شعرية الميتافيزيقي منظورًا إليه من عالم سفلي
سمر دياب في "متحف الأشياء والكائنات"
قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
دوران آخر:&تقدم سمر دياب& نصًّا رائقًأ يستشرف فكرة دوران الأرض التي جاء بها غاليلو لإدخال الأماكن بعضها ببعض ، بل وإدخال الأزمنة نفسها، على اعتبار أن المكان، أي مكان يشير إلى زمنه بشكل ضمني عبر ما يحتويه من أبعاد حضارية أو غير حضارية أو ما ينطوي عليه من طرز معمارية جديدة أم عتيقة .&وترتهن تجليات السياق التصويري في نص " غاليلو / لي "& ( ص.ص 22-23 ) إلى رؤية شرطية ، تحددها أداة الشرط " لو" وهي كما في النحو حرف امتناع لوجوب أو امتناع لامتناع.& وتأخذ الشاعرة هذه الفكرة لتعبر بمشاهد متتالية يشكل السياق السردي صورها ودلالاتها، في تكرار متتال من أول النص لنهايته يبلغ عشر مرات حتى تختتم النص برؤية شعرية دالة تشكل الصدمة المفارقة لما جاء بالنص كله، ومن أفق التكرار تقول:لو أنها تدور، لرأيت بجع إنكلترا في حضن طفل يحتضر في الصومال يضع رأسه في فمه ويتوسل إليه أن يقضمه.&لو أنها تدور لكانت دخلت نجمة حذائي ، وأنا أدوس بحقد على السماء وأنظر إلى جحور النمل فوق رأسي تدور بسعادة...لو أنها تدور لكان البحر الآن في عش طائر، فاتحًا فمه ليدخل منقار أمه إلى جوفه بحشرة صغيرة، تسد جوع السفينة التي ترفسه في بطنه كل يوم.&لو أنها تدور لارتدى الدراويش ثيابهم النظيفة، وماتوا واقفينلو أنها تدور لاكتشفنا القارات قبل أن نكتشفها:على الأقل كانت مشت أميركا إلى كولومبوس وهو رضيع ووضعت وسادة على وجهه لخمس دقائق .&...لو أنها تدور أيضا، لفعل الله شيئًا ليوقف هذا الحشد المترنّح من الكائنات، كان دق مسمارين في يديها ، كعادته، وأنهى هذه الفانتازيا المضحكة.&وقبل أن تطلق الشاعرة رؤيتها:" هكذا أفهم الدوران" تختتم نصها بمشهد صادم:غاليلو / لي&الأمر ليس كما تظن يا عزيزيسلامة نظركإنها بيضة طائر خائف ليس إلا ...هل الأرض مجرد بيضة طائر خائف؟ الشعر يصور ذلك. فالأرض بالنهاية هي نقطة في المحيط الكوني، وهي معرضة للفناء بأية لحظة ، هنا يذهب الشعر للأبعد، ويستجلي حكمته فيما تؤول له الأشياء بالنهاية.&ومن المتحف الأرضي تستدعي شخصيات متعددة مثل: بروتون، مارلين مونرو، كليوباترا،& رامبو، لوركا،& أفلاطون، راسبوتين، دراكولا، كافكا، سلفادور دالي ، فوكو ياما، بريجيت باردو، غادة السمان، تروتسكي، جان دارك، ابن الرواندي ، سامية جمال ، جنكيز خان . عبر الإشارة إليهم أحيانا حيث الإشارة تقلنا إلى حياتهم وتجاربهم، أو تتوسع أحيانا بقدر من الاستقصاء الشفيف كما في نص : لوركا، ونص رامبو.&&فهي تتأمل بشكل كثيف حياة الشاعر رامبو فتلتقط واقعة ساقه التي تخثترت ومرضت، فتضع هذا النص المكثف:اسمعني أيها الولدأنت خائف من الموتوساقك خائفة من الحياةومن الجهة الأخرى الحياة خائفة من الموتوالموت بدوره خائف من الحياةبحسبة بسيطة ستجد أن الحياة خائفة منكوالموت خائف من تلك الساقوبحسبة أكثر تعقيدًاستجد أنك وتلك الأخيرة بالضرورة خائفين من بعضكما البعضلذلكلم تنم ساقك إلى جوارك تلك الليلة / ص 28&مستجلية في هذا النص العلاقة بين الموت والحياة، وموقف الشاعر من العالم حيال ما يعترضه من سفر واغترابات، ومرض، وهي لا تتناص هنا مع شعرية رامبو بل مع مشهد من سيرته لتحوله إلى مشهد جدلي ما بين الموت والحياة.&&ما بين رؤيتين:&ثمة نصوص تنتهك شعريتها نثريًّا عبر السرد، أعني أن النص قد يتحول من أفقه الشكلي الذي يلقي بأنسجته السياقية في إطار قصيدة النثر، إلى الاقتراب من القصة القصيرة و القصة القصيرة جدا ، كما في نصوص : العين& ، والأجنحة، وأرنب، والعتمة . مثلا.&& فالطابع السردي هو الذي يشكل هذه النصوص، على الرغم مما تتشح به من شعرية وتكثيف ومزج بين الفيزيقي والميتافيزيقي، واقتران ما بين الوعي واللا وعي أو ما أسميه هنا ب" الوعي الكامل"&لو قرأنا مثلا نص العين لن نستطيع التوقف عن مساءلته في إطار القصة القصيرة ، حيث تستهل الشاعرة النص بالقول:ولدتْ في عام الله من أم عمياء وأب يعمل حارسًا لباب النار ...كما نرى تأثير الرؤية السردية القصصية& في نصوص أخرى منها نص:" الظل" :" كل ليلة نعود سويا إلى البيت ليبدأ بالصراخ والشتائم، يقف أمام المرآة، ينظر إلى كدماته ونزيفه ويتحسس أورامه، ثم يلتفت ساخطًا ليسألني إن كان الأمر يعجبني، وضعي محرج أمامه ولا أعرف ماذا أفعل " / ص 64&كما نرى المشهد يقع في إطار ما هو قصصي تماما حيث الجمل الفعلية التي تشير إلى ما هو حدثي بشكل متتابع، واللغة الخبرية الناقلة للحدث لا اللغة التشكيلية التي تنطوي على أداء تصويري مركب ، بشكل أعمق وأبعد.&وتهيمن رؤى ودلالات الفناء والعدم واللا جدوى وعبثية الأشياء في مشاهد كثيرة لدى الشاعرة، فنجد الموتى، والقتلى المأجورين، والعاشق المنتحر،&إلى جانب توصيف الكائنات والحيوانات والطيور والأسماك والحشرات من جانب فيما& تتبصر ببعض المعاني والقيم والمسميات الإنسانية كالضجر والصمت والعتمة والظل، والندم، والبكاء، والأنا، والحرية، والثورة، والعاشق، والقاتل، والأحمق، والناجية، والحبلى، والطاغية، والمجانين، ليتمدد ذلك كله إلى توصيف حالات الكتابة والقصيدة كما في:" شاعرة" و" زيتا" و" الشعراء "& و" الناقد"& و" القارئ" تمثيلا.&" أكتب لأقتص من الحدوث، هذا هو الأمر، حين تريدون قتل أحد تبتسمون له مرغمين، أو سحل أحداث يومكم التافه أو الرائع أو العادي، افعلوا هكذا ... استلوا الوحش الذي في داخلكم واكتبوا، ولا يبحث أحدكم عن قارئ هذا الأخير مجرد خرافة لا وجود لها ... كالشعر تمامًا " / ص 71&إن توجه الشاعرة يتبدى من رفض الواقع وتمثيلاته المقنعة، ورفض التفسيرات والتأويلات الحادثة فيه. الشاعرة تبحث عن عالمها الخاص، عن أكوانها الصغيرة التي تتمدد شعريا وتنبسط ما بين رؤية ورؤيا، وهي لذلك ترفض التسميات المسبقة حتى على نطاق الكتابة الشعرية، تقول في نص بعنوان:" شاعرة" :أنظر إلى الأمر هكذا، أنا حيوان حين أكتب، ورائحتي تلتصق على جدران حجري الذي وضعتني اللغة فيه، لا أفهم في التنظيرات ولا أفقه شيئا من حديث الآخرين عن الشعر، أنا فقط أتبع الرائحة، أنا فقط أريد رائحتي. الشعر هو الرائحة ، الرائحة هي خارطة الطريق. / ص 59&و تخاصم الشاعرة واقعها، واضعة إياه في مستوى بسيط من مستويات التعقل أو مستويات الرؤية الشعرية التي تنظر إلى نماذج أعلى وأرقى مما يبديه الكوكب التافه :" كم طائر رخ نقر ظهورنا ونحن نحاول أن نتقيأ كوكبهم التافه، وسلطتهم التافهة، ومنابرهم التافهة" / ص 59 مع أنها تتناقض أحيانا مع هذه الرؤية لأنها تجعل من هذه الأشياء السامية أو التافهة مناطا للتعبير الشعري على اعتبار أن " كل شيء يصلح للشعر"& / كما تذكر في ص 63&ومن الأاساليب الجلية بديوان:" متحف الأشياء والكائنات "& أن الشاعرة تقوم بتشخيص الشيء وتشخيص الكائن، حتى القبلة يتم تشخيصها في نصوص سمر دياب :ما تلك الهالات السوداء حول عينيك أيتها القبلةصمتكِ يشي بالفضيحةرأوك في العتمة تحفرين خندقا تحت فم الموتوفي الصباح تتثاءبين&...بشعرك الحليقوفخذك المتورمةهل أنتِ سعيدة الآن؟ / ص 96&إن هذا التشخيص لبعض الدوال يعطي مساحة ترميزية أكثر للنصوص، وإذا كان الغالب على شعرية رواد الشعر الحر هو توظيف الأسماء والشخصيات التراثية وغير التراثية كإسقاط على الواقع المعاصر، فإن من سمات القصيدة الراهنة كما يبدو من ديوان سمر دياب هو تشخيص المفردات نفسها وترميزها، أو الإشارة أحيانا إلى الشخصيات من دون الولوج بالضرورة إلى حياتها ودورها التاريخي أو الشخصي .&وتتعدد الأزمنة في شعرية سمر دياب، وهي أزمنة تلوذ بالمطلق دائما، وتكسر إيقاع اللحظة، فالزمن ليس ذا نسق ثلاثي بالضرورة. الزمن له أزمنة أخرى خارجة عن التراتب المنطقي للحظاته: ماض، حاضر، مستقبل، زمن خاص بالشاعرة نفسها، بكلماته ومخيلتها الطليقة، من هنا فإنها تلهو شعريا بعناصر الزمن، تعيد ترتيبها وتأليفها وفق ما تراه هي لا وفق ما يراه منطق الأشياء.& ومع هذا الزمن المعهود، تدخل إلى أزمنة أخرى: زمن الحلم، زمن الوعي، زمن الحضور، زمن الغياب، الزمن الخفي القادم من فضاء القيامة.&إن أكثر ما يميز شعرية سمر دياب أنها تأخذ من الممكن وتحوله إلى عمل تخييلي مفارق، إنها تحمل الدال إلى دلالة أخرى قصية غير متوقعة أو مألوفة، فضلا على ذلك تشكل لنا دائرة من التشبيهات والمجازات والأخيلة تكسر منطق الأشياء ومنطق التوقع، وهي دائرة أكثر صداما لا مع ديكتاتورية الدوال وتقليديتها فحسب، ولكن مع الواقع والحياة أيضا.&
التعليقات
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
تعليق
سامي علي -هل هذه شاعرة شعبية؟