ثقافات

إيلاف تقرأ لكم في أحدث الإصدارات العالمية

مشروع حياة: تجربة تحسّن صحة المجتمع البريطاني

-
قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

ليس سهلًا أن تلاحق مجموعة من الناس من المهد إلى اللحد دارسًا حيواتهم العادية من أجل أن تخرج باكتشافات صحية واجتماعية تغني المجتمع كله. هذه قصة كتاب "مشروع حياة" لهيلين بيرسون.

إيلاف: ولد ستيف كريسماس في عام 1958 في ظروف غير واعدة. كان والده مدمنًا على الكحول اعتاد الإساءة إلى زوجته. لم يكن أي من والديه مهتمًا في تعليمه، ولطالما كان رسل المحكمة زوارًا منتظمين يقرعون باب بيته.&

& & قصة حياة عادية لحياة مجتمعية غير عادية

كانت سنوات شبابه بائسة، لكنّه حقق انتصارًا. فمن عامل كادح، تولى وظائف في الزراعة ثم أصبح وسيطًا للتأمين ثم مديرًا، فأنجب ابنة وعاش حياة حافلة بالإنجازات - وببعض التأثير العلمي. ثمة آخرون تغلبوا على كثير من الشوائب في وقت مبكر، على الرغم من أن الصورة العامة ليست ملهمة.

فالبدايات القاتمة تميل إلى ترك الجروح العميقة. والحالة الاجتماعية السيئة والدخل المتدني يُنشئان أفرادًا أصغر وأبطأ في القراءة، وأضعف صحة، وأكثر عرضة للوفاة في سن أبكر من نظرائهم الأغنياء. كما تقول هيلين بيرسون، رئيسة تحرير "نايتشر": "ربما يبدو الفقر فخًا لا مفر من الوقوع فيه".

من المهد إلى اللحد
من غير المعروف لدى الغالبية أن مجموعة صغيرة من البريطانيين، في العقد السابع من عمرهم، قد بلورت صحة ورفاه الجميع في بريطانيا طوال حياتهم. وتجدر الإشارة إلى أنّهم ليسوا صناع قرار ولا علماء، بل عينة وطنية عشوائية يجمعهم قاسم مشترك واحد هو أسبوع ولادتهم في عام 1946.

ما كادوا يخرجون من الرحم مباشرة حتى بدأ الباحثون وجيش من جامعي البيانات بمتابعتهم والسؤال عن حياتهم وسلوكهم، متعمّقين في أسباب الصحة والمرض في بريطانيا من المهد إلى اللحد، ومحللين حياة الآلاف من الأطفال منذ الولادة في تفاصيل باهرة، من سجلات أوزان المواليد وأعمار الفطام، إلى مهارات القراءة والحصول على وظيفة في وقت لاحق.

هيلين بيرسون، المختصة في علم الوراثة وصحافية، ألّفت كتاب "مشروع حياة: قصة غير عادية عن حياتنا العادية" The Life Project: The Extraordinary Story of Our Ordinary Lives، (منشورات آلان لاين، 399 صفحة، 20 جنيهًا إسترلينيًا؛ تنشره دار سوفت سكال في الولايات المتحدة في مايو، 17.95 دولارًا)، وهو كتاب رائع يرسم دراسة أتراب عام 1946 وأربعة أعوام تليه. إنه مشروع بريطاني مميّز، وعلى الرغم من أنّه ربما لا يلاقي تأييدًا كافيًا في البلد (وكان تمويله في كثير من الأحيان في خطر) فهو محسود في المجالات الوبائية.

هذه الأفواج أو الأتراب الخمسة بدأت في 1946 و1958 و1970 و1991 و2000، بمجموع حوالى 70.000 بريطانيّ، قدّموا بيانات تتراوح بين البطاقات المثقبة حتى التسلسل الكامل للجنيوم في يومنا هذا.&

وكشفت دراسة فوج 1946 أن الطبقة العاملة من النساء تعاني ارتفاع معدلات الإملاص بسبب نقص الرعاية الطبية أثناء الحمل. وعندما تم إطلاق الخدمة الصحية الوطنية بعد فترة وجيزة في عام 1948، أدّت هذه النتائج إلى تقديم الرعاية قبل الولادة مجانًا. وكانت نتائج دراسة فوج 1958 أول ما كشف عن تأثير التدخين خلال الحمل على مخاطر ولادة الجنين ميتًا.

حزن وفرح
غير أن الرسالة الحزينة التي نقلتها الدراسات، منذ ولادة أتراب عام 1946 وحتى يومنا هذا، هي أن الولادة في مستوى معيشي فقير تبقى مصدرًا كبيرًا للخطر على الصحة والرفاه. وفي حين أنه من الممكن الانتصار على الشدّة (القراءة للمتعة في مرحلة الطفولة، على سبيل المثال، تحقق نتائج أفضل لاحقًا في الحياة، بغضّ النظر عن الوضع الاجتماعي والاقتصادي للوالدين)، فبعضهم يعاكسه الحظ قبل ولادته حتى. وبالنسبة إلى التأثير في السياسة العامة، بالكاد تغيّر هذا الواقع في نصف القرن منذ نشر أول دراسة من مجموعة 1946.

على الرغم من هذه الأخبار السيئة (وحماسة بيرسون)، يتخلل الكتاب فرح في الكثير من الأحيان، ممزوج بمقالات قصيرة عن أفراد الأتراب المختلفة، فضلًا عن الباحثين. (أحد قادة فرق البحث لم يغمض له جفن يومين متواصلين، فصار يغفو خلال صنع فيديو عن المشروع. وشخص آخر هزأ بالطريقة التي ولد بها فقال إنّه ولد ورأسه مقلوب).

جوهرة في تاج العلوم
من الصعب التصديق أن شيئًا بسيطًا كمراقبة مجموعة من الأطفال يمكن أن يوفر هذه المعرفة عن حالة الإنسان. يبين كتاب "مشروع حياة" لماذا ينبغي اعتبارهم جوهرة في تاج العِلْم البريطاني.

فهو عمل أخّاذ يتناول دراسات الأتراب الرائدة في المملكة المتحدة، التي رصدت حياة المواطن البريطاني العادي منذ عام 1946، ويؤكد أهميتها بالنسبة إلينا جميعًا.

وفقًا لما تقوله بيرسون في هذا الكتاب الفاتن والموثوق المراجع والموجز بأناقة ووضوح، "لا يملك أي بلد آخر شيئًا مماثلًا بالحجم نفسه. فقد ملأت النتائج أكثر من 6.000 بحث منشور و 40 كتابًا أكاديميًا، وقد انتشرت لتطال تقريبًا جميع من في بريطانيا اليوم".

إذا نظرنا إلى أول دراسة حشدية: في البداية قام رائد المشروع جيمس دوغلاس، بمتابعة 13687 أمًّا لأطفال ولدوا بين 3 و9 مارس 1946، وأخذ تفاصيل عن تكاليف الحمل، ومواقع المراحيض الخاصة بهم (في الداخل أو في الخارج)، والأطفال الآخرين، والدخل، والصحة العامة.

لم تكن أجهزة الكمبيوتر متاحة لدوغلاس لتحليل هذه البيانات، فاستخدم آلة جدولة غير متطورة. ومع ذلك، كل نتيجة خرجت من آلته بيّنت أن كل بلد يُقسّم إلى طبقات أو فئات. فاستشارة طبيب نسائي والولادة في المستشفى كانت أقل احتمالًا بالنسبة إلى طبقة الأمهات العاملات اللواتي حصلن على الرعاية الطبية في وقت لاحق في فترة الحمل. ونتيجة لذلك، كان أطفالهن أكثر عرضة للأمراض مقارنة مع الذين ولدوا من أمهات من طبقة أغنى، بنسبة 70 في المئة.

فضل كبير
بفضل دراسات الأتراب، أصبحنا نعرف الآن أن قراءة الأطفال بانتظام لها فوائد تربوية حقيقية، وأن النوم على الظهر هو الأكثر أمانًا للأطفال، وأن لتلوث الهواء عواقب مميتة. هذه النتائج، وغيرها قد تبدو مألوفة، لكنّ دراسة الأتراب هي التي أثبتتها، وأدّت دورًا حيويًا في حث الحكومات على المساعدة على جعل بريطانيا أكثر صحة، لا من طريق التوصل إلى نتائج فورية فحسب، بل من خلال إثبات مجموعة من البيانات الضخمة التي يمكن العودة إليها عبر العقود.

يشكّل فوج أطفال دوغلاس المولودين في عام 1946 خير مثال. وتمت دراسة البيانات حول أنماط حياتهم الماضية لاستخراج عوامل نمط الحياة التي قد تكون سببًا ساهم في تطور الخرف وغيره من أمراض الشيخوخة.

أنقذت دراسات الأتراب الآلاف من الناس من الوفاة المبكرة من خلال تنبيه الآباء والأمهات إلى الممارسات الضارة المحتملة وتحذير الأطباء من مخاطر غير متوقعة. كما إنّها قدمت إلى أفراد مثل ستيف كريسماس فائدة في حياته. وهو يحتفظ بخزانة ملفات مليئة بالتقارير المستقاة من الدراسة، التي شارك فيها طوال حياته. ومع ذلك، ليس من الواضح ما إذا كنا نستطيع الاعتماد عليها لإرشادنا فترة طويلة.&

وتلفت بيرسون في كتابها هذا إلى أن حياة الناس أصبحت أكثر انشغالًا، في حين خفّ حسّ الأمة بالواجب الذي ساد لسنوات ما بعد الحرب. غير أن المشكلات الصحية - السمنة والأمراض العقلية، على سبيل المثال - لا تزال تهدد المجتمع.&

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف