ثقافات

"إيلاف" تقرأ لكم في أحدث الإصدارات العالمية

عشرة حدود لحرية التعبير في عالم مترابط المسار والمصير

-
قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

سؤال الحرية يتحول إلى سؤال عن حريات عدة: الحرية الشخصية، حرية التعبير، حرية العبادة، وحرية الفكر. إنها الأمور التي يتطرق إليها تيموثي غارتون آش، في كتاب موسوعي، يطرح مسألة الحرية في هذا العصر على بساط البحث.

إيلاف: لا قيمة للحرية من دون معايشتها، ومهما كانت الحقوق مهمة في النظام الديمقراطي الدستوري، فإنها تضمحل إذا لم تُمارس. 

للتعبير حدود... وللحريات سقف

منذ سجالات جون ملتون ضد محاولات الكنيسة المشيخية فرض رقابة كالفينية على إنكلترا في أربعينيات القرن السابع عشر، مرورًا بتمرد جون ستيوارت مل على امتثالية الفيكتوريين، إلى جدالات العلمانيين مع الإسلاميين، كان الدفاع عن حرية التعبير وتوسيعها وليد الأخطار التي تهددها.

ما يصحّ على الكتّاب الكبار، يصحّ على كل الآخرين. فلا أحد في الغرب يفكر جديًا في الحرية إلى أن يُجبر على التفكير فيها. وفي حالة الكاتب تيموثي غارتون آش، فإن هذا الضغط جاء من الداخل.

أصولية تنويرية
عندما هربت أيان هرسي علي من الصومال إلى هولندا، كانت تتوقع دعمًا من الليبراليين الأوروبيين. فهي نسوية سوداء تناضل ضد ختان البنات واضطهاد المرأة باسم الدين.

كان أعداؤها أعداء جميع الليبراليين قتلوا صديقها السينمائي الهولندي تيو فان كوخ، بتهمة الإساءة إلى القرآن، وهددوها بالقتل. لكن بدلًا من أن يقف أصدقاؤها ضد أعدائها، انقلبوا عليها.

هدد سياسيون ليبراليون هولنديون بتجريدها من الجنسية الهولندية، وهاجمها غارتون آش ومثقفون ليبراليون آخرون باستعلاء. وقال غارتون آش إن أحدًا لم ينتبه إلى وجود هرسي علي إلا لسبب واحد: إنها جميلة. لكن نظرته المتعالية تستطيع أن تتجاوز أسباب الجاذبية السطحية، وترى أنها "أصولية تنويرية"، أو صورة مرآتية للإسلاميين، على الرغم من أنها لم تطالب بقتل المثليين والمرتدين واليهود وإقامة استبداد ثيوقراطي عالمي.

أثارت معاملة هرسي علي ضجّة، ودُبجت كتب كاملة تتهم المثقفين بالتخلف عن الارتقاء إلى مستوى قيمهم. في هذا السياق كانت المواجهة بين هرسي علي ومتهميها في لندن في عام 2010. وأعرب غارتون آش عن ندمه لمساواته بين أهداف الاضطهاد الأصولي وضحاياه، ثم أكد دعمه لحرية التعبير. ولإثبات إيمانه بهذه الحرية، قدم بعض التعليقات عن الإسلام.

كانت هواجس غارتون آش عي هواجس هرسي علي والليبراليين الباكستانيين والملحدين البنغلاديشيين نفسها. ورفض منظمو الفاعلية إزالة تعليقاته من الفيلم، الذي جرى تصويره عن الفاعلية، ونُشر على يوتيوب. وحسمت هرسي علي السجال بالقول إن لا أحد يستحق أن يعيش الخوف الذي عاشته. 

المفهوم البالي
برود اليسار الليبرالي الأوروبي دفع هرسي علي إلى أحضان المحافظين الجدد في أميركا، فهم الوحيدون الذين رحّبوا بها. وكان بمقدور غارتون آش أن يستمر في تقديم "أعذار" ليبرالية دفاعًا عن القوى الليبرالية، مثل كثيرين من زملائه في الوسط الأكاديمي والصحافة اليسارية. لكنه بدلًا من ذلك استخدم خوفه للعثور على ذاته الأفضل. 

يشعر المرء بأن الأرض التي يغطيها كتاب غارتون آش "حرية التعبير: عشرة مبادئ لعصر متصل" Free Speech: Ten Principles for a Connected Age (منشورات جامعة يال، 491 صفحة، 30 دولارًا؛ منشورات أتلانتيك، 20 جنيهًا إسترلينيًا) قد وطأتها أقدام كثيرة حتى أُحيلت إلى حجر. ولدى غارتون آش فضيلتان نادرًا ما تلتقيان: القدرة على التنظير، والقدرة على العمل.

يغطي بحثه واسع النطاق السجالات الكبرى في عصرنا، والكثير من النزاعات التي لا نعرف عنها شيئًا. ولأن حرية التعبير حق تعتمد عليه الحقوق الأخرى، فإن هذا الكتاب يغطي مساحة واسعة من صراعات القرن الحادي والعشرين. 

مبادئ غارتون آش هي نفسها مبادئ ستيوارت مل. وما لم تثبت الدولة أن الكلام يحرض مع سبق الإصرار على الجريمة لا يكون من حقها منعه. هذه الفكرة القديمة تحتاج تجديدًا، لأن القرن الحادي والعشرين يجعل مفهوم الدولة والكتلة المرصوصة من المواطنين مفهومًا باليًا.

دشن تحريض إيران على قتل سلمان رشدي في عام 1989 عصر الرقابة الحديثة، وكان هناك ذات يوم عالم حر وعالم غير حر. وفي إمكان المرء أن يمارس التحريض باسم المعارضين المسجونين في الاتحاد السوفياتي، كما فعل غارتون آش شابًا، ثم العودة إلى الغرب الآمن. لكن، في عام انهيار الشيوعية، أظهر اضطهاد رشدي أن الغرب لم يعد آمنًا، ذلك أن اتباع آية الله الخميني الهائجين ضد رشدي كانوا من سكان برادفورد في شمال انكلترا، لا طهران.

خطاب الكراهية
بعد جيل على هذه الحوادث، تبدو بريطانيا رشدي بغالبيتها البيضاء وأقلياتها الإثنية المتنوعة بلدًا آخر عفا عليه الزمن. ولحماية مواطني بريطانيا اليوم، هناك قوانين ضد "خطاب الكراهية" تذهب أبعد من التحديدات الليبرالية التقليدية بتجريمها هذه المرة الخطاب الذي يتعمد التحريض على العنف.

تأتي الهجرة الجماعية بعشرات الأقليات الجديدة إلى البلدان الغربية. وفيها أشخاص يستخدمون الحريات الليبرالية لتشكيل دوائر أصغر، بل ذهب بعضهم إلى حد تجاهل التعدد الثقافي، واعتبار أنفسهم أفرادًا مستقلين بذاتهم.

في هذه الأثناء، أصبح البيض أقلية في مدن، مثل ليستر وسلاو ولوتن. ويُثار السؤال عمّا إذا كان هؤلاء أيضًا بحاجة إلى قوانين ضد خطاب الكراهية. ويرى غارتون آش في كتابه أن الطريقة الوحيدة لإنجاح التنوع الحديث هي الإصرار على التسامح والتحمل. 

إذا كان هناك مأخذ على غارتون آش فهو مأخذ قديم. ذلك أنه لا يستطيع أن يتحدث بوضوح عن ضرورة مكافحة التحامل الديني.
ويقول بضرورة "احترام المؤمنين، ولكن ليس بالضرورة مضمون معتقدهم". وتعيد هذه الصيغة التذكير بموقف أحد القساوسة من المثليين، داعيًا إلى "محبة المخطئ وكره الخطيئة". لكن هذه شكوى ثانوية، فغارتون آش كتب عملًا موسوعيًا ثمة حاجة ملحّة إليه.

أعدت "إيلاف" هذا التقرير عن "الغارديان" . الأصل منشور على الرابط الآتي:
https://www.theguardian.com/books/2016/may/30/free-speech-ten-principles-connected-world-garton-ash-ayaan-hirsi-ali-atlantic-books-religion

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف