ثقافات

"إيلاف" تقرأ لكم في أحدث الإصدارات العالمية

لغز نوبات الصرع: حين يتمرد العقل على صاحبه

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

ربما لا يكون الصرع لعنة مطلقة، فبعض المرضى يقولون إن نوباتهم يسبقها شعور بالهناء الغامر، بل وحتى الانتشاء. فما هو هذا اللغز؟.. هذا ما يعرضه هذا الكتاب.

إيلاف: الصرع هو اختصاص عالمة الأعصاب الأيرلندية سوزان أوسوليفان التي تعمل في بريطانيا. ويأتي كتابها "عصف ذهني: قصص بوليسية من عالم طب الأعصاب" Brainstorm: Detective Stories from the World of Neurology في أعقاب كتابها الآخر الذي فازت من خلاله بجائزة عن الأمراض النفسية – الجسدية، وفيه تتناول الصرع بكل أشكاله، وهو عمل مشوّق للغاية من أعمال الإنسانية الطبية.

نكهة القصة
كما تشهد الحالات التي صاغتها أوسوليفان بطريقة قصصية دراماتيكية في كتابها، فإن التشخيص شكل من أشكال الفن يتطلب انتباهًا حادًا إلى ما تسميها "نكهة القصة وتفاصيلها". في الحقيقة، إن جزءًا كبيرًا من خبرتها السريرية قراءة دقيقة لعلائم جسدية أو ما يُسمى "علم إشارات النوبة" في وصف فن تفسير السلوك غير الطبيعي لتحديد موطن الخلل في الدماغ.

في حين أن الاختبارات التي تستخدم التكنولوجيا المتطورة لتصوير تكوينات الدماغ وقياس نشاطه الكهربائي اختبارات مهمة للغاية، فإنها يمكن أن تكون مضللة "بنسبة 30 في المئة في الأقل".

يضاف إلى ذلك أن أوسوليفان تؤكد أن مثل هذه الفحوص الإشعاعية "لا تقول لنا شيئًا عن مستوى عمل الدماغ"، ولا تستطيع أن تحدد مستوى ما يتصف به الشخص من تنظيم واعتدال الطبع وإجادته التخطيط وقدرته الإبداعية.

كل حالة تتعامل معها أوسوليفان قصة قصيرة عن جدارة، نتابع فيها حديثها الأول مع المريض، ثم نشهد ملاحظات واختبارات في المستشفى وتحليل نتائج الاختبار، ثم ننتظر لنرى إن كان العلاج الذي يوصف مجديًا. وفي أحيان كثيرة يكون العلاج مجديًا بالأدوية أو جراحة الدماغ لإنهاء نوبات الصرع بشكل مبرم عند بعض المرضى.

الأرض تنحدر
لكن هناك مرضى لا تستطيع أوسوليفان مساعدتهم، وهي تكتب عنهم بحزن. واللافت في الكتاب هو التنوع المدهش للطرق التي يمكن أن يتمرد الدماغ بها تمردًا عاصفًا على صاحبه؛ إذ يمكن أن تؤدي نوبات الصرع إلى فقدان النطق أو الكلام لا إراديًا. ويمكن أن تنتفض العضلات أو تفقد قوتها تمامًا، فتسبب انهيارًا مفاجئًا. بعض النوبات لا تكون لها أي علائم خارجية، في حين أن القلب يتوقف نتيجة نوبات أخرى للتذكير بدور الدماغ في التحكم بأعضائنا الداخلية.

امرأة مصابة الصرع ينتابها إحساس بانكماش حجمها مثل أليس في قصة "أليس في بلاد العجائب". فهناك أنواع محدَّدة للمرض منها الصرع الضوئي التي تسببه ومضات الضوء ، وهناك ما يُسمى الصرع الموسيقي، حيث لا يتحمل الدماغ نوعًا معينًا من الموسيقى، أو حتى وترًا معينًا أو نوتة معينة.

لكن ربما لا يكون الصرع لعنة مطلقة. فبعض المرضى يقولون إن نوباتهم يسبقها شعور بالهناء الغامر، بل وحتى الانتشاء. ويُعتقد أن دوستويفسكي كان مصابًا بهذا النوع من الصرع، وأسقطه على بطله الأمير ميشكين في رواية "الأبله". ويُعتقد أن هلوسات جان دارك الدينية كانت نتيجة نوبات صرع. من جهة أخرى، تصف إحدى مريضات أوسوليفان شعورها الغريب بأن الأشياء تصغر والأرض تنحدر مبتعدة تحت أقدامها.

مثل هذه الأوهام البصرية حين تبدو الأشياء أكبر أو أصغر كثيرًا ما ترتبط بصرع الفص الصدغي. وكان كاتب "أليس في بلاد العجائب" لويس كارول نفسه يُصاب بنوبات إغماء. وتشير أوسوليفان إلى أنه ربما كان مصروعًا، وفي هذه الحالة تصور كتبه عملية تحويل رائع للفوضى العصبية إلى فن منتظم.

معجزة هشة
لكتاب أوسوليفان دلالات اجتماعية وسياسية. وهي تنوه بما نعرفه الآن عن الاعتماد المتبادل بين العقل والجسم، قائلة إنه من غير المعقول بعد كل كما نعرفه أن تتعامل مؤسسات صحية عديدة مع الإثنين، وكأنهما لا يرتبطان بعلاقة مع أحدهما الآخر. كما تؤكد الكاتبة ظلم الحياة أحيانًا على المريض بسبب جهل الآخرين، وتكتب: "إن الشخص قد يعاني من إعاقة شديدة بسبب المرض العقلي من دون أن تكون لديه أي إعاقة جسدية، وربما يكون من الصعب جدًا على الآخرين أن يقدروا الإعاقة غير المرئية".

لكنها تشير بتفاؤل في كتابها الإنساني إلى تقنيات طبية جديدة، مثل الأطراف الاصطناعية، التي يتحكم بها الدماغ أو الموجات فوق الصوتية لجراحات غير غازية في الدماغ، من دون أن تغفل أن الطب ما زال غير قادر على الإجابة عن كل الأسئلة.  

رسالة هذه المجموعة الشيقة من القصص الطبية هي إشعار كل قارئ لا يعاني خللًا في عمل الدماغ بالامتنان البالغ للمعجزة الهشة التي تحدث في جمجمته في كل لحظة. في حين أن أحدًا في الكتاب لا يريد أن يكون مصابًا بالصرع، فاللافت هو ما تبديه غالبية مرضى أوسوليفان من صلابة وشجاعة في التعامل مع صرعها.

راي الذي يشتم ويبصق حين تنتابه نوبة صرع، يقول: "أنا محظوظ لكوني أعيش في لندن. فالشوارع مليئة بالأشخاص الذين يتصرفون تصرفًا غريبًا. فأنا أكون مع أضرابي". وهناك كثيرون ليسوا مصابين بالصرع يفكرون مثله كلما يغادرون بيوتهم.
 
 
أعدت "إيلاف" هذا التقرير بتصرف عن "دايلي تلغراف". الأصل منشور على الرابط:
https://www.telegraph.co.uk/books/what-to-read/brain-rebels-the-mystery-epileptic-seizures/
 
 
 

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف