وعيٌ على ذكرياتي 1: رشيد ياسين
قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
&
(الكتاب الثاني): دمشـق.. "جبهة المَجـدْ"&&&أسدل الليل ستائره وزهت دمشق بأضوائها، وتلألأت نجوم قاسيون وحي الاكراد المعلقين في السماء، وانا في زاويتي من ساحة مقهى المحافظة مع أحد الكتب الجامعية المقررة.قدم رشيد.. سحب كرسياً قريبا وجلس قرب طاولتي، وقبل ان أسأله عما يحب ان يشرب قال على عجل وبلهجة منفعلةً- استمعْ الآن الى هذه القصيدة الثورية.. ابتدا بقرائتها وكأنه على خشبة مسرح.. يعلو صوته ملوّحاً بكفيه .. تتسع حدقتاه.. تجحظ عيناه .. وينهض عن كرسيه احيانا.. أتمّ القصيدة.. وبين التهكم والجد عقـّب بقوله :&- لقد ألقيتُ هذه القصيدة في حشود المتظاهرين ببغداد، ومنذ ذلك الحين والشرطة والمخبرين بدأوا بتعقبي هناك، واصبحت مواقف الشعبة الخاصة سكني الثاني، حتى تسنى لي الهرب والقدوم الى دمشق.. صمت برهة ليسألني بنفس اللهجة المسرحية الساخرة:&- ما رايك بهذه القصة المدعومة بالقصيدة الغاضبة لاتقدم بها الى السلطات السورية لطلب اللجوء ؟- ولكنهم سيعرفون يا رشيد، انك كنت في اطراف اللاذقية تمارس التعليم للمرحلة الابتدائية قبل أن تفصل او لنقل يستغنى عن خدماتك هناك.- من سيعرف عن مدرسة صغيرة في قرية نائية.. ثم إن موضوع اللجوء ستحسمه السلطات العسكرية لا وزارة التربية.. أنت تعلم اني بأمس الحاجة الى الخمسة والسبعين ليرة الممنوحة للاجئين العراقين، اضف الى أن الاقامة الرسمية ستسهل فرصة افضل للبحث عن عمل.&خلال قرابة الشهر من معرفتي برشيد ياسين ولقاءاتنا العديدة، وبالرغم من سرده للكثير من تفاصيل حياته الغرائبية في احياء بغداد القديمة، كان يتحاشى التطرق الى فترة تواجده في قرية قرب اللاذقية او عمله في التعليم هناك،بل ويحوّل مسار الحديث لو اقترب من تلك الفترة، حتى حين استمرت علاقة الصداقة، التي اصبحت متينة في الاشهر بل والسنين التي تلتها.&كنت اتابع حياته - الغجرية &- الصعبة في دمشق آنذاك، من النوم على الكنبة الممزقة في الغرفة الصغيرة في احدى الصحف التي يقوم بمراجعة وتصحيح بعض مواضيعها قبل النشر، الى الاستدانة غير مأمولة التسديد لما يسد الرمق، الى وسيلة للحصول على علب السجائرمن هذا او ذاك ولن اقول من الاصدقاء إن كان له اصدقاء، فلم أر ايا منهم آنذاك..&لقد كان صعب الطباع، بل وعدوانيا في كثير من الاحيان لمن يخالفه الرأي، وكثيرا ما كنت أسأل من هذا العراقي او ذاك، عن صبري على تحمل صداقته.. الغريب انه لم يدخل معي في اي موقف صدامي، رغم انفعالاته الصاخبة في نقاشاتنا العديدة والتي لا يبقي فيها على أحد سليم الذكر.&&لم تكن تسمح ظروفي آنذاك، وانا أذوب خجلا من تلقي مصروفي الاسبوعي الجامعي من الجواهري مفرط السخاء، أن أمد يد العون، ولكن أن تنتقل احدى بطانيات الدار او وسادته الى كنبته الممزقة، أو أن اضع على كتفيه معطفي في يوم قارس البرودة، وهو هدية غالية من بلاسم الياسين ( الاقطاعي الكبير) حين قدم الى لندن&أنا خصمُ الاقطاع والادقاعِ ِوكثيرٌ في ذلـكُـم اتباعي&وغريـبٌ جمُ البداعـةِ.... والايام تأتي غرائـب الابداع&أن يقينـي شـرَّ احتيـاجيالى الادنيـن.." شيـخٌ " في ذروة الاقطاع ِ&.. أو ان نشترك انا ورشيد في صحن فول اوطعمية وان أدفع حساب الشاي في أحد مقاهي دمشق فهذا قد كان من مستطاعي.&.. تم قبول طلب لجوء رشيد، وكانت اول بوادر خيره، ان يعين بوظيفته المسائية في التصحيح والمراجعة بشكل رسمي، في نفس الصحيفة التي ينام فوق كنبتها وبراتب شهري قدره ثمانون ليرة.بدات النضارة والابتسامة النزرة تعود الى الوجه الاسمر المتجهم.. اخيرا استبدلت سترته المهلهلة بواحدة تكاد تكون أنيقة.. كثر تردده على المقهى لا لاحتساء الشاي، بل وعصير البرتقال الطازج من كيسه الخاص.. بدأ رشيد برد الدعوة على الجلسة في المقهى بجلسة مماثلة في اليوم الذي يليه.&.. اصبح في إمكانية الجواهري، بعد حصول رشيد على اللجوء والاقامة، على الاستجابة الى رجاءي في مفاتحة رئيس تحرير مجلة الجندي، التي يشرف الجواهري على موادها، لتعيينه بوظيفة ما في المجلة، واستجاب الأديب الشهم (نخلة كلاس) الى الطلب فوراً وطلب مقابلة رشيد، الذي يتحول دائما في مثل المواقف هذه الى أرق شخص واكثرهم مرونة وسلاسة... تم تعيينه بوظيفة المراجعة والتصحيح وبراتب جيد آنذاك وهو مائة وخمسون ليرة.وكانت جلسة احتفالية قي كازينو (شلالات ابو زاد) بضواحي دمشق، ومع العرق الزحلاوي والمزة و(المشاوي) وبصحبة الصديق الشاعر مجيد الراضي، القادم من العراق لاداء امتحاناته الخارجية في كلية الآداب بجامعة دمشق ( لاحقا تكررت الاحتفالات في نفس المكان مع قدوم مجيد ورسوبه او نجاحه في الامتحانات اللاحقة ).&.. هاهو الآن يسكن في غرفة وسيعة مع احدى العائلات، التي تؤجر بعض غرفها &-آنذاك- الى افراد من الطلبة او صغار الموظفين او السائحين.. رشيد يتأنق في ملبسه، ويرتاد مطاعم لطيفة في وجبة غدائه، وتظل اكشاك الفول والطعمية لجولاتنا المسائية في المهاجرين او ساحة المرجة او عند ناصية مقهى ابو كمال المطل من رابيته على بردى... نتجرأ ونرتاد مقهى الكاردينيا الارستقراطية بل ويطلب رشيد الكاتوه مع القهوة، ثم لنعرج بعدها على السينما الفخمة المجاورة لنشاهد فلم يوليسيس.. نخرج عند منتصف الليل لنسير باتجاه معرض دمشق الدولي.. صاحبي يترنم بصوته العذب اغنية لعبد الحليم التي يحفظ كل اغانيه .. نتوجه الى شارع ابو رمانة وتطل علينا نجوم سفوح قاسيون&.. هو في ذروة الانشراح.. يقف على رصيف الشارع الانيق.. يتكأ على جذع احد اشجار زينة جوز الهند وينشد كما في حلم:&وعندما تلوحْ في الليلِآلافُ المصابيح ِعلى السفوحْكأنها كواكبٌتسبحُ في الفضاءْأحـسُ يادمشقْانكِ قطعـةٌٌ من السماء ْ.&&&.. ينتهي من تخطيطاته بالقلم دون حركة وانا اجلس امامه لعشرين دقيقة ويعرض بورتريت&رسام مقتدر كثير الشبه بي&- اذاً انت رسام ايضا ؟!.. من صندوق حقيبة معدنية يخرج بضعة انابيب الوان زيتية واحجام فرش مختلفة ويسلمها لي- انت تحتاجها اكثر مني الآن&&.. يختطف من يدي في المساء لوحتين مائيتين كانتا عند محل للتأطير وينظر اليهما بانبهار..- متى رسمتهما.. اليستْ هذه سفوح ( بلودان ) ؟.. يرفض تسليم اللوحتين الي ويسرع بي رغم احتجاجي الى مقهى ابو كمال حيث ينتحي هناك جانبا، رجل في مطلع الثلاثينات، كث الشعر سمح الوجه بسيط الملبس.... يقدمني اليه، فيمد كفه مصافحا بترحاب ومودّة- هذا يا عزيزي هو فاتح المدرس.. هذا هو سيد الرسم الرفيع.- كم سمعت بك وكم تابعت اعمالك الجميلة استاذ فاتح.. لقد سعدت وتشرفت بمعرفتك، وانا اشكر صديقي رشيد على هذه الفرصة المتاحة.- اريد رأيك أخي فاتح بهاتين اللوحتين لرسام عراقي، واخرج رشيد اللوحتين..&- لابد ان من رسمهما، فنان مقتدر، فاللوحة المائية تحتاج الى مهارة وزخم عاطفي يتفجر بدقائق .- اخي العزيز، انه هذا الشاب اليافع الذي امامك.... حل الظلام، وتلامعت اشرطة الاضواء الملونة المنعكسة من معرض دمشق الدولي فوق مرآة بردى العاتمة.&&.. كان رشيد يقف عند بوابة الدار في انتظار قدومي، مكفهر الوجه، غضوبا حزينا، مطرق الرأس.. صمتّ لبرهة قبل ان يتحشرج صوته ويخرج كالهمهمة المتكسرة- هل سمعت الاخبار.. ياللمجرمين السفلة- بالطبع.. فقد كنا ساهرين مع الراديو لفترة متأخرة، والجواهري يذرع صالة البيت ذهابا وايابا، ثم صمت كل من في الدار وانسحب الجميع الى احدى غرفة الاستقبال، فقد بدا الجواهري يدندن، وبعد قليل وضحت كلمات:.. " يا معدن الخسة من تقاتلوا.. ".. " يا معدن الخسةِ من تقاتلوا.. ".. " وفوقَ منْ تساقطُ القنابل.. ".. " يا معدن الخسة من تقاتلوا.. ومن.."&&وبدا الحدو واستمر الى قرابة الفجر&يا مَعدِنَ الخسة من تقاتلُوفوق مَن تساقطُ القنابلُ&أأصيداً يذودُ عن اوطانهِأم حرةٌ عن عِرضها تناضلُ&أم هُم عجوزٌ ترتمي.. وصبيةٌ ٌومـُقعدٌ.. ومرضعٌ وحاملُ&" كنانة الله.." اسلمي إن المُنىدونكِ لغوٌ.. والحياة باطلُ&" كنانة الله " سيجلو عاصفٌويمـّحي ضرٌ.. ويُـثنى واغلُ&تسعون مليوناً عليك فائتٌيعطفها.. وحاضرٌ.. وقابل&مرت بها ألفٌ يلوك لحمهاذلٌ ويبري عظمها تواكل&ما عَـقُـمـتْ يوماً ولكن حرّةٌٌتخطّـفـت وليدها القوابل&حتى إذا تمخضت عن ماردٍتعجزُ أن تنقُـصه الحبائل&حتى إذا إنشقَ جمالٌ عن ثرىًيَـبسٍ فرقـّـتْ فوقه الخمائل&حتى إذا الصقرُ تمطـّى مُغضَباًتخافُ منه الغيلـةُُ الغوائل&تجمـّـع البغيُ مَـغيظـاً تغتليفيهِ على الوعي أغتلى مراجل&واصطرع الباطلُ وهو فارسٌمدججٌ.. والحقّ ُ وهو راجل&&علا صوت رشيد منفعلا:- انهم يناشدون الجماهير لحمل السلاح ودحر غزاة العدوان الثلاثي.. هيا بنا الى السفارة المصرية لتسجيل اسمائنا كمتطوعين، قبل ان تصخب شوارع دمشق بمظاهرات الغضب.&قابلنا هناك مسؤول العلاقات في السفارة، طالبين ترخيصا بالسفر فورا كمتطوعين، وفي جلسة قصيرة وبادب جم وترحاب تمكن من تهدئة انفعلاتنا، وشكرنا مطمئنا أنهم ليسوا بحاجة في الوقت الراهن الى حمّلة السلاح، فالجبهة تكتظ بالمتطوعين المصريين، وسجل اسمينا وعنوانينا شاكرا، واعداً الاتصال بنا حين تحكم الضرورة.&أهتزت دمشق واكتظت شوارعها بالمتظاهرين الغاضبين، طالبين من الدولة في هتافاتهم تجنيدهم وارسالهم الى القناة، وبتدخلها العسكري لدعم الجيش المصري.&.. استمر هدير المتظاهرين ولم تهدأ شوارع دمشق حتى ساعة متأخرة من الليل.&&التعليقات
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
هراء
داود رضا -رشيد ياسين من انزه الشعراء الذين عرفهم التاريخ ، لو كان مدعياً او وصولياً كما تحاول ان تبين لكان اليوم من اشهر شعراء العراق ، رفض ان يبيع قلمه وفكره للبعث وفضل ان يغادر العراق على ان يكتب قصيدة تمدح المقبور صدام . يجدر بك ان تبحث عن طريقه أخرى للشهره ودع رشيد ياسين يرقد بسلام !