"إيلاف" تقرأ لكم في أحدث الإصدارات العالمية
في الحرب النووية... إلى "صخرة الغراب" دُرّ!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
إيلاف: كان جورج ستيفانوبولس، مستشار السياسات في إدارة الرئيس الأميركي السابق بيل كلنتون وقتذاك، جالسًا يتبادل الكؤوس ذات مساء مع الكاتب المسرحي آرون سوركين، حين أخرج من محفظته بطاقة تحوي بالتفصيل كيف سيتم إجلاؤه عن واشنطن في حال اندلاع حرب نووية. استخدم سوركين البطاقة لاحقًا في حلقة من مسلسله التلفزيوني واسع الشعبية "الجناح الغربي".
من يُنقذ؟
لكن دي دي مايرز، سكرتيرة كلينتون الصحافية الأولى التي عملت مستشارة للمسلسل، حذرت سوركين من أن حبكة الحلقة ليست واقعية، لأن مثل هذه البطاقات غير موجودة.
كانت هذه البطاقة موجودة بطبيعة الحال، بيد أن وجودها بقي سرًا محفوظًا بكتمان شديد. ومايرز بوصفها سكرتيرة صحافية لم تكن بين المشمولين بتوزيعها عليهم. ذلك أن إجلاء الجميع لم يكن ممكنًا، ومن الواضح أن للسياسيين أفضلية على الإعلاميين من أمثالها.
هذه الواقعة الغريبة واحدة من حكايات عديدة يرويها غاريت غراف في كتابه "صخرة الغراب - قصة خطة الحكومة الأميركية السرية لإنقاذ نفسها بينما نموت جميعًا" RAVEN ROCK - The Story of the U.S. Government’s Secret Plan to Save Itself — While the Rest of Us Die (وهو مؤلف من 529 صفحة، منشورات سيمون وشوستر، 28 دولارًا).
هذا الكتاب تحقيق شامل في جهود واشنطن منذ زمن طويل للحفاظ على النظام في حال وقوع كارثة. وغراف، باستكشافه ما كانت الإدارات المتعاقبة مستعدة لعمله في التخطيط من أجل البقاء بعد هجوم نووي على الولايات المتحدة، ينسج حكاية أبطالها التكتم وجنون الارتياب.
كانت "استمرارية الحكم"، التعبير الرسمي للحفاظ على الدولة الأميركية، حتى لو مات كل مواطن أميركي تقريبًا، طرحت تحديات أخلاقية وبيروقراطية وهندسية هائلة على أجيال من المخططين. من هذه التحديات: من سيُنقَذ؟ (الكثير من المسؤولين الفيدراليين ولكن من دون عائلاتهم)، ومن أي أقسام في الحكومة؟ (كثيرًا ما تُعطى الأولوية في هذه السيناريوات لقسم التخطيط).
كشف أمر أهم
يروي غراف في كتابه كيف بدأت الحكومة الفيدرالية في عام 1951 بناء سلسلة من المخابئ السرية تحت الأرض في أرياف بنسلفانيا وفرجينيا وويست فرجينيا. أول هذه المخابئ المخبأ المسمى "صخرة الغراب" المدفون على عمق أكثر من 400 متر تحت صخور من الغرانيت في بنسلفانيا، بمساحة تبلغ نحو 10 آلاف متر مربع لإسكان 1400 شخص في منشآت متعددة "موضوعة بعناية على نوابض ملفوفة لتخفيف الاهتزاز خلال وقوع هجوم قريب".
من بين المخابئ الأخرى منشأة أُخفيت داخل جبل في منتجع غرينبير في ويست فرجينيا، ضمت محطة لتوليد الكهرباء وعيادة طبية وعيادة لطب الأسنان ومطعمًا يتسع لـ 400 مقعد.
يصف غراف هذه المخابئ وخطط استخدامها باستفاضة. لكنه، في النهاية، يسعى إلى كشف أمر أهم. فإن المخبأ يجسد في جوهره تاريخ الحرب الباردة وآثارها على الحياة السياسية الأميركية.
يبيّن غراف كيف كانت الجهود التكنوقراطية لضمان استمرار الحكم بعد هجوم نووي تصطدم بالواقع المتمثل في أن هذا سيكون متعذرًا من الناحية العملية بسبب سرعة الدمار وشدته، وهي حقيقة تجعل حتى أدق الخطط تبدو مثيرة للسخرية، خصوصًا الخطة التي أُعدت لنقل جرس الحرية إلى مكان أمين.
ثقافة الهوس بالتكتم
بعد سنوات من الصراع مع هذه المشكلات، توصل الرئيس دوايت آيزنهاور إلى نتيجة مشؤومة، إذ قال متأسفًا لفريق من مستشاريه إنه إذا اندلعت حرب نووية مع الاتحاد السوفياتي "سيكون من باب أولى أن تخرجوا وتطلقوا النار على كل من ترونه، ثم تطلقون النار على أنفسكم".
يرى غراف أن مخاوف الحرب الباردة غرست بذور "ثقافة الهوس بالتكتم السائدة اليوم"، وأسهمت في نشوء النزعة الهلعية التي يقول "إنها حددت وجهة الكثير من رد فعلنا على خطر الإرهاب الحديث".
على الرغم من أنه لا يشفع هذا الرأي بأسانيد وافية، فإن محصلة الكتاب القيمة هي إنه إذا حدث وقررت واشنطن تنفيذ الخطط التي أعدتها ليوم دينوني، مثل اندلاع حرب نووية، فالمرجّح أن ذلك سيكون بعد فوات الأوان، وأن أفضل دفاع ضد أسوأ الاحتمالات هو قيادة عقلانية رشيدة تتفادى هذه الاحتمالات أصلًا.
لكن جاست فوغت، نائب مدير تحرير الشؤون الخارجية في صحيفة "نيويورك تايمز"، يقول في مراجعته للكتاب إن العثور على مثل هذه القيادة في عصر دونالد ترمب ربما يكون أصعب من العثور على مخبأ سري تحت الأرض.