ثقافات

إيلاف تقرأ لكم في أحدث الإصدارات العالمية

الحرب والتربنتين: حفيد يُدخل جدّه التاريخ من باب التأريخ

-
قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

ألّف الشاعر الفلمنكي البلجيكي ستيفان هيرتمانز هذه الرواية وترجمها ديفيد ماكاي، لرسم حياة أعاد تخطيطها بمحبة رجل عادي بصمت الحرب العالمية الأولى حياته. 

إيلاف: قبل أن يتوفى أوربين، جد ستيفان هيرتمانز، أعطى حفيده دفاتر مليئة بذكريات من السنوات التسعين التي عاشها، فبقيت هذه الدفاتر 30 سنة من دون أن تمتد إليها يد الحفيد، إلى أن أقنعته الذكرى المئوية للحرب العالمية الثانية بفتحها. 

ولد أوربين مارتين في عام 1891 لعائلة عمّالية فقيرة في مدينة غينت البلجيكية. وكان والده فرانسيسكاس رسامًا بسيطًا لجداريات الكنائس، وتوفي بمرض الالتهاب الرئوي في أوائل أربعينياته، لكنه ترك هواية الرسم إلى ابنه.

تاريخ برائحة الحب والتربنتين

عمل أوربين صبيًا في معملٍ لسبك الحديد، قبل أن يدخل المدرسة العسكرية لأربع سنوات. وبعد تخرجه بفترة قصيرة، اندلعت الحرب العالمية الأولى مكتسحة النظام القديم في أوروبا.

أدى أوربين الخدمة على خطوط الجبهة، حيث بقي حيًا بأعجوبة. ولم يكن العالم الذي عاد إليه مختلفًا فحسب، بل كان هو أيضًا إنسانًا مختلفًا. وبعد مرور نحو 50 عامًا على التجارب التي عاشها، بدأ يكتب عنها في عام 1963. وملأت ذكرياته أكثر من 600 صفحة في ثلاثة دفاتر تركها لحفيده ستيفان هيرتمانز، أحد أكبر الشعراء الفلمنكيين الأحياء في بلجيكا اليوم.

سيرة تأريخية
توفي أوربين في عام 1981. وحين بدأ هيرتمانز قراءة مذكرات جده في الدفاتر الثلاثة مدفوعًا بالذكرى المئوية للحرب العالمية الأولى، كانت النتيجة مدهشة: كتابه "الحرب والتربنتين" War and Turpentine (ترجمه ديفيد ماكاي؛ 304 صفحات؛ منشورات بانتيون، 26.95 دولارًا؛ منشورات هارفيل سيكر، 16.99 جنيهًا إسترلينيًا) الذي يقف على مفترق طرق بين الرواية والسيرة والسيرة الذاتية والتاريخ، مطعّمًا بمقالات وتأملات وصور.

يتوزع الكتاب على ثلاثة أقسام غير متساوية، أطولها يضم خبرات أوربين في الحرب، لكننا نصل إليه من خلال القسم الأول الذي يرسم صورة مؤثرة لحياة الفقراء في أرياف أوروبا. وهيرتمانز نفسه شخصية أو صوت في هذا القسم يروي لنا ذكرياته عن جده أوربين وصراعه مع الدفاتر، وكيف يواجه "الحقيقة المؤلمة وراء كل عمل أدبي".

يزور هيرتمانز الأماكن التي عاش فيها جده سنوات طفولته، ويتخيل الحياة كما عاشها أوربين قبل قرن. وهناك صفحات جميلة عن والد أوربين، وهو يمارس حرفته فيما يراقبه ابنه، وقسم يثير الغثيان عن زيارة أوربين لمعمل ينتج مادة الجيلاتين مع وصف ديكنزي للعمل الخطير في معمل سبك الحديد، كما يلاحظ الكاتب الهندي نيل موخيرجي في مراجعته للكتاب قائلًا "إن هذه المقاطع تلقي الضوء اللازم على عالم مفقود". وفي غمرة هذا كله، يتأمل هيرتمانز التنقل بين الحاضر والماضي.

شهادات حية
في القسم الثاني، قلب "الحب والتربنتين"، ينسحب هيرتمانز، ويكون الراوي أوربين نفسه الذي يقدم إلينا شهادة مباشرة على سنوات الحرب من جبهة القتال.

يُصاب أوربين بجروح خطرة ثلاث مرات، لكن حتى في جحيم الموت والمرض والأوحال والإسهال والخطر الداهم، يلاحظ أوربين الطبيعة بدقة رائعة، كاتبًا: "الأرض تدفأ بعد ساعات الصباح الباردة، والبخار يتصاعد من الحقول الموحلة التي تشع في الضوء الغريب".

وبعد خمسة أسطر، يتحدث عن الجرذان التي تعجّ بها خنادق الجنود ومهاجعهم. يكتب: "أحيانًا نشويها، لكن لحمها مقرف، طيني ولزج. يصرخ بنا قائد عسكري قائلًا إننا سنصاب بالطاعون".

في القسم الأخير، يعود هيرتمانز ليروي ستة عقود من حياة جده بعد الحرب. وهناك سر محزن في زواجه بلا حب من غابريل، يُفضل أن يبقى طيّ الكتمان. وهو يعبّر عن الكثير من العواطف الجياشة في هذا القسم. ويبدو أن السلوى الوحيدة التي تبقت في مسار حياته المديدة وجدها في الرسم.

الكتاب مترع بكثافة التفاصيل المقنعة مع السمات المميزة لحياة خاصة بتصوير صادق ولغة مؤثرة تمنح الفكرة أبعادًا مجسمة كالأشياء. وكان أوربين ينظر إلى حياته على أنها حياة اعتيادية. وبعد أكثر من 20 عامًا على وفاته، أدخله حفيده التاريخ، بحياة لاحقة استثنائية، ما كان ليتخيلها بالمرة. وليس من المستبعد أن يكون هذا الكتاب من الأعمال الكلاسيكية في المستقبل.


أعدّت "إيلاف" هذه المادة عن "تايمز" و"غارديان". المادتان الأصليتان منشورتان على الرابطين الآتيين:

http://www.thetimes.co.uk/article/war-and-turpentine-by-stefan-hertmans-6wp6tswnf

https://www.theguardian.com/books/2016/jul/02/war-and-turpentine-by-stefan-hertmans-review

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف