ثقافات

وليام بتلر ييتس: هِجْرانُ حيواناتِ السّيرك

-
قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

حين يكون الشاعرُ قريباً من الموت، بين السرير والطاولة، ينظر إلى أوراقِه متناثرةً على الأرض، ولسان حاله يقول: هذا هو سُمّ الإبرة، الممر إلى الأبدية، كيف الانسلال من خلالها، هذا هو سؤال الشعر الكبير... لكن لم تبق له تلك الطاقة حين كان ربّ الحلبة في سيرك ماضيه، والآن، حيوانات قريحته قد هجرته، وكل ما بيديه هو أن يسترجع أعماله الأولى. كان يجد متعة كبرى، ليس في مضمون ما يكتب، وإنما في الشغل الحرفي على القصيدة والمسرحية. راح يشاجر نفسه منكوداً، ربما قد يتحقق،&بعام قبل أن يموت،&ما قاله ذات مرة: "من الشجار مع الآخرين، ننتج خطابات، أمّا من الشجار مع أنفسنا، فإننا ننتج شعراً". فكانت هذه القصيدة (كتبت مطلع 1938) من القصائد الكبرى التي كتبها وليم بتلر ييتس (1865- 1939). وأروع ما جاء فيها هو المقطع الأخير، كتأكيد على الحصة الدنيوية، الدَنَس الأرضي، في التعالي والرؤى الروحية.
1بحثتُ عن موضوع، بحثتُ بلا جدوى،بحثتُ يومياً ولأسابيعَ ستّةِ تقريباً.من يدري لعلّه، وأنا مُسنّ منكود،ينبغي لي أنْ أرتضي بقلبي، في آخر الأمر، وإنْ كان&الصيفُ كما الشتاء حتّى مَطلَعِ الشيخوخةفإنّ حيوانات سِيركي (1) كلَّها قد استَعرَضَتْ،أولئك الصبيان القائمون على ركائز (2)، تلك العربة المصقولة،الأسد، المرأة، والله أعلم ماذا بعد.
2ما الذي بِيدي غير أنْ أُعدّد مواضيعَ قديمة (3)؟فأوّلاً "أُوشين" (4) فارس البحر ذاك، المُقاد من طارف أنفهعبر جزرٍ ثلاث مسحورة، أحلامٍ رامزة، (5)بهجة غير مجدية، معركة بلا طائل، راحة باطلة،مواضيعَ قلبٍ مُنغَّص، هذا على ما يظهر،&قد تُجمّل الأغاني القديمة أو حفلات البَلاط؛لكن ما الذي جعلني أبالي أنا بوضعه على ظهر الجواد،أنا الذي فيه جوعٌ إلى نهد عروسه الجنّيّة؟
حِينَ ذاكَ حقيقةٌ معاكِسةٌ أتمّت مسرحيتَها"الكونتيسة كاثلين"، هذا هو الاسم الذي أعطيتُها (6)،خجولة، مهووسة بالشفقة، باعتْ روحَهاإلا أنّ السّماء القديرة تدخّلتْ لإنقاذِهاظننتُ أنّ غاليتي (7) مآلُها تدميرُ روحِهالفرط ما أسترقّها التعصّبُ والحِقدوقد أثمرَ هذا حُلْما، وبسرعةٍ كافيةحازَ هذا الحلمُ نفسُه على أفكاري وحبّي
&وفيما كان الأبله والأعمى (8) يسرقان الخبزكان "كوخولين" (9) يُقاتل البحرَ العاتي؛للقلب أسرارٌ ثمّة. لكنْ من البيّن بعدَ كلّ ما قيلأنّ الحُلمَ هذا كان هو الحلم عينه الذي سَحرني:مأثرةٌ عَزلَتِ البطَللسلبِ لبِّ الحاضر وللهيمنة على الذاكرة.فالممثلون وخشبة المسرح ذات المناظر المرسومة&هم الذين سلبوا قلبي كلَّهلا هذه الأشياء التي كانوا رموزَها
3تلك الصور الفائقة إذْ كانت كاملةًنمَتْ في العقل الخالص، لكن مِمَّ نشأت؟أمِن كومةِ مهملات، أو مِن نفايات الشارعأمِن أباريقَ عتيقةٍ، زجاجات قديمة، علبةٍ مكسورة،حديد صدئ، عظام بالية، خِرقٍ قديمة، تلك الداعرة الهاذية&التي تلازم دُرْجَ النُّقود. أمّا وقد اختفى الآن سُلّمي،فينبغي لي أنْ أضطجع حيثُ تبدأُ جميعُ السّلالمفي حانوت القلب؛ حانوت الأشياء الرّثّة الوسخ.&

&

إحالات:1- إشارة إلى أعماله الأولى. والعربة المصقولة إشارة إلى كوخولين. و"حيوانات السيرك" رمز للحيل الشعرية الموجودة في كل عمل إبداعي لتسلية القراء. ومن المعروف أن ييتس في سيرك الكتابة الشعرية هو مُديرُ الحَلَبَة. لكنه وهو مسن هجرته هذه الحيل &- الحيوانات.2 إشارة الى المهرجين الذين يضاعفون طولهم في السير على عكازات تفاخماً، وينطوي هذا أيضا على تلميح إلى أبطال الأساطير الايرلندية، والمعجبين به في أيام الجامعة.3 &- إشارة إلى قصائد حب فروسية كتبها ييتس عام 1880، قبل أن يلتقي بالممثلة والمناضلة القومية "مود غون" التي وقع ييتس في غرامها وطلب منها الزواج لكنها رفضت. وقد وصفها في قصيدته "العودة الثانية": نصف أسد، ونصف طفلة، أشبه بالكائن الخرافي أبو الهول.4 - "أُوشين" أحد أبطال الأساطير الايرلندية. مشهور بقصة مفادها أن الجنّية "نيام" زارته واخبرته بانها تعشقه، فأخذته معها. وبعد مرور ثلاثة قرون، كان هو يتصورها ثلاث سنوات، شعر بالرغبة في العودة إلى ايرلندة. وضعته "نيام" على جوادها الأبيض القادر على صد الأمواج، وقادته من طارف أنفه عبر البحر إلى ايرلندة. ثم قالت له: أنْ لا يترجّل أبداً عن الجواد وإلا ستدركه القرون الثلاثة، ويصبح فورا عجوزا طاعنا في السن. وصل ايرلندة والتقى بمحبيه، وحين أراد أنْ يساعد قوما في بناء طريق، انكسر حزام السرج فسقط على الأرض. وأصبح بالفعل جد هرم بحيث لم يستطع فعل أي شيء.5 &- في رسالة كتب ييتس: "هناك ثلاثة أشياء متعارضة لا يكف الإنسان عن البحث عنها: العاطفة اللانهائية، المعركة اللانهائية والراحة اللانهائية... ومنها كانت الجزر الثلاث". فضّلنا ترجمة allegorical بـ"رامزة" بدل من مجازية أو ترميزية.6- "الكونتيسة كاثلين" مسرحية ييتس التي تمّ عرضُها للمرّة الأولى في "المسرح الأدبي الايرلندي" عام 1899، وأدّت "مود غون" دور كاثلين. والمسرحية تروي قصة كاثلين التي باعت روحها إلى الشيطان لإنقاذ أرواح الجياع، لكنها تُنقذ في نهاية المسرحية. وتقول مود في المشهد الخامس: "جئت لأقايض روحي بثمن كبير"، وشخصية الشاعر أليل، المنسوج على منوال ييتس نفسه، في المسرحية، يحاول عبثاً ايقافها عن القيام بهذا الفعل. وهو عين القلق الذي كان يشعر به ييتس من انهماك "مود غون" المفرط في مساعدة الفقراء، إذ رأى في رأفتها حتى الجنون نوعاً من التعصّب والحقد. &7- مود غون هي المقصودة في "غاليتي".&8- "الأحمق والأعمى شخصيتان في مسرحية ييتس عن كوخولين الصادرة عام 1904.9- &كوخولين أحد أبطال الأساطير الايرلندية. يطلب منه الملك كونخبار (المشار إليه في القصيدة بالأحمق) أن يبرهن على طاعته، بأن يقتل كونلا، وبالفعل يقتله، وعندما يعلم كوخولين (المشار إلأيه في القصيدة بالأعمى) أن القتيل هو ابنه، يهتاج بشكل جنوني فيندفع بوجه الموج ويدخل في معركة مع البحر.&&

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
ترجمة جميلة
حسين -

شكرا استاذ عبد القادر على هذه الترجمة المضنية لييتس، قصيدة كأنها دراسة وليست ترجمة فقط. سلم قلمك وابداعك