رؤية دلالية موحدة تخاطب الآخر الوجداني
كريستين حبيب في ديوانها: "عن نجمة هوت"
قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
الآخر/ الفارسالآخر يشكل أفقًا دلاليا حاضرا بكثافة في القصيدة النسوية بشكل عام، كل شاعرة لها تصوراتها حول الآخر، قد يكون آخر وجدانيا أو رومانتيكيا، أو يكون آخر يشكل فضاء للاحتواء، ونموذجا مثاليا للرؤية الشاعرة، وقد يكون آخر طريدًا لا يقدم سوى ما هو سلبي ترصده الذات الشاعرة بقدر من الفقد والشعور بخيبة الأمل.& الآخر عند كريستين حبيب يتجلى بمختلف صوره السالفة، معززة رؤيتها في ديوانها الأول :" لا تقطف الوردة" (دار الفارابي، بيروت، الطبعة الأولى 2012 )حيث أفردت أغلب نصوص الديوان للتعبير عن الآخر الوجداني، ورسم مشاهد ومواقف متعددة يحفز ما هو رومانتيكي صورتها المثلى.&و في نص جلي تتوجه لآخرها لترسمه في كلمات معبرة في نص بعنوان:" أريدكَ فارسًا":أحبّني على الخشبة&لا وراء الستارأحبني قصيدة في كتاب&لا فكرة في خيالكأحبني فرسًا راهنتَ عليها جهارًافرسًا تطيرُتطير بكفرسًا تربح ..لن تخسر . / ص.ص 71-72&لا تحبذ الذات الشاعرة هنا الحب المستتر، المخفي وراء الوعي، تحبذ الحب العلني الذي تجهر به الكلمات وتعبر عنه، وتعايشه الذات كفرس طليقة ، هكذا سيعانق الحب الواقع ويلاقي الحياة جهرا، وهو ما تصبو إليه الذات الشاعرة هنا. فارس الحب سيكون فارسا حقيقيا علنيا له صوته وحضوره وتجلياته.& ومع هذا التوصيف للفارس المؤمل، هناك إرادة أخرى تتأدى بشكل ضمني يصورها هذا المقتطف:لياليّ من دونك:سرير بلا قصيدةوسادة بلا حلمغروب بلا فجر/ ص 80هو مطلب الحياة الوجدانية التي لابد أن تكون مختلفة وأن تتمتع بحيوية ما، فضلا عن صدقها الواقعي. بعيدا عن الشعور بالفقد والغياب .& هذه الحياة الوجدانية تحفل من جانب آخر بصورة العاشقة التي هي صورة تلقائية طبيعية كما تصور النصوص، لا تذهب بعيدا لكنها تدرك حضورها الأسمى عبر جملة من التوصيفات المليئة بالتفاصيل الأنثوية اليومية كما في نص :" حقيبة قلب" ص.ص 105-106 أو في النص التوصيفي:" ملاك يقين" ص.ص 111-112 :لا تبحث عن الوحش فيّفأنا كما رسمتني ريشة اللهحين ارتاح في اليوم السابعطفلة أبدية، قصيدة بيضاءخطوة فالس.. خطوتانبحيرة صافيةشرفة من غيمسماء من عشبكرزة وفيةأرض مالحةأسرابُ سلامملاكُ يقين .&&في التوصيفات العشرة تتجلى صورة الذات الشاعرة، فهي توصيفات عبر عبر التشبيهات عن طموح الأنا وأشواقها في أن تعيش رؤيتها الشعرية في الوجود وتعايشها، بانسيابية جلية ومشاهد متعددة ترغبها سواء كانت على مستوى الواقع أم على مستوى ما هو معقول ومتخيل.& من هنا نجد الطفلة الأبدية إلى جانب القصيدة إلى جانب رقصة الفالس إلى البحيرة والشرفة والسماء والكرزة والأرض وأسراب السلام وملاك اليقين، هي مشاهد متجاورة شعريا لكنها متباعدة واقعيا، وهو ما يحيلنا هنا إلى تأمل ما تجيش به الذات الشاعرة من وعي مضمر حالم حيث تتلاقى في هذا الوعي المتطابقات والمتضادات، وتتقارب الأشياء وكأنها أشياء ملموسة ومحسوسة. الذات الشاعرة تتجاوز بالتأكيد ما هو منطقي وتعيد منطقة الأشياء تبعا لما يبتكره الوعي وتزجيه المخيلة الحالمة الرائية.& ولعل ما يحدث هنا هو مطمح القصيدة ومطمع التجربة الشعرية بوصفها كلا. الشعر لا يتوقف بل يركض ويكتشف ويستقصي، ويقدم لنا عوالمه المدهشة حتى ولو كانت صادمة لوعينا القارئ.&&بنية الأشكال المكثفة:&&من وجهة شكلية تتعدد أشكال الكتابة الشعرية في ديوان كريستين حبيب، منطلقة من البنية القصيرة بكثافتها وإيجازها في كل نصوص الديوان الذي يتضمن (53) نصًّا قصيرًا ويقع في 119 صفحة في قطع مربع صغير.& ومن بين هذه الأشكال نركز على ثلاثة أشكال هي:- أولا: الشكل الفلاشي الومضي الذي يتجلى كقصائد قصيرة مركزة ومكثفة ما بين صفحة أو صفحتين.&- ثانيا: ما تسميه الشاعرة ب:" خواطر خطرة" وهو عبارة عن شذرات شعرية متتالية، أو ما يسميه الشاعر عبدالقادر الجنابي ب: " شقائق نثرية" وهو أشبه بفن التوقيعات في التراث العربي ، أو بالجمل النثرية المحكمة التي نراها في كتاب:" المواقف والمخاطبات" للنفري مع اختلاف الرؤية الشعرية بالطبع عن الرؤية الصوفية لدى النفري.&- ثالثا: النصوص القصيرة جدا التي تحمل مسمى " الهايكو" حيث ضمنت الشاعرة سبعة نصوص تحت اسم:" هايكو 1 &- هايكو 7 " وهي نصوص كذلك تشبه فن الإبيجراما .&لكن ما يجمع بين هذه الأشكال الثلاثة هو القصر والتكثيف والإيجاز والتركيز، وهي رؤى تنبثق من انشغال الشاعرة باستثمار آلية البنية القصيرة للنص حيث كتابة الحذف تشكل السبيل الجمالي الأول لإبداع القصيدة.& ومن الجلي هنا أن الشاعرة تدرج نصين متفرقين تحت مسمى : خواطر خطرة 3" و" خواطر خطرة 4" أي أنها تتواصل مع ديوانها الأولى الذي يضم خواطر خطرة 1 ، و" خواطر خطرة 2" مما يشي بوحدة الموضوع الشعري خاصة وأن معظم نصوص الديوان الأول تتوجه للآخر الوجداني .& في خواطر خطرة " 3" ( 34-39) تقول الشاعرة:- يا صانع المطر . اجمع غيمتينا- قلبك فضاء أنا يمامته- أشمُّكَ فتتسع الحدائق- لا عصفورية تضاهينا جنونًا ... عصفوري.&- أتفتتُ حروفًا حين تقرأ .. أذوبُ حبرًا حين تكتب.- مهما كثرت النساء حولك. سأبقى أنا كثيرتُكَ الوحيدة.&- أحب الطريق إليك حين تكون عاثرة.&وهكذا تمضي نصوص خواطر خطرة، في هذه المساحة التعبيرية الجديدة التي تكتب رؤاها عبر صور واستعارات تتخذ سمت النثر الفني لكنها تصبو إلى أن تضيء أكثر عبر كثافتها ووجازتها وشعريتها.& إن الشاعرة كريستين حبيب قدمت لنا عملا شعريا مكثفا، يتلمس رؤية دلالية موحدة تخاطب الآخر وتستشرف ذاتها الشعرية داخل النصوص متيقنة أن النص القصير قد يصنع فرادته وأسلوبه حين يكتب بشكل تمّحي منه الزوائد والاستطرادات، ويتفتح على إضاءات واعية حالمة ليكتب تجربته بتلقائية وخصوبة وسياقات جمالية تتضامن وتتحفز كي تصل إلى صوتها الشعري الدال.&&
التعليقات
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف