حسين سليمان: برميل متة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
قبل ساعات كان الليل مخيما على المطار، والجبل القريب منه يضرب ظله على المكان بحيث يحسب لعامل الوهم الحساب القديم. هذا الجبل القائم كان مركز عبادة لأهل المدينة والآن بعد مرور الزمن تحول سفحه الواسع الى مقبرة وإذ امتلأ السفح استخدم الناس ذراه للدفن. لا أحد يدري كيف ستجري الأيام عليه، ولا أين ستصبح بعد ذلك المدينة التي تحاذيه وأي تحول سيطرأ عليها. ديمومة المدينة التي دمروا أبنيتها، ودمروا جسرها المعلق واختفت من تلك الضربة الأيام التي كانت تمر عليه، مازالت مستمرة كأن شيئا يحدث في الخفاء.&
إلى غرفة صغيرة فيها طاولة وسرير عسكري. كان الضابط عند الطاولة يتأمل انتشار النور الأصفر للمبة ضوء مزروعة في الجدار، يذكره ذلك النور ومدى الضعف الذي في شعاعه بطفولته. حرك المسجلة على عتابا "اسمع وشوف بعينك" صوتها منخفض من أجل النائمين في الغرف المجاورة. هز رأسه بشجن وشفط من مصاصة المتة، يتذكر طفولته وايام شبابه الأولى، ذكرى تبزغ بقوة ثم لا يدري لماذا تبدأ بالزوال، بعد وقت وجيز تذبل، شمس الذكرى تغيب وراء الأفق وتختفي ولا يستطيع أن يعيدها مرة أخرى، وهو يتأمل للمرة الثانية إذ يرفع عينه نحو النافذة فإن الخيال الاسطوري للجبل يقتحم رؤاه ويصبح في الليل كتلة هي عبارة عن فجوة سالبة في عالم الواقع.&أن ينام قليلا قبل الإقلاع، لكن العسكري يقول: سيدي بدو ياك العقيد.لأن الشمس بزغت وحان وقت الإقلاع. فغمز بعينه المنتفخة &-كيف ظهرت الشمس فجأة - أن يأخذ معه &- سيبقى محلقا حوالي الساعة على الأقل، لذلك فهو بحاجة الى مسجلة وابريق متة أيضا.فكرة مضحكة، كيف متة، إن سمعك العقيد سيدي ليتعقد من هذا السلوك!إن ما يعجبوا خلي يروح بدالييييي!!من خلال الضوء المنتشر تذكر أمه التي لم ترض عنه، لأنه يقوم كما تظن بعمل شائن. بينما في المقابل يفكر أنها خراب، لا تعرف ماذا يحصل في البلاد، معمرة عجوز في رأسها خرف. تظن اننا مازالنا في الزمن القديم. لا تدري أن ذاك القديم، خاصة الزمن (تبعها)، لا تدري أنه قد مات.دق الجرس ودخل التلاميذ. فرغت الباحة من الهرج. كان العلم يرف، إن كان هناك علم، في أعلى غرفة المدير &-أي علم، كان يجب أن يضعوا علما، لكن خوفهم من كل شيء منعهم من ذلك، لم يعرفوا أي علم يجب أن يرفعوا. &وربط بحذر برميل المتفجرات بقاعدة الحوامة، ثم وضع له العسكري ابريق المتة في صينية بين قدميه لأنه كما قال: لما تميل الحوامة سيدي يمكن يندلق عليك الابريق، لهذا فوجود الابريق في الصينية آمن. تفقد عند ذلك حذائه وحرك داخله اصبعه الكبير، يتخيل أن الماء الساخن يندلق عليه. في إحدى المرات حين كان في بيت والده ينتظر القبول في الكلية الجوية اندلق عليه ابريق المتة، أو أنه عثر به، حين وضعه على الأرض يذكر لسبب ما ذهب إلى المطبخ كي ينقع المتة ويغسل المصاصة التي تعذبه في المص، يجب تبديلها أو بالأحرى إزالة الرواسب التي ضيقت المجرى. حين عاد مسرعا لم ينتبه الى ابريق المتة الساخن في الأرض فعثر به وكان الماء الساخن سلخ عقب قدمه ورسغها. يحب أن ينتبه، لكن الحذاء العسكري، حذاء الطيران لن يصيبه شيئا حتى ان اندلق عليه كامل الإبريق. كان يتجهز للإقلاع والنهوض إذ أثناءها تتقعر قبة السماء وينطوي المشهد وللذي لا خبرة لديه في الإقلاع يقع مغشيا عليه. شفط مرة اخرى وسحب نفسا من سيكارة الحمراء. سمع نفس الأغنية مرات وكان الصمت الذي يدور في زاوية الغرفة في الليل مع حفيف الأغنية وشيء من الذاكرة حيث الليل دوما له وقع آخر، الجميع نيام ما عداه، لا يعرف لماذا لم يستطع النوم، ربما القلق أو مسألة الحياة. تذكر حبيبته التي فضلت شابا آخر عليه، وتركته وحيدا في الساحة تسخر منه، وحيدا هكذا فجأة كما لو أنه ليل وخال نفسه وحيدا في الساحة وفي الأعالي تتجمع الغيوم السوداء ويجب أن ترعد وتبرق &- يبقى تحت المطر- تُطفئ بعد حين الأنوار في نوافذ المنازل ولا يبقى أحد آخر في هذه البقعة، يقظا سواه، وحيدا سواه.&سوف يمتطي الحوامة، وطالما بين قدميه ابريق المتة والمسجلة &- وضع كأس المتة على ناصية قريبة من ساقه وراح يدفع عصا الطائرة كي ترتفع على مهل، طالما بين قدميه فلن يكون هناك عائق يقف أمامه، لكن سيدي اين هو العائق، هكذا كان كلام العسكري، أي لا يوجد أمامك عائق لأنك في السماء، وليس على الأرض- الأرض عائق، أما السماء فسيولة وانسياب، حلم لا رابط بينه وبين الواقع الذي في الأرض. لهذا الأمر تأتيه ذكريات القرية أو البلدة، يشد المسجلة على أغنية "اسمع وشوف بعينك" كان الجو صافيا والغيوم البيضاء تقترب ثم تبتعد بحب وحنان.&شفط من كأس المتة إلا أن الشفط توقف أو استعصت المصاصة، فانتبه الى أمر كان قد شغل فكره &-يقول للعسكري المرافق: ولك جبت معك متة كفاية؟!&إي سيدي. يهز رأسه باحترام وحاجة الى ارضاء سيده يجب أن يفطن الى أن يرفع ليس فقط برميل المتفجرات إلى الحوامة بل هناك متة كفاية جبناها معنا سيدي، أي أن هناك برميل متة كاملا.تنفس الصعداء لأن الأمان، أمان المتة والاطمئنان وراءه وافرا. رفع المسجلة عاليا وراح يميل مع الحوامة على وقع الاغنية. جلس العسكري في مؤخرة الحوامة ينتظر أن يقترب من الهدف ويرى سيده يمص ويميل فنهض نحوه كي يسأله السؤال المزعج: ما وصلنا سيدي؟ كان صوته غير هادئ، صحيح أن هدير الحوامة صامُّ، المؤشرات العديدة التي أمامه تجعله مليء بالتفكير والانتباه الأمامي، لكن من الخلف يأتيه قائلا سيدي هل وصلنا. سيدي لم ينتبه الى خلفه- فراعه أن يسمع رجلا يكلمه من الخلف. مضى وقت طويل وحيدا في الساحة، يحدق أمامه من أجل الحبيبة ويحس بالعزلة وحين سمع صوت العسكري من خلفه انتبه وكأن الانتباه خوفا فتعثر مرة أخرى بالمتة، ليس بقدمه هذه المرة بل بيده الفزعة، وهنا سقطت كاسة المتة على ساقه وبللتها بالسخونة. فانتفض في مكانه يلعن اللعنة المعتادة التي يطلقها كل يوم: ولك ما تنتبه ها؟! لأن ساقه قفزت الى الأعلى تحركت قليلا يده على عصا القيادة وارتفعت قدمه عن الدواسة فدارت الطائرة ثم خفقت ومالت قليلا ما جعل البرميل يميل ايضا فركض العسكري نحوه كي يثبته. قال له استوي سيدي. أن يجعل الطائرة في وضعية مستوية، الرامي مستلقيا في الفضاء ويحدق في الدريئة البعيدة.&كانت الساحة فارغة وقد أطفئت أضواء المنازل، ظل وحيدا في الساحة ولن تخرج الآن من كانت حبيبته، كما يرى فهي مع رجل آخر داخل ذاك المنزل وقد أسدلت الستارة وجعل المنظر من بعيد قاتما، لو لدي طائرة، لو يسرعوا في قبولي بالكلية الجوية كنت حلقت فوقهما وقصفت وقصفت. مز من السيكارة بينما المطر، الذي لا معنى له يسقط. أين في الحالات العامة يسقط المطر، لماذا يسقط. قطرات حادة ساخنة أحرقت جلدة الفخذ بعد أن اخترقت البنطال الجوي وهكذا. عص بيده على عصا القيادة وهو يكز على أسنانه ثم قال له وصلنا يا حمار ألقي البرميل. حرره من أربطته وألقيه.ليس هناك علم فوق الغرفة وهذا مقبول في يوم مثل هذا اليوم حيث لا معنى لأي شيء، كم من المعلومات يجب القاؤها، كم من التعاليم والقيم، كم من الناس يجب القاؤهم أيضا، هل يجب القاء العالم. كان البرميل في رحلته الى الاسفل حين خرج التلاميذ الى الباحة وراحوا يحدقون نحو صوت مجهول قادم من الأعلى، لا تستطيع العين رؤية ذاك المجرد المرتفع.&حين ألقى البرميل تذكر أمه فجأة، رآها أمامه عند زجاج قمرة القيادة فاضطرب قليلا لكنه سحب نفسا من السيكارة وتلمس فخذه التي بدأت تؤلمه، كانت تنظر إليه.سيمضي وقت طويل قبل أن يحث العالم الوجدان ويقوم بتمثيلية "كان يجب أن نتحرك ولا ندع الاسد ولا بوتين..يقتلان الاطفال والمواطنين..."&كان البرميل يحمل الهدايا. كل شيء كما لو أن الإنسان أعزل أمام أنواع متعددة من الجزارين لهم اسماء ناصعة البياض يؤمنون أنهم على حق والآخرين على باطل. حين رأى التلاميذ - كانوا أكثر نباهة، حين رأوا نقطة سوداء بعيدة تسقط نحوهم وانفجارا بدت ناره عميقة في الفضاء علموا علم اليقين أن الخطأ القاتل يحصل أحيانا لكن احتمالاته قليلة، الخطأ القاتل الذي يحول مجرى التاريخ، هذه المرة ألقى العسكري برميل المتة بدلا من البرميل الآخر.&&&&التعليقات
برميل .. فجيعة
عادل -( العملُ) أعلاه، بدأ بداية موحية، ثم انحدر الى متاهة لغوية و أدائية، صيغت بأساليب ركيكة. حيث هوى الكاتبُ على لغة القص ( الفصيحة !!) بمعول عامّي غير مسوّغ(و الأمر لايتعلق بالحوارات العامية) ولكن بلغة المتن. فالكاتب ( دون رحمة) اقتاد القاريء الى متاهته ، ثم غاص به (دون عدة غوص) كي ينبثق به في النهاية، على عبارات تقريرية فجة، كي يدين ( براميل المتفجّرات) و لكن بلغة صحفية ساذجة. وقد استبدل القاص برميل المتفجّرات، ببرميل ( متّة) كي يحدث مفارقة فنية، ولكنه، لسوء الحظ، ألقى برميل ( متفجّراته) على رؤوس القرّاء. أما عن الأخطاء اللغوية، والصياغات ( المدهشة) في ركاكتها، فهو أمر يدعو الى الأسى. عدا غياب علامات الترقيم، مّما أدى الى تداخل العبارات دون سبب منطقي. واللافت للنظر أن محرّر إيلاف، قد أعاد ( القصة) الى صدر الصفحة الثقافية، بعد أن اختفت، ربّما لأسباب تتعلّق بموقف إيلاف السياسي من الحروب الدائرة في سوريا، وليس لأسبابٍ فنية، وهذا على حساب المَكَنة الفنية و أسبابها دون شك.