ثقافات

لورد بايرون: نهاية العالم

-
قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

&


&أنطونيوس نبيل
باغتني حُلمٌ،لا يَملكُ رائحةَ الحُلم:الشَّمسُ الوَهيجةُ قد خمدتْ،والنُّجومُ قد طافتْفي دياجي الفضاءِ السَّرمديّتترنحُ هامدةًلا يبينُ لها سبيل،والأرضُ قد هامتْعلى وجهِهامُصفَّدةً بالصَّقيع،ضريرةً تنوسُ في تيهٍمِن أثيرٍ بلا قمر؛جاءَ الصباحُ ومَضَىثُمَّ عاودَ المَجيء،وما مِن نهارٍ في جعبتِهِ،جَزَعًا مِن كُلِّ هذيذَهَلَ البَشرُ عمَّا في صدورِهممِن هوًى واشتهاء،فَزَعًا مِن الدَّمارِ الوَشيكاقشعَّرتِ القُلوبُ جميعُهافي ابتهالٍ أنانيٍّلا يلتمسُ ضارِعًا إلا الضِّياء.
حيثُ كانتْ النَّارُ تتأوَّد،كانَ للبَشرِ مُستَقَرٌّ؛عروشُ الملوكِ المُتوَّجينوقصورُهمصارت حطبًا للهيب،أكواخُ المُعدمينَوكًلُّ مَثوًى يَصلُحُ للسُّكنىصارَ طُعمةً للنَّار،المَدائنُ كافتُها أفناها السَّعِير،واحتشدَ البَشرُحولَ بيوتِهم المُتأجِّجةِ؛ليُحدِّقوا مَرَّةً أخرىفي وجوهِ بعضهم بعضًا.
سعداءُ هم الذينَتسنَّموا قُنَنَ الجِبالِ،وأحاقوا بعيونِ البراكينجاعلينَ مِنها سراجًا لهم:الأملُ الرَّهيبالذي لم يبقَ للعالمِ سواه.
الغَاباتُ الشاسعةُأُضْرِمَتْ فيها النيران،ساعةً فساعةذَوَتْ واضمحلتْ،والجذوعُ المُتوِّقدةُانطفأتْفي سقوطٍ صاخبٍ،سَادَ في أعقابِهِصمتُ الظَّلام.
كانَ الضوءُ القَنوطُيَصفعُ في التماعاتٍ مُتقطِّعةٍوجوهَ البَشرِ؛فيكسوها بسِحنةٍ حُوشِيَّةٍ مقيتة:مِنهم مَن رقدَ على الأرضِوأخفى عينيه وبكى،ومِنهم مَن أسندَ ذقنَهُعلى قبضتِهِ المُطبَقةِوابتسم،وآخرون هُرِعواإدبارًا وإيابًا؛ليعلفوا محارقَهم المأتميَّةَبالهَشيم:بنظراتٍ مُترَعةٍ بغضبٍ مُهتاجكانوا يرشقونَ السَّماءَ البليدةالتي بَدَتْ لهمكفنًا لعالمٍ يُحتَضَر،ثُمَّ يَغُضُّون أبصارَهموهم يَلعنونيَصِرُّون بأسنانهمويزمجرون بحَنَقٍ رتيبٍمَكظوظٍ بالخِزي.
الطيورُ البريَّة صاحتْهَلَعًا ورفرفتْ نحوَ الأرضِتُصفِّقُ بأجنحةٍ عقيمة،أشرسُ البهائم ألجمها الرُّعبُفأقبلتْ تدنو داجنةً وديعة،والأفاعي زحفتْ حثيثًاوأوغلتْ في الحشودِجدائلَ مِن فحيحٍ مأنوسٍ لا يَلدغ؛فذبحها البَشرُوجعلوها قوتًا لهم.
الحَربُوقد احتجبتْ هُنَيْهَةًعادتْ وقد احتدمَ نَهمُها:كُلُّ وجبةٍكانَ الدَّمُ ثمنًا لها،وكلُّ امرئٍكانَ يَنتبذُ عابِسًا؛ليُتخِمَ جَوْفَهُ على عَجَلٍ،مُلتهمًا وجبتَهُ الدَّاميةَخَضْمًا في غمٍّ مرير.
صارَ الحبُّ طريدًا؛فاعتزلَ العالمَ،وألحَّ على كلِّ الأرضِهاجسٌ وحيد:موتٌ عاجلٌ ذميم،وأنشَبَتِ المَسغبةُ مخالبَهافي كلِّ الأحشاء.
هلكَ البَشرُ:انتثروا عِظامًا أعوزها دفءُ القبرِوجِيَفًا ليسَ لها كرامة؛فالأعجفُ يبتلعُ المُدنِفَوالمُدنِفُ يزدردُ المَيْتَ.
حتَّى الكلابُانقَضَّتْ على سادتِها،ما خلا كلبًا واحدًا:ظلَّ بارًّا بجُثَّةِ صاحبِه،يَزجرُ عنهاخِمَاصَ الطَّيرِ والحَيوانِ والبَشرِبنُبَاحِهِ البَاسِلِ الدَّءوب؛ريثما يُضني الجُوعُ قِواهمأو تُغري الجُثَثُ الطَّازَجَةُأشداقَهم الفاغرة،أما هو فلم يَسْعَ وراءَ القُوت،بأنينٍ مَكروبٍ وصرخةٍ يائسةظلَّ يَلعَقُ اليَدَ الساكنة؛مُتَشَوِّفًا أن تُداعبَهُ بحُنُوِّها المُعتّاد،إلى أن مات.
رويدًا رويدًا استحكَمَتْقبضةُ الفَناءِ على أعناقِ البَشر،فلم توفِّر مِنهم أحدًاإلا شخصين:عدوين لدودين مِن مدينةٍ عظيمة،تقابلا في حَرَمٍ قُدسِيٍّ&بجوارِ جَذْواتٍ في رَمَقِها الأخير،حيثُ الآثارُ المُقدَّسةُتَكدَّستْ في كومةٍ جليلةلتخدمَ غرضًا دنيئًا،وانكفآ على الرَّمادِ الكَليليَنبُشَانَهُ ويَفرُكَانَهُبأيادٍ راجفةٍ نحيلةويُنعِشَانَهُ بأنفاسِهما الوانية؛ليَنفُخَا فيه نسمةَ حياةٍ وجيزة،وبَعْدَ طولِ مشقَّةٍأسفرَ الرَّمادُ عن لهبٍ ضئيللا يَجدُرُ إلا بالسُّخريةِ ؛رفعا أعينَهماالمُخَضَّبةَ بالبَريق،ولمحَ كلٌّ منهما مُحَيَّا الآخر؛فصرخا على الفورِوسقطا صريعين،كانا في البشاعةِ نظيرينفماتا ولم يعلما:مَن مِنهما رأى الجوعَيصنعُ مِن ملامحِ الآخروجهًا للشيطان.
العالمُ الذي كانَ عتيًّا مزدحمًاأمسى خاملًا قاحلًا،لا فصولَ فيه ولا أعشابلا أشجارَ فيه ولا بشرلا حياةَ فيه:ما هو إلا كتلةٌ مِن موتٍ جسيموهباءٌ مِن حمإٍ مسنون.
الأنهارُ والبحيراتُ والمحيطاتُجميعُهاأصابَها الرُّكودُ بالخَرس،وما مِن شيءٍفي الأعماقِ القصيَّةِ يختلج.
السَّفائنُ وقد هجرَها ملَّاحوهاأمستْ نُهبةً للعَفَنِ:صواريها تتهاوى قطعةً فقطعة،تنحدرُ إلى الهاويةِ السحيقة،وتحسو راضخةً سُباتَها المُؤبَّددونما أوهى ضجيج.
الموجُ قد ماتَوالمدُّ قد عانقَ رَمْسَهُ،والقمرُ الذي يسوسُهماقد سبقَهما إلى الزَّوال،الرِّيحُ قد قنصتهاأشراكُ الهواءِ الآسنِ،والسَّحائبُ قد تبدَّدت إرْبًا إرْبًا:فالظُّلمةُ قد زهدتْ فيهم،ما سألتْ عونًا مِن أحدٍ؛سُلطتُها حصادُ ذراعيها&كانتْ ألِفَ العالمِ أزلًابطشتْ صارتْ ياءَهُ أبدًا،الظُّلمةُ صارتْ هي الكون.&

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
اماراتيه ولي الفخر
اماراتيه ولي الفخر -

ثُمَّ عاودَ المَجيء،/فَزَعًا مِن الدَّمارِ الوَشيك اقشعَّرتِ القُلوبُ جميعُها /عروشُ الملوكِ المُتوَّجين وقصورُهم صارت حطبًا للهيب، /سعداءُ هم الذينَ تسنَّموا قُنَنَ الجِبالِ،/العالمُ الذي كانَ عتيًّا مزدحمًا أمسى خاملًا قاحلًا /عدوين لدودين مِن مدينةٍ عظيمة، تقابلا في حَرَمٍ قُدسِيٍّ بجوارِ جَذْواتٍ في رَمَقِها الأخير، حيثُ الآثارُ المُقدَّسةُ /الظُّلمةُ صارتْ هي الكون.)) <<خير يا ايلاف ثاني مره تبشرونا شو حكايتكم وروايتكم يا اهل المصايب والكوارث

لورد بايرون: نهاية العالم
انعام القرشي -

قصيدة رائعة