إيلاف تقرأ لكم في أحدث الإصدارات العالمية
غرينسبان من نعمة المال إلى نقمة الأزمة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
ليس أسرع من أن يغيّر الإنسان رأيه في أمر ما أو شخص ما، وهذا ما حصل مع آلان غرينسبان، الذي كان "أفضل محافظ بنك مركزي حظينا به يومًا" إلى أن حصلت أزمة 2008 المالية العالمية. في هذا الكتاب تفاصيل لا بد من معرفتها.
إيلاف: كان رئيس مجلس الاحتياطي الفدرالي السابق بطلًا في أحد الأيام. أما الآن فأصبح من الأشرار. مع ذلك، من السابق لأوانه أن نجزم ما قد يقوله التاريخ عنه.&
في كتاب جديد رائع، ثمرة بحوث دامت أكثر من خمس سنوات، يساعد سيباستيان مالابي التاريخ ليقرر رأيه في آلان غرينسبان، الرجل الذي أشاد به السيناتور السابق فيل غرام في عام 2000، فوصفه بأنّه "أفضل محافظ بنك مركزي حظينا به يومًا". لكنّه يلقي اللوم الآن على أزمة 2007-2008 المالية. وحتى في أيامنا هذه، لا يزال غرينسبان، الذي قال جملته الشهيرة للكونغرس "إذا كان كلامي واضحًا بالنسبة إليكم، فلا بد من أنكم قد أسأتم فهمه"، شخصية متناقضة.&
من أتباع الأيديولوجيا التحررية
يقول مالابي في كتابه "الرجل العارف: حياة آلان غرينسبان وعصره" The Man Who Knew: The Life and Times of Alan Greenspan (منشورات بنغوين برس؛ 781 صفحة، 40 دولارًا؛ منشورات بلومزبري، 25 جنيهًا إسترلينيًا)، إن غرينسبان كان ينتمي إلى الحزب الجمهوري، وعمل مع الديمقراطيين في عهد بيل كلينتون بشكل أقرب وأوثق من عمله مع إدارتي بوش. كان من أتباع الأيديولوجيا التحررية، التي تحدّثت عنها الفيلسوفة آين راند، لكنّ ما برع به هو إدارة البيانات وتحليلها. وكان مؤمنًا بنظام معيار الذهب، لكنه أصبح الداعية الأبرز للسياسة النقدية التقديرية.
أدان إنشاء الاحتياطي الفيدرالي، واعتبره كارثة، لكنه صار رئيسه الأبرز. كان يؤمن بالأسواق الحرة، لكنّه شارك بحماسة في عمليات دعم المؤسسات المفلسة والدول التي ضربتها الأزمة. كان يعرف مخاطر الخطر المعنوي. ومع ذلك، قدّم الدعم إلى الأسواق التي أصبحت معروفة بـ "نهج غرينسبان".
مالابي، صحافي سابق في مجلة ذي إيكونوميست، والآن زميل بارز في مجلس العلاقات الخارجية في نيويورك، يأخذ القارئ في رحلة طويلة منذ طفولة غرينسبان الابن المعشوق والغريب الأطوار من أم يهودية عازبة في نيويورك، مرورًا بفترة عمله عازفًا ثانويًا في فرقة جاز، وحياته المهنية كمتكهّن مهووس بتحليل البيانات، ومشاركته في الحزب الجمهوري، واحتلاله منصب رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي 18 عامًا، وأخيرًا، تشوّهت سمعته بعد الأزمة الاقتصادية. من خلال عدسة هذه المهنة الممتازة، يقوم الكتاب بتسليط ضوء شديد على السياسة الأميركية وصنع السياسات خلال أكثر من أربعة عقود.
اعترف بالخطأ
يجادل مالابي بشكل مقنع أنّه في عهد غرينسبان كرئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، "المأساة هي أنه لم يتابع خوفه المالي بعيدًا بما فيه الكفاية: إذ قرّر أن استهداف التضخم كان سهلًا بشكل مغرٍ، في حين أن استهداف أسعار الأصول كان صعبًا؛ لم يكن يرغب في مواجهة الرأي السائد الذي كان مستعدًا لاعتبار أنّه من واجب البنوك المركزية محاربة التضخم، لكن هذا لا يعني أنه ينبغي أن تبخّر مدخرات المواطنين من خلال فرض خفض أسعار الأصول. كانت مأساة انبثقت من مزيج من الصفات التي تمتع بها غرينسبان طوال حياته - الصدق الفكري من جهة، والتردد في استخدام القوة من جهة أخرى".
تجدر الإشارة إلى أن كثيرين سيقارنون بين طواعية غرينسبان، وتعنت سلفه، بول فولكر، الذي سحق التضخم في الثمانينيات. فغرينسبان لا يتحلّى بشجاعة فولكر الأخلاقية، لكنّ أحد الأسباب التي جعلت غرينسبان رئيسًا للمجلس الاحتياطي الاتحادي هو أن إدارة رونالد ريغان كانت تريد التخلص من فولكر، الذي "بقي يعتقد أن الحسنات المزعومة لتحديث القطاع المالي بهتت أمام مخاطر الغطرسة المالية".
وكان فولكر على حق. لكنّ غرينسبان نجا، لأنه كان يعرف المعارك التي لا يمكن الفوز بها. ومن دون هذه المرونة، لكان احتفظ بمنصبه. في عام 2008، اعترف أمام الكونغرس: "ارتكبت خطأ عندما افترضت أن المصلحة الذاتية للمؤسسات والبنوك على الخصوص يمكن أن تجعل هذه المؤسسات تتصرف بشكل رشيد لحماية مصالح حملة الأسهم". علمًا أن هذا الخلل في طريقة تفكيره كان واضحًا منذ فترة طويلة. كان يعرف أن الحكومة ومجلس الاحتياطي الاتحادي وضعا شبكة أمان تحت النظام المالي، ولم يكن ينبغي أن يفترض أن المموّلين سيتصرّفون بحكمة وحذر.
خوف وأمل
كان ينتاب غرينسبان شعور بالخوف والأمل: خوف من أن يكون المشاركون في اللعبة المالية متقدّمين دائمًا بفارق كبير على الحكام الحكوميين، وأنّ يفشل المنظمون دائمًا، وأمل بأنّه "بعد الفشل في إدارة المخاطر، سينظم الاحتياطي الفيدرالي الفوضى الناتجة". لسوء الحظ، بعد أزمة 2007-2008، تبيّن أن ذلك ليس صحيحًا.
لام مالابي غرينسبان على الجمود في الأنظمة، وانتقده أيضًا بسبب سياسة استهداف التضخم التي اعتمدها، حتى لو كان ذلك من دون إعلان واضح.
أما حسنات استهداف التضخم فكانت تقديم مرساة للسياسة النقدية، التي كانت قد فُقدت مع انهيار ارتباط الدولار بالذهب في عام 1971، ومن بعدها فُقد الاستهداف النقدي أيضًا. لكنّ التجربة أثبتت منذ ذاك الحين أن السياسة النقدية تؤدي على الأرجح إلى عدم الاستقرار، بمثل هذه المرساة أو من دونها. واستقرار التضخم لا يضمن الاستقرار الاقتصادي، وربما أيضًا، العكس صحيح.
لعلّ الدرس الأكبر الذي نستنتجه من تحوّل غرينسبان من "مايسترو" التسعينيات إلى كبش محرقة اليوم هو أن القوى التي تولّد الاستقرار النقدي والمالي فائقة الضخامة. يعود ذلك جزئيًا إلى أننا لا نعرف حقًا كيف نسيطر عليها. وربما أيضًا إلى أننا لا نريد السيطرة عليها فعلًا.&
&