تراوح بين انتقاد التغييب وتبرير الغياب
غياب السينما المغربية عن مسابقة مهرجان مراكش يثير جدلاً
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
مراكش: خيم غياب السينما المغربية عن سباق التنافس على جوائز المسابقة الرسمية للمهرجان الدولي للفيلم في مراكش، على فعاليات التظاهرة التي تختتم السبت.
وتفاوتت وجهات النظر، بخصوص هذا الغياب، بين انتقاد "التغييب" وتبرير "الغياب". وتحدث المنتقدون عما اعتبروه تغييباً لا يمنح المغاربة فرصة الوقوف على قيمة منجزهم السينمائي لمشاهدته ومقارنته بباقي الإنتاجات الأجنبية المشاركة، من جهة، وأنه لا يقرب السينمائيين الأجانب من التجربة السينمائية المغربية، من جهة ثانية، فضلاً عن أن هذا "التغييب" لا يمكّن من معرفة مآل المال العام الذي يخصص لدعم الإنتاج السينمائي الوطني؛ مع تعجبهم من شبه غياب السينما المغربية عن كامل برنامج العروض الخاص بمهرجان مغربي، بشكل تحول معه الجمهور المغربي إلى ضيف على الإنتاجات السينمائية الأجنبية المشاركة في مهرجانه المغربي.
وعلى العكس من ذلك، بررت بعض المواقف هذا الغياب بكون أغلب المخرجين المغاربة هم بصدد تحضير أفلام جديدة، لم يتم الانتهاء بعد من تصويرها، وأن لجنة الانتقاء لم تقتنع بالأفلام، التي رشحت للمنافسة في المسابقة الرسمية.
خيار عدم اختيار
تساءل بعض المتتبعين، تعقيباً على تصريح نقل عن صارم الفاسي الفهري، مسؤول المركز السينمائي المغربي، قال فيه إنه "لا يشرف المغرب ولا السينما المغربية أن نمتعها بتمييز إيجابي لمجرد ضمان حضورها في مهرجان مراكش"، عن الذي تغير بين الدورات السابقة من المهرجان، التي شهدت مشاركة أفلام مغربية "ضعيفة" في المسابقة الرسمية، ودورة هذه السنة، حتى يتم الدفاع عن "خيار عدم اختيار" فيلم مغربي للمشاركة في المنافسة الرسمية.
مفارقة
أشارت بعض الآراء إلى أن "شبه غياب" السينما المغربية عن المشاركة في المهرجان السينمائي المغربي لا يتعلق، فقط، بالمسابقة الرسمية، بل ينسحب، تقريباً، على التظاهرة، بشكل عام، من جهة أن نسبة الأفلام المغربية تمثل أقل من عـُـشر الأفلام المشاركة في مختلف فقرات برنامج العروض، وأنه، على النقيض من ذلك، يحضر اسم فرنساً، مثلاً، في 24 فيلماً، بينها 17 من إنتاج مشترك؛ متسائلين، في هذا الصدد، عن "خلفيات" اقتصار الحضور السينمائي المغربي على "ثلاثة أفلام وربع": واحد خارج المسابقة، هو "عمي" لنسيم عباسي؛ وثان هو "ماجد" لنفس المخرج، المبرمج ضمن فقرة عروض ساحة جامع الفنا؛ وثالث هو "دالاس"، لمحمد علي المجبود، المبرمج في فقرة السينما بتقنية الوصف المسموع للمكفوفين وضعاف البصر، فيما يشارك المغرب في الفيلم الرابع" ميموزا" لمخرجه أوليفر لاكس، من أصول إسبانية، في فقرة "نبضة قلب"، فقط، كطرف مشارك في الإنتاج إلى جانب إسبانيا وقطر وفرنسا. وهو ما يعني، وفق بعض المواقف الساخرة، أن "المغرب يحضر في مهرجانه السينمائي الدولي بثلاثة أفلام وربع".
حضور شبه منعدم للسينما العربية
لوحظ شبه غياب للسينمائيين العرب في المهرجان المغربي، فيما اقتصرت الأفلام العربية المبرمجة على ظهور الأردن وقطر ولبنان في ثلاثة أفلام تم إنتاجها، بشكل مشترك مع دول أوروبية: الأول "ليلى م." لمخرجته ميكي دو يونك، وهو من إنتاج هولندي -بلجيكي ألماني أردني مشترك، والثاني "من السماء" لمخرجه وسام شرف، وهو من إنتاج فرنسي لبناني، والثالث "ميموزا" لمخرجه أوليفر لاكس، من أصول إسبانية، وهو من إنتاج مغربي - وإسباني - قطري - فرنسي . وهي أفلام عرضت جميعها في فقرة "نبضة قلب".
حضور باهت للسينما الأفريقية
اقتصرت مشاركة الأفلام الأفريقية على فيلمين، من إنتاج مشترك، هما "رعاة وجزارون"، المشارك في المسابقة الرسمية، وهو من إنتاج مشترك بين جنوب أفريقيا والولايات المتحدة وألمانيا، وفيلم "وولو"، ضمن فقرة "نبضة قلب"، وهو من إنتاج مشترك بين فرنسا والسنغال ومالي، وذلك في وقت لم يشاهد فيه، تقريباً، أي حضور لسينمائيين من دول جنوب الصحراء، في المهرجان السينمائي المغربي الدولي.
لا يمكن أن نتفق
قال بلال مرميد، الإعلامي المتخصص ومقدم برنامج "في مواجهة بلال مرميد" على "إذاعة ميدي 1" وقناة "ميدي 1 تيفي"، لـ"إيلاف المغرب"، تعقيباً على الرسالة المفتوحة التي وجهها، قبل ثلاثة أيام، لبرونو بارد، المدير الفني لمهرجان مراكش، تحت عنوان: "من بلال مرميد إلى المدير الفني لمهرجان مراكش السينمائي: لا يمكن أن نتفق عزيزي!"، معبرا عن رأيه في "شبه غياب السينما المغربية" عن البرنامج العام لمهرجان مراكش، وتقلص الحضور العربي والأفريقي، سينمائيين وأفلاماً، في المهرجان المغربي، إنه "جرت العادة أن كل مهرجانات العالم، بغض النظر عن فئاتها، تكون ملزمة بأن تخدم سينما البلاد المستقبلة، وبالتالي ليس من المفروض أنه إذا غاب فيلم البلد المنظم عن "المسابقة الرسمية" ألا يشارك خارجها. وأنا لا أفهم لماذا لا يتم إحداث فقرة، قد تسمى "بانوراما"، مثلاً، يتم فيها عرض الأفلام المغربية التي أنتجت في سنة تنظيم دورة من دورات المهرجان، وذلك بشكل يمكن من معرفة ما أنجز والوقوف على مستواه من قبل المغاربة، وأن يتمكن الضيوف من التعرف على سينما البلد المنظم. إذ كيف يمكن لكبار ضيوف هذه السنة، مثلاً، من قبيل المخرج الهولندي بول فيروهوفن والمخرج المجري بيلا تار، قائلاً إن متابعته للأفلام المشاركة في المسابقة الرسمية بينت له أن بينها أفلاماً لا تفوق قيمة ما أنجز من أفلام مغربية خلال هذه السنة. كما أثار سؤالاً آخر، يتعلق بمبرر عدم اكتمال جاهزية بعض الأفلام المغربية للمشاركة، حيث تساءل إن كانت هذه الأفلام لم يكتمل إنجازها، فعلاً، أم أن أصحابها أخروا إنجازها لأن مهرجان مراكش لم يعد يغريهم، وصاروا يبحثون عن آفاق أخرى.
ورأى مرميد أنه، في كل الأحوال، وبغض النظر عن نقاش المشاركة، من عدمها، في المسابقة الرسمية، يبقى المشكل في عدم عرض السينما المغربية في باقي فقرات المهرجان.
وبخصوص الحضور شبه المنعدم للسينما العربية والباهت للسينما الأفريقية في المهرجان المغربي، اعتبر مرميد هذا المعطى مشكلاً آخر يأتي لينضاف لمشكل المشاركة المغربية في المهرجان المغربي، مشيراً إلى أنه "يلزمنا أن نجلب مخرجين عرباً للمشاركة في المهرجان المغربي، والذين هم على استعداد للحضور إلى مراكش، وأن نفتح المجال، أيضاً، أمام السينما الأفريقية، انسجاماً مع انفتاح المغرب على عمقه الأفريقي".
وشدد مرميد، في نهاية وجهة نظره، على أن الإدارة الفنية عادة ما تقوم على مدير فني ومبرمجين من توجهات سينمائية، وحتى من جنسيات مختلفة، وذلك بشكل يمكن من طرح وجهات النظر وأخذ فكرة عن مختلف الاقتراحات بشكل يخدم البرنامج العام للعروض.
تناقض صارخ
من جهته، رأى الناقد السينمائي محمد اشويكة، في حديث لـ"إيلاف المغرب"، أن "مهرجان مراكش، لم يصل، وهو في دورته الحالية، إلى رسم استراتيجية واضحة المَعَالِم للتعامل مع السينما المغربية، سواء من حيث حضورها في "المسابقة الرسمية" أم في فقرة "نبضة قلب"، أم في البرمجة بشكل عام، وكذا في حضور المهنيين (منتجين ومخرجين ونقاداً، ...)؛ إذ من البديهي أن يكون المغرب، كبلد منظم وممول، حاضراً بقوة في فعاليات المهرجان، ومنظماً فعلياً له، وبالتالي فرض ما يريد، وعدم الاكتفاء بتأثيث الفضاء. إن إقصاءه بدعوى عدم جاهزية "الكبار" أو "عدم التفضيل الإيجابي" ليمثل تغطية على ضرب تجربته السينمائية الرائدة أفريقياً وعربياً، وتناقضاً صارخاً مع توجهات البلاد العليا المنفتحة على محيطها المغاربي والعربي والأفريقي، ومحاولة لإقبار المكتسبات".
وختم اشويكة بالتشديد على أنه "حان الوقت لإحداث قطيعة جذرية مع هاته الممارسات التي ستؤدي بالمهرجان إلى التراجع كواجهة فنية إنسانية للتعريف بالثقافة والحضارة المغربيتين".