قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
&ايلاف تنشر نص حوار معها حول شخصيّات كبيرة آلتقت بها:نجيب محفوظ ، عزيز ناسين ،ناحوم غولدمان ،إيميلدا ماركوس،بولانت أجاويد&صباح يوم السبت 11 يونيو-حزيران 2916،توفيت في بيت آبنتها بكالكان على الساحل التركي ،المستشرقة والصحافية المرموقة اردموته هيللر التي ربتطني بها علاقة عمل وصداقة تمتد الى ازيد من ثلاثين عاما.فقد كنت سكرتير تحرير لمجلة "فكر وفن" التي كانت مشرفة على تحريرها في الثمانينات من القرن الماضي.وبالإشتراك معها،أصدرت العديد من الكتب منها "الحب والجنس في الثقافة العربية"،و"أنطولوجيا القصة العربية القصيرة.و"انطولوجيا الفكر العربي المعاصر".كما انجزت معها افلام وثائقية عن الثقافة الشعبية في المغرب،وعن المثقفين المغتربين في باربس، وعن الراحل الكبير نجيب محفوظ قبل وقت وجيز من احرازه على جائزة نوبل للآداب في خريف عام 1988. ..&
هنا نص حوار اجريته معها في صيف عام 2013.&في شقّتها البديعة في قلب ميونيخ، بالقرب من ساحة "اليزابيت" الجملية ،تحبّ د.أردموته هيللر، الصّحافية ،والمستشرقة الألمانيّة المعروفة ،والتي آعتزلت "مهنة المتاعب" منذ أزيد من عقد أن تستقبل زوّارها،وأصدقاءها القدماء لتتحدث معهم عن الماضي القريب ،والبعيد ،وعن الشّخصيّات التي آلتقت بها وتحاورت معها حول قضايا سياسيّة،أو ثقافيّة،أو فلسفيّة ،أو غير ذلك …والدكتوراة أردموته هيللر عاشت فواجع الحرب الكونيّة الثّانية وهي فتاة صغيرة.وبعد أن درست الفلسفة،والصّحافة في جامعة ميونيخ،آنجذبت إلى الشرق وسافرت بالقطار إلى آسطمبول لتمضي هناك سنتين تعرفّت خلالهما على الحياة الثقافيّة ،والسياسية في تركيا.بعدها سافرت إلى القاهرة لتتعلّم اللّغة العربيّة:وهناك تعرّفت على البعض من الشخصيّات الأدبية والسياسيّة ،وأعجبت كثيرا بأنيس منصور الذي أتاح لها فرصة التعرّف على خفايا الحياة الثقافيّة في مصر خلال النصف الأوّل من القرن العشرين.وهي تقول:”لقد ساعدتني الفترة القصيرة التي أمضيتها في القاهرة على أن أمحو من ذهني الصّورة البشعة التي كانت تروّجها وسائل الإعلام الغربيّة عن العرب ،وعن ثقافتهم ..بل أحسست أن العرب مظلومون غير أنهم لا يحسنون الدّفاع عن أنفسهم ..وهذا هو عيبهم الكبير الذي أضرّ بهم كثيرا ،وجعلهم يعيشون أزمات متتالية ويفقدون ما كان سيسمح لهم بأن يحققّوا نجاحات هائلة في مجالات متعددّة...”.&آنطلاقا من مطلع الستينات من القرن الماضي ،شرعت د.أردموته هيللّر في الكتابة في كبريات الصّحف،والمجلاّت الألمانيّة .كما أنها أنجزت العديد من البرامج الإذاعيّة التي لفتت أنتباه المستمعين لطرافتها،وخفّتها.وكانت جلّ المواضيع التي آنشغلت بها في عملها الصحفيّ منصبّة على القضايا السياسية والثقافيّة في العالم العربي،وأيضا على القضايا التي يثيرها الإسلام في الغرب.وفي الثمانينات من القرن الماضي،أشرفت د.أردمته هيللّر على إصدار مجلّة "فكر وفن" الموجّهة إلى العالم العربي .وقد نجحت في ذلك إلى حدّ كبير.كما أنها أشرفت على إصدار أنطولوجيّتين عن دار "باك" الشهيرة .الأولى عن القصّة العربيّة،والثانية عن الفكر العربي في القرن العشرين.وعن نفس الدار،أصدرت بالإشتراك مع كاتب هذه السّطور كتابا عن الحبّ في الثقافة العربيّة القديمة والحديثة.وفي العديد من المقالات التي نشرتها في كبريات الصّحف ،والمجلاّت ألألمانيّة ،عرّفت برموز ألأدب العربي المعاصر من أمثال د.طه حسين،والطيب صالح،ومحمود درويش،وأدونيس،وإيميل حبيبي،وعبد الوهاب البياتي ،وغيرهم .وبعد الهزيمة التي مني بها العرب في حرب 67 الخاطفة ،قرّرت د.أردموته هيللر إنجاز فيلم وثائقيّ عن معاناة الفلسطينييّن في الأراضي المحتلّة من قبل إسرائيل .وعن ذلك تقول:”كان من الصّعب جدّا الدّفاع عن الفلسطينيّين في ألمانيا بعد كارثة الحرب الكونيّة الثانية .وكان الصحافيّون ،والكتّاب يتطرّقون إلى قضايا الإحتلال التي تعاني منها شعوب في إفريقيا،وآسيا غير أنهم كانوا يتجنّبون جميعا الخوض في القضيّة المتعلقة بالفلسطينييّن .وكان اليهود المقيمون في ألمانيا ينشطون كثيرا للدفاع عن إسرائيل حتى ولو كانت ظالمة.مع ذلك تجاسرت ،وعرضت على إدارة التلفزيون في ميونيخ فكرة إنجاز فيلم عن الفلسطينييّن في الأراضي المحتلّة فقبلت ذلك بعد كثير من التردّد.وفي إسرائيل تعرضت والفريق الذي كان معي لعديد من المضايقات من قبل السلطات الأمنيّة.فقد منعتني تلك السلطات من تصوير العديد من المشاهد التي تعكس معاناة الفلسيطينييّن في ظلّ الإحتلال.لذا كان عليّ أن أتحايل أكثر من مرّة لتصوير مثل تلك المشاهد...وعند عودتي إلى ميونيخ،هاجمني اليهود،وحاولوا بشتّى الطّرق والوسائل منع عرض الفيلم الوثائقي الذي أنجزته ،والذي كان بعنوان"بلد الصبّار المرّ" ،غير أنهم لم يفلحوا في ذلك.وقد لعب الفيلم دورا كبيرا في تعريف الألمان بحقيقة ما يجري في الأراضي المحتلّة".وأثناء إنجازها لفيلم"بلد الصّبّار المرّ" ،تعرّفت د.أردمته هيللّر على رايموندا الطويل ،والدة سهى التي ستصبح فيما بعد زوجة الراحل ياسر عرفات،وعنها تقول:"قبل أن ألتقي بها ،كنت قد قرأت سيرة رايموندا الطويل التي تروي فيها الفواجع التي عاشتها،وعاشها الفلسطينيّون منذ نشوء الدولة العبريّة عام 1948.وقد أعجبت بشجاعتها ،وبمواقفها الوطنيّة الصّلبة.لذا حرصت على أن تكون حاضرة في الفيلم.وقد صوّر الفريق التلفزيزني الذي كان معي آبنتيها سهى وديانا التي ستتزوّج في ما بعد من ابراهيم الصّوص،ممثل منظمة التحرير الفلسيطينية في باريس،وهما في سنّ المراهقة .وبعد ذلك ببضع سنوات زارتني رايموندا الطويل في ميونيخ ،ومعها تجوّلت في مدن ألمانيّة أخرى بما في ذلك العاصمة بون.والأمر الذي أزعجني كثيرا هو أنني وجدت نفسي أمام آمرأة تبالغ في الإهتمام بمظهرها الخارجي،وتمكث طويلا أمام المرآة ،وتغيّر فساتينها الباهضة الثمن أكثر من مرّة في اليوم الواحد .وأعتقد أن هذا السلوك لا يمكن أن يليق بآمراة قدمت إلى ألمانيا للدفاع عن قضيّة شعبها.لكن في ما بعد ،أدركت أن رايموندا الطويل مفتونة بالسلطة والمال أكثر من أيّ شيئ آخر.وهذا ما يفسّر حرصها على تزويج بناتها الثلاث من قادة فلسطينييّن كبار"...&&وفي الثمانينات من القرن الماضي ،أنجزت د.أردموته هيللّر فيلما وثائقيّا آخر عن الكاتب الكبير نجيب محفوظ وذلك قبل أسابيع قليلة من نيله جائزة نوبل للآداب:”عندما عرضت فكرة الفيلم الوثائقي عن نجيب محفوظ الذي أذهلني عندما قرأت رواياته ،رفضت إدارة التلفزيون في ميونيخ الفكرة بدعوى أنه-أي نجيب محفوظ- غير معروف في ألمانيا،ولم تقبلها إلاّ بعد ان أقنعتها بأنّ رواياته تعكس الحياة اليوميّة،والإجتماعيّة في القاهرة التي تفتن كمدينة شرقيّة الكثير من الألمان .وفي لقائي الأوّل به في مدينة الإسكندريّة في بداية خريف 1988،لفت نظري نجيب محفوظ بتواضعه،وإنسانيّته،وصدقه،وصمته الذي يطول أحيانا مثل صمت كلّ الحكماء.وقد أمضيت والفريق الذي آصطحبني ثلاثة أسابيع مع نجيب محفوظ.وفي كلّ يوم ،كنت أزداد إعجابا به،وبشخصيّته الدافئة والعذبة.فقد كان دقيقا في مواعيده،وبليغا في كلامه ،فلا ثرثرة،ولا حشوا،ولا مبالغات على طريقة بعض الكتّاب العرب الآخرين(تضحك...).ولا أنسى أبدا الأوقات السعيدة التي أمضيناها معه في مقهى "علي بابا " في ميدان القاهرة ،والتي كان يرتادها كلّ صبح لشرب "قهوة سادا" ،وقراءة الصّحف.وقد لاحظت أنه يتوقّف طويلا عند صفحة الوفيّات في جريدة الأهرام.وثمّة مشهد لن أنساه أبدا:فقد عرضنا عليه جولة في مركب على النيل،فتردّد في البداية خصوصا وأنه كان يعاني من نقص في النظر .لكنه قبل في النهاية. وفي لحظة ما سمعته يقول بآرتباك،وبهجة الطفل :”منذ أزيد من أربعين سنة لم أقم بجولة في مركب على النيل".وكنّا على وشك الإنتهاء من إنجاز الفيلم لما أعلنت الأكاديميّة السويديّة عن فوز نجيب محفوظ جائزة نوبل للآداب .وكان ذلك الفوز آنتصارا لي أمام إدارة تلفزيون ميونيخ التي تلكّأت في قبول فكرة الفيلم.وأذكر أن نجيب محفوظ قال لي بعد ان أهدانا التصريح الأول بعد فوزه بالجائزة:أنتم (يقصد الفريق التلفزيزني ) مهّدتم لي للفوز بالجائزة".كما أنجزت د.أردمته هيللر أفلاما وثائقيّة أخرى عن المثقفين العرب المقيمين في باريس،وعن الثقافة الشعبيّة في المغرب،وعن الكاتبين التركيين الكبيرين يشار كمال،وعزيز ناسين :”أمضيت مع يشار كمال صاحب رائعة "محمد النّحيف" أزيد من أسبوعين.وهو يقيم في بيت جميل في قرية على ضفاف البحر في ضواحي آسطمبول.جميع أهالي القرية ،بمن في ذلك ألأطفال ،يعرفونه،ويحترمونه كثيرا.وهو يتعامل معه كما لو أنّهم أهله،وعشيرته.ودائما يحبّ ان يتحدث معهم ،ومعهم يتبادل الطرائف والحكايات.وأكثر من مرّة دعاني لتناول الغداء،أو العشاء في مطاعم متخصصّة في إعداد أطباق السّمك .وهو مسكون بعالم القرية الصّغيرة في جبال الأناضول التي أمضى فيها طفولته،وسنوات مراهقته.وهذا ما يفسّر حضورها الداّئم في كلّ ما كتب من روايات ،وقصص.كما أن جميع أبطاله من تلك القرية.ويبدو ان الحدث المأساوي الذي شهده في طفولته و الأكثر تأثيرا في حياه،وفي كتاباته.فأمامه قتل والده من قبل غريم له.ويعود إعجاب القرّاء بأعماله إلى قدرته الفائقة في تحويل الحياة في قريته،والأحداث التي عاشها في طفولته إلى ملحمة عجيبة.وقد لاحظت أنه شديد الإنشغال بالقضايا السياسية في بلاده.وهو دائم الإنتصار للمظلومين،والمضطهدين.وأذكر انه قال لي :"الكتّاب في تركيا محكوم عليهم أن يكونوا دائما إلى جانب الشّعب،وضدّ السّلطة...لذا يمكنني أن أقول بإنني أرتاب من كلّ كاتب هنا في تركيا لم يعش تجربة السّجن،فالسّجن حسب رأيي هو “أرجوحة” الأدب في بلادنا".وعن عزيز ناسين(1915-1995 )،تقول د.أردموته هيللر:”ناسين في اللّغة التركيّة تعني:من أنا؟ويعود سبب آختيار عزيز لهذا الإسم إلى الأمر التّالي:ففي عام 1933،صدر في ظلّ حكم مصطفى كمال أتاتورك أمر يقضي بوجوب أن يختار كلّ مواطن تركيّ اللّقب الذي يبتغيه.فكانت آختيارات الكثيرين متناقضة مع طبائعهم،ومع شخصيّاتهم .فالمعروفون بالجبن مثلا آختاروا ألقابا توحي بالشجاعة،والصّلابة،والجرأة.والذين يتّصفون بالبخل،،اختاروا ألقابا تنمّ عن الكرم،والسّخاء.وكذا حدث مع من يتّصفون بغلظة الطبّع،وفساد النفس،ومع المحتالين،والدجّالين وغيرهم.وعزيز الذي أتقن مبكّرا فنّ السّخرية ، والدّعابة السّوداء التي تتميّز بها كتاباته ،آختار :من أنا؟ لقبا له ".وتضيف د.أردموته هيللر قائلة:”لقد عاش عزيز ناسين طفولة قاسية جدّا .وربّما لهذا السبب قرّر مبكّرا أن ينتصر للفقراء ،والمظلومين.وعندما أصبح كاتبا مشهورا،أنشأ مدرسة للأطفال بماله الخاص،وكان يرعاهم كما لو أنّه والدهم.وقد ذكر لي أنه سجن مع ناظم حكمت في سنوات شبابه الأولى .وفي السّجن ،كتب بعض القصائد.وعندما عرضها على ناظم حكمت ،نصحه هذا ألأخير بأن يكتب النثر.ويقول عزيز ناسين بإنّ هذه النصيحة من الشّاعر الكبير كانت نافعة للغاية إذ أنه وجد في النثر ضالّته المنشوده،وبواسطته تمكّن من أن يبدع أعمالا أبهرت القرّاء في تركيا ،وفي جميع أنحاء العالم .وقد تميّزت هذه الأعمال بالطرافة ،وبالسّخرية اللّاذعة،والقدرة على التّكثيف مثلما فعل تشيكوف الذي يعتبره عزيز ناسين معلّما كبيرا".وتواصل د.أرموته هيللر حديثها عن عزيز ناسين قائلة:”كانت زيارتي الأولى لعزيز ناسين في مطلع الثمانينات،أي في فترة الحكم العسكري.وكان قد صدر قرار بوضعه في الإقامة الجبريّة،ومنعه من الإدلاء بتصريحات للصّحافة الوطنيّة،والعالميّة.لذا كان لا بدّ من اللّجوء إلى الحيلة .وبصحبة صديق تركيّ يعمل طبيبا في ألمانيا،وزوجته،وآبنته الصغيرة ، ذهبنا إلى بيته متعلّلين بزيارة عائليّة.آستقبلنا بحفاوة كبيرة،ومعي تحدث طويلا في قضايا تتصل بألأدب،وبالسياسة بالخصوص.وقد قال لي :”منذ بداية مسيرتي ألأدبيّة ،والسّلطات السياسيّة هنا في تركيا تحاول بشتّى الطرق والوسائل إسكاتي وترهيبي غير أنها فشلت في ذلك فشلا ذريعا .فبكلماتي توصّلت إلى آستنهاض الجماهير المظلومة لكي تدافع عن حقوقها.وقد سجنت أكثر من مرّة بسبب ذلك ،وأطول فترة أمضيتها في السّجن كانت خمسة أعوام ونصف العام بسب مقال !!!كما مثلت أمام المحاكم 200 مرّة بسبب قصصي،ومقالاتي،ومرّة بسبب شكاوي تقدّمت بها ضدّي شخصيات مشهورة مثل ملكة بريطانيا،وشاه إيران،والملك فاروق ...مع ذلك لم أرضخ،ولم أستسلم.وفي كلّ مرّة أزداد صلابة،وقوّة وآقتناعا برسالتي،وبدوري تجاه شعبي،ووطني...وجميع كتاباتي تعكس الآم الفقراء،والمظلومين ...لذا هي تنضح بالمرارة.وفيها يختلط البكاء بالدموع ”.وفي آخر لقاء معه ،وكان ذلك في أواخر الثمانينات من القرن الماضي تحدث معي عزيز ناسين طويلا عن الموت .وأذكر أنه قال لي:”لقد قدّمت للحكومة التركيّة طلبا في السّماح لعائلتي بدفني في حديقة بيتي .غير أنّها رفضت طلبي رفضا قاطعا.وكان جوابي أنه ينبغي عليّ ألاّ أموت إلاّ عندما تأتي حكومة تسمح لي بما طلبت".ثمّ أضاف قائلا:”التّفكير في الموت لا يمنعني من مواصلة العمل بشكل دؤوب من أجل عالم أفضل...وأعتقد أنّ أهمّ شيئ هو أن ينتصر الإنسان على الموت وذلك من خلال العمل على تحقيق ما يصبو،وما يطمح إليه.والذين يموتون من دون أن يقوموا بذلك لا يستحقّون الحياة.&وخلال مسيرتها الصحافيّة المديدة تعرّفت د.أردموته هيلّلر على شخصيّات سياسيّة كبيرة.وكان ناحوم غولدمان (1895-1982) من بين هذه الشّخصيّات.وعنه تقول:”معلوم أن ناحوم غولدمان الذي ولد في ألمانيا،وفي جامعاتها دَرَسَ الفلسفة،والقانون،وغادرها عند صعود النّازيّين إلى السلطة،كان من أكثر المتحمّسين للمشروع الصهيوني القاضي بإنشاء دولة إسرائيليّة في فلسطين،وجعل القدس عاصمة لها.وفي سبيل ذلك لعب أدوارا خطيرة سواء قبل الحرب الكونيّة،أو بعدها خصوصا عندما ترأس "المؤتمر اليهودي العالمي"من عام 1956 ،وحتى عام 1977.وكانت له علاقات واسعة في أمريكا،وفي أوروبا،وفي جميع أنحاء العالم. وكان يتقن لغات عدّة خصوصا الفرنسيّة،والإنجليزية.كما انه يتمتّع بثقافة واسعة تبهر كلّ من يلتقي بهم سواء من أهل السياسة،أو من أهل الفكر،أو من أهل الفن،والأدب.وكان بليغا في كلامه ،وله جاذبية من الصّعب مقاومتها.لذلك أوقع في حبائله حتى من كانوا يعتبرون أنفسهم اكثر منه حنكة،وحيلة ،ودراية بخفايا السياسة.وتحت تأثير ما سمعته عنه،آتصلت به هاتفيّا ،وكان آنذاك مقيما في باريس،وفي بداية المكالمة تحدثت معه بالفرنسيّة ،فأبدى شيئا من الإنزعاج قائلا:”ولماذا لا تتحدثي معي بلغتي الأم (يقصد اللغة الألمانيّة).فآعتذرت له قائلة :”كنت أعتقد أنك لم تعد تحبّ هذه اللّغة بسبب ما حدث قبيل الحرب ،وخلالها".فردّ عليّ قائلا:”أنا أتقن الحديث بلغات عدة غير أن اللغة الأحب إلى نفسي تظلّ لغة غوته". ..طلبت منه إجراء حوار فرحّب بذلك غير أنه سألني:”هل تريدين حوارا أم تريدين الحقيقة؟”.أجبته :"أريد الحقيقة بطبيعة الحال"، فضحك عاليا وقال لي :”في هذه الحالة ..عليك أن تنتظري حتى أستقيل من منصبي كرئيس للمؤتمر اليهودي ،وسيكون ذلك بعد أشهر قليلة. عندئذ سيكون بإمكاني أن أبوح لك بالحقيقة".مع ذلك ذهبت إلى باريس لمقابلته.آنذاك كان يسكن في شارع "مونتاني" الواقع بين "الشانزيليزيه"،و"برج إيفل".وفي نفس الطابق ،كانت تقيم الفنّانة الألمانيّة الشهيرة مارلين ديتريش التي كانت قد قطعت علاقاتها بالعالم الخارجي ولم تعد تلتقي بأحد بآستثناء زوجة ناحوم غولدمان. أثناء حديثي معه ،قلت له:”أنت متعصّب كثيرا لليهود!،فردّ عليّ بهدوء قائلا:”في الحقيقة أنا لا أحبّهم ...لكن ما حدث لهم خلال الحقبة النازيّة جعلني أشعر بالشفقة تجاههم،وأسعى لمساعدتهم حتى لا تتكررّ المأساة...وبعد إنشاء دولة إسرائيل ،دعاني بن غوريون إلى تل أبيب أكثر من مرّة.وكانت مناقشاتي معه تمتدّ إلى ساعة متأخرة من اللّيل .وكانت زوجته" باوولا " تحرص على البقاء مستيقظة منصتتة إلى كلّ ما نقول.وكان بن غوريون ينزعج من ذلك أشدّ الإنزعاج...وأكثر من مرّة طلب منّي ان أقنعها بضرورة الذهاب إلى الفراش،غير أنني لم أفلح في إقناعها بذلك...ولا أخفي عليك أن بن غوريون آقترح عليّ أن أكون وزير الخارجيّة في حكومتها ألأولى غير أنني رفضت عرضه لأنّ الطريقة التي كانت تدار بها الدولة لم تكن منسجمة مع مبادئي،وأفكاري...”.تكرّرت زياراتي إلى باريس،وتوطّدت علاقتي بناحوم غولدمان ...وعندما آكتشف حبّي للموسيقى الكلاسيكيّة التي كان يعشقها هو أيضا،وبها ملمّ ،أخذ يدعوني إلى عروض موسيقيّة ،ومسرحيّة رائعة في العاصمة الفرنسيّة.كما كان يدعوني إلى مطاعم فاخرة .وكان يقول لي:”الأفضل أن نتحدث حول الفن،والموسيقى ،والأدب ،فقد كرهت السياسة ،وأهلها!”.ومرة حدّثني عن المناضل الفلسطيني عصام السرطاوي،وعنه قال :”بلغني أن السّلطات الألمانيّة وضعت عصام السرطاوي على قائمة الدّاعمين للإرهاب...وهذا خطأ كبير في حقّه.وشخصيّا أبلغت السلطات المذكورة بآنزعاجي من هذا القرار المجحف،والظّالم .فمنذ سنوات ،أنا على آتصال دائم بالدكتور عصام السرطاوي.وهو رجل سلام ،صادق،ووفيّ لوعوده.وأنا معجب كثيرا بشخصيّته ،وبآعتداله،وبالدور الذي يلعبه من أجل تحقيق سلام عادل بين إسرائيل ،والفلسطينييّن.وأنا أعتبره صديقا في الهمّ السياسي".وكان ناحوم غولدمان يترددّ بين وقت وآخر على محطّة "بادراينخال" الإستشفائيّة بالنمسا.وكان يدعوني إلى هناك قائلا:”لا يمكنني أن أتحمّل البقاء طويلا في مكان يمتلئ بشيوخ،وعجائز في أرذل العمر"...وقبل وفاته بقليل،وذلك عام 1982 ،آلتقيت به في المحطّة المذكورة،ومن النظرة الأولى لا حظت أن صحته ليست على ما يرام ..فقد كان يتكلّم ،ويتنفّس بصعوبة شديدة.بعد يومين ساءت صحّته ،فنقل فورا إلى قسم العناية الفائقة...عدتّ إلى ميونيخ لأعلم بوفاته عبر إحدى النشرات الإخباريّة"..&وكان رئيس الوزراء التركي بولانت أجاويد(1925-2006) من الشّخصيّات البارزة التي حاورتها د.أردموته هيللر،وعنه تقول:”لقائي بالرئيس أجاويد كان عندما آنتخب رئيسا للوزراء عام 1974.وفي تلك الفترة، كانت تركيا قد أرسلت قوّات عسكريّة إلى جزيرة قبرص ردّا على محاولة اليونان ضمّها إليها بالقوّة.وكان الرئيس أجاويد قد جاء إلى العاصمة النمساويّة فيينّا لحضور المؤتمر العالمي للأحزاب الإشتراكيّة ،والذي ترأسه المستشار برينو كرايسكي.طلبت إجراء مقابلة معه فماطلني سكرتيره الخاص،ثمّ أعلمني أنه،أي أجاويد،قبل طلبي شرط ألاّ تتجاوز المقابلة عشرين دقيقة.كانت السّاعة تشير إلى التّاسعة ليلا عندما جلست أمامه في الجناح المخصّص له ولزوجته في الفندق.بدأت أتحدث معه عن قصيدة (كان أجاويد شاعرا)كان قد كتبها في تمجيد العلاقات الحضاريّة،والثّقافيّة التي تربط بين اليونان وتركيا ،ثمّ سألته:”معالي الوزير ..كيف تكتبون قصدة كهذه ،ثمّ ترسلون قوّات عسكريّة إلى قبرص؟"،فأجابني باسما:”الشعر ليس السياسة ...ونحن لم نفعل غير الردّ على الإعتداء الذي كان ضحيّته مواطنين أتراكا ...”.واصلت الحديث معه عن الشعر .ولمّا لاحظ أنني مهتمّة بما يكتب من أشعار ،آطمأنّ لي ،ونسى العشرين دقيقة لنستغرق في حوار طويل آمتدّ إلى ساعة متأخّرة من اللّيل...وقد تحدث في مواضيع كثيرة تتعلّق بتحالف حزبه مع الإسلاميين الذين كان يتزعّمهم أربكان،وبالعلاقات التركيّة-الأوروبيّة،وبالحلف الأطلسي،وبالجالية التركيّة في ألمانيا ...وقد لاحظت ان زوجته رفضت أن تنام،وكانت تتابع حوارنا بآنتباه شديد ...”.&وعن إيميلدا زوجة الديكتاتور الفيليبيني ماركوس ،تقول د.أردموته هيللّر:”كنت ضمن الوفد الصّحفي الذي رافق السيّدة هيلدغارد هام-بروخر ،مساعدة غينشر في وزارة الخارجيّة في الزّيارة الرسميّة التي أدّتها إلى العاصمة الفيليبينية مانيلا.حدث ذلك أواخر السبعينات من القرن الماضي.قبل وصولنا إلى هناك شهدت الفيليبين عواصف هوجاء ألحقت أضرار جسيمة بالمنشآت الإقتصاديّة،وبالبنى التحتيّة.وبالقرب من الفندق الذي أقمنا فيه،نشب حريق هائل.وقد عاينّا منذ البداية أن إيميلدا ماركوس تتنقّل بين الأماكن المتضرّرة،وتزور المستشفيات لمواساة الضّحايا .وطبعا كانت تفعل ذلك لأهداف دعائيّة.آستقبلتنا بحفاوة بالغة.وفي مأدبة العشاء التي دعتنا إليها ،تناولنا الطعام في صحون من الذهب،وكانت الملاعق،والسكاكين من ذهب أيضا.وفي كلّ ليلة كانت تقيم حفلات باذخة تغنّي خلالها،وترقص.وكانت السّهرات تمتدّ ّإلى الصباح غالب الأحيان ….والشيئ الذي أحزّ في نفوسنا كثيرا هو أن الفتيات اللاتي كانت تستخدمهنّ ككورال عندما تغنيّ كنّ ينصرفن من دون أن يشاركننا الأكل.ولعلهنّ يبتن على الطّوى...وقد طافت بنا إيميلدا ماركوس في القصور الفخمة التي كانت مخصّصة لها،ولزوجها.وفي واحد من تلك القصور،كان هناك متحف يحتوي على تحف ثمينة ،وكانت هي تتوقّف من حين لآخر لتقول لنا:كلّ هذا ملك الشّعب!(تضحك....).