش". لقد كنا ومازلنا رغم المثبطات في إطار تحقيق ثورة هادئة خاضعة لدوافع المستقبل ومنفلتة من روادع الماضي. لكن ستبقى هذه الإصلاحات غير كاملة إن هي لم تطل مجالات وطابوهات: كالقضاء والأمن والتعسف والإعتقالات والحد من هيمنة العائلات والجماعات ووتوزيع الثروات..والمخزن وتغيير الدهنيات ثقافيا.