"إيلاف" تقرأ لكم في أحدث الإصدارات العالمية
كيف تطورت الصناعة الصينية لتحتل الصدارة؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
منذ أن بدأت الصين تطبيق سياسة الإصلاح والانفتاح، أولت حكومتها اهتمامًا بالغًا بتغيير الأنماط التقليدية للنمو الاقتصادي. وبحلول القرن الحادي والعشرين دعت الحكومة المركزية إلى اتخاذ طريق "التصنيع الجديد".
إيلاف: جاء في تقرير عمل الحكومة في الجلسة الرابعة للدورة الخامسة للمؤتمر الوطني لنواب الشعب الصيني لعام 1981 عشر سياسات لتنمية الاقتصاد الوطني القائم على تعزيز الأداء الاقتصادي، ويمكن القول إنها كانت بداية الاهتمام والمحاولة لتغيير الأنماط التقليدية للنمو الاقتصادي.
من المخطط إلى الاشتراكي
يأتي كتاب "تطور الصناعة الصينية - الاستراتيجية والتحديات" الصادر ضمن سلسلة "قراءات صينية" التي يشرف عليها حسانين فهمي حسين أستاذ اللغة الصينية والترجمة المساعد في كلية الألسن جامعة عين شمس ليحلل ويقيّم أثر أنماط النمو الاقتصادي على تنمية الصناعات.
فإجراء تقييم لهذا التأثير- وخاصة أثر تعديل سياسة التصدير ورفع أجور العاملين والانتقال إلى اقتصاد منخفض الكربون - يقدم يد المساعدة في ما يمكن أن تواجه الصين من صعوبات أثناء معرفتنا لعملية تغيير أنماط التنمية، كما يناقش سبل ترقية الصناعات الصينية ومعايير اختيار التدابير السياسية اللازمة.
الكتاب الذي شارك في تأليفه وتحريره عدد من الخبراء الصينيين البارزين في الشأن الاقتصادي والصناعي والقانوني من جامعات ومراكز بحثية صينية مرموقة، وصدر من دار صفصافة، وترجمته إيريني حنا شكري، لفت إلى أنه في ثمانينيات القرن العشرين، أشارت الحكومة المركزية أكثر من مرة إلى رغبتها في تغيير أنماط النمو وتحسين الأداء الاقتصادي. كما طرحت الصين تغييرين جذريين في تسعينيات القرن العشرين؛ وهما "الخطة (الخمسية التاسعة) ومخطط الرؤية والهدف لعام 2010"، وذلك في الخامس من مارس لعام 1996، وأشارت إلى "الانتقال من نظام الاقتصاد المخطط إلى نظام اقتصاد السوق الاشتراكي، إضافة إلى انتقال أنماط النمو الاقتصادي من الأسلوب الانتشاري إلى الأسلوب التكثيفي، فهذا هو المدخل المتاح لتحقيق أهداف الخمسة عشر عامًا المقبلة".
تغيير أنماط التنمية
بحلول القرن الحادي والعشرين، دعت الحكومة المركزية إلى اتخاذ طريق "التصنيع الجديد"، وهذه أيضًا بمثابة قفزة مهمة في طريق تغيير أنماط النمو الاقتصادي. وفي سبتمبر عام 2002، أجاز المؤتمر الوطني السادس عشر للحزب الشيوعي الصيني طريق "التصنيع الجديد" رسميًا على النحو الآتي: "الإصرار على استخدام تكنولوجيا المعلومات لدفع عملية التصنيع، واستخدام التصنيع لتعزيز مجال تكنولوجيا المعلومات، والسير في طريق التصنيع الجديد ذو المكونات العلمية والتكنولوجية العالية، والمردود الاقتصادي الجيد، والاستهلاك المنخفض للموارد، والحد من التلوث البيئي، مع إطلاق العنان لتفوق الموارد البشرية بشكل كامل".
منذ 2003، بدأت الصين تنتقل من التأكيد على تغيير أنماط النمو الاقتصادي في الماضي إلى التأكيد على تحقيق تغيير أنماط التنمية. وبعد فترة من الجهود، وبالرغم من تحقيق الصين بعض التقدم في تغيير أنماط التنمية، إلا أنها مازالت تواجه ضغوطًا كبيرة، بسبب ما سينتج من هذا التغيير من تأثير على تطوير الاقتصاد والصناعة في فترة من الزمن.
على مستوى القطاع الصناعي، قد يتوقف تغيير أنماط النمو على تعديل الهيكل الصناعي والارتقاء به، فالهدف من هذا الكتاب هو إيجاد طرق منطقية لترقية الصناعات في الصين وإيجاد التدابير السياسية اللازمة وفقًا لمتطلبات التغيير في أنماط النمو الاقتصادي.
ترقية الصناعات المتنوعة
لضمان تحقيق النمو الاقتصادي الصيني المُستدام يتطلب الأمر ألا تقل خطوات ترقية الصناعات الصينيَّة عن المتوسط العالمي، وهنا تكمن المشكلة، حيث تنخفض قدرة ترقية الصناعات الصينيَّة عن مستوى المتوسط العالمي. ولإيجاد حل فعّال، يمكننا اختيار سياسة ترقية الصناعات المتنوعة، وتعني هذه الاستراتيجية دفع وتعزيز الصناعات قليلة فرص الارتقاء بالسير خطوات صغيرة وبسيطة، من خلال القدرات الجديدة المتراكمة عند الترقية داخل الصناعات، إضافة إلى تشجيع الصناعات وافرة الفرص على السير قُدمًا، من أجل اللحاق بركب مستوى الصدارة العالميَّة.
كما دفعت الصناعات متوسطة القدرة والفرص إلى السير بخطوات بسيطة ومتوسطة، ونتيجة لاختلاف متطلبات جودة ونوع القوى العاملة عند ترقية الصناعات المختلفة، يتم الاعتماد على الكثير من الاستراتيجيات المختلفة أيضًا، ومن ثم تمكين العمالة بمختلف أنواعها وجودتها من المشاركة في عملية ترقية الصناعات، وجني ثمارها، وإطلاق العنان لما تمتاز به الموارد البشرية الصينيَّة من تنوع وغنى. ولأن هذه الاستراتيجية تمكن الكثير من العمال من المشاركة الفعالة في عملية ترقية الصناعات، لذلك يمكن أن نطلق عليها اسم سياسة ترقية الصناعات المتنوعة، وقد تتناسق هذه الاستراتيجية مع مراحل النمو الاقتصادي المتنوعة وتحقيق أساسها، متجنبة حدوث ظاهرة "الغباء" المتكررة أثناء عملية تعزيز ترقية الصناعات.
نمو المعجزة
وتأثرًا بأفكار البنيوية القديمة لاقتصاديات التنمية، وقبل عام 1970، تبنَّى العديد من الدول النامية استراتيجية إحلال الواردات، وتنفيذ الحماية والدعم للصناعات الناشئة، إلا أن شكوكًا واسعة النطاق قد ظهرت بشأن دور السياسات الصناعية في أعقاب أزمة ديون أميركا اللاتينية. أما بلدان أميركا اللاتينية فقد بدأت في التحول من ثمانينيات القرن العشرين، محققة الخطوة الأولى في طريق الإصلاح، مسترشدة في ذلك بما يسمى إجماع واشنطن، وقد كان لهذا الإصلاح دور كبير في التنمية الاقتصادية بها (في أميركا اللاتينية)، إلا أن تحقيق هذه التنمية ما زال ضعيفًا، وفي حالة يُرثى لها، بسبب النمو السريع لدول شرق آسيا، مما أثار جدلٍا في الأوساط الاقتصادية حول السياسات الصناعية.
بحلول القرن الـ 21، نمت المعجزة الاقتصادية الصينيَّة، إلى جانب اندلاع الأزمة المالية الدولية عام 2008، مما أثار النقاش مجددًا حول دور السياسات الصناعية. إلا أنه في هذا النقاش، تم دعم وتأييد النمو المتزايد القوي للسياسات الصناعية، فقد أوضح داني رودريك وغيره صراحةً مبالغة الإدعاء القائل إن السياسات الصناعية قد انهارت، فهي لم توجد بشكل دائم في الحياة الواقعية وحسب، بل ما زالت هناك حاجة إلى وجودها بحلول القرن الـ 21، وما زال هناك حيز كبير للقيام بدورها في ظل قيود كل المعايير الدولية (2004، 2008).
عقب انتهاء الأزمة المالية، تم إحياء السياسات الصناعية بشكل متزايد في مختلف الدول، فاتخذت بعض المقار الكبيرة لترويج نظرية التجارة الحرة، كالولايات المتحدة الأميركية، تدابير متتالية معزِّزة تنمية الصناعات الناشئة، كما بدأت بعض المؤسسات الدولية التي تُعلي من شأن السوق، كالبنك الدولي، إعادة التفكير في دور السياسات الصناعية من جديد.
دور السياسات الصناعية
ورغم التزايد المستمر في توافق الآراء بشأن أهمية السياسات الصناعية، إلا أن مسألة كيفية جعلها تقوم بدورها ما زالت مثيرة للجدل، ويدور الجدل الأساسي حول ما يجب أن تكون عليه السياسات الصناعية، أتكون في حالة امتثال تام أم معارضة تامة للميزة النسبيَّة؟.
ولقد وقع الجدل الأكثر تأثيرًا بشأن هذا الأمر بين الخبير الاقتصادي الصيني المعروف البروفيسور لين يي فو والاقتصادي الكوري المعروف جانغ شيا جوون (ها - جوون تشانغ).
في عام 2009، نشرت جريدة "استعراض سياسات التنمية" في البنك الدولي جدلًا لباحثين بارزين بعنوان "السياسات الصناعية بين الكائن، وما يجب أن تكون: هل يجب على السياسات الصناعية في الدول النامية أن تكون في حالة امتثال تام أم معارضة تامة للميزة النسبيَّة؟".
يختلف الجدل القائم حول السياسات الصناعية عمّا إذا كانت في حالة امتثال تام أو معارضة تامة للميزة النسبيَّة عن هذا النقاش الدائر حول العلاقة بين الحكومة والسوق أو النقاش الخاص بقبول أو رفض تنفيذ التدخل الحكومي، فيرى جانبا النقاش القائم حول السياسات الصناعية عمّا إذا كانت في حالة امتثال أو معارضة تامة للميزة النسبيَّة أن التدخل الحكومي أمر ضروري، بينما يكمن سبب الخلاف والنقطة المحورية للنقاش في اتجاه هذا التدخل، فقد أولى لين يي فو اهتمامًا بالغًا بأهمية ترقية الصناعات والتعديل الهيكلي في تعزيز النمو الاقتصادي والحكومات، إلا أنه يرى - في مسألة كيفية حدوث التدخل الحكومي في الاقتصاد - أن تكون الحكومة قادرة على تحقيق أفضل استفادة من الظروف، كأن تستفيد من الميزة النسبيَّة في مساعدة القطاعات الخاصة.
أسباب الفشل
قد يتفق هذا الفكر مع دراسته التي أجراها حول أسباب حدوث معجزة النمو الاقتصادي الصيني، فإنه يعتقد أن الهيكل الأمثل لقطاع الصناعة قد ينشأ داخل الهيكل الخاص بالعناصر المهداة لدولة ما، حيث يقوم الهيكل الخاص بالعناصر المهداة بمنح الموارد للقوى العاملة ومهارات العمل ورأس المال في هذا البلد - حيث يتميز الهيكل الخاص بالعناصر المهداة بالقوى العاملة، ومهارات العمل، وموارد رأس المال والموارد الطبيعة المتوافرة، ومن ثَمَّ تصبح ترقية الهيكل الصناعي هي أولًا وقبل كل شيء ترقية الهيكل الخاص بالعناصر المهداة، وإلا ستشكل كل الهياكل الصناعية عبئًا على التنمية، فمن وجهة نظره، تكمن أسباب فشل السياسات الصناعية في بعض الدول في "تثبيت ووضع للرؤى والسياسات على الهيكل الصناعي المثالي الذي جعلوه متصلًا بالحداثة، إلا أن هذا الهيكل غالبًا ما يكون رأسماليًا وذا تكنولوجيا مكثفة، وهي سمة الدول ذات الدخل المرتفع نسبيًّا، إذا ما تمت المقارنة مع بلدهم"، "في ما يشكل هذا التفكير خروجًا عن الميزة النسبيَّة، وارتفاع التكاليف من حيث جودة إدارة الشؤون المالية والإدارة الحكومية" (جوستين لين وها- جون تشانغ، عام 2009).
يتفق الخبير الاقتصادي ها - جوون تشانغ في وجهة نظره بشأن دور تدخل الدولة في النمو الاقتصادي مع البروفيسور لين يي فو، إلا أنه أكد في بداية المناقشة اختلافه الرئيس مع لين يي فو، وهو "اعتقاد لين يي فو بأهمية تدخل الدولة، شرط تعزيز الاستفادة من الميزة النسبيَّة في أي بلد في المقام الأول، إلا أنني أرى الميزة النسبيَّة، وإن كانت مهمة، فهي ليست سوى خط أساس، بل إن أي دولة تريد ترقية صناعتها، عليها معارضة ميزتها النسبيَّة" (جوستين لين وها- جون تشانغ، 2009).
في المناقشة التي دارت بين لين يي فو وها - جوون تشانغ، استخدم كل منهما بعض الحالات لإيضاح وجهة نظره، لكنهما لم يقدما أدلة منهجية، ويبقى السؤال: ما هو الأكثر شيوعًا في عملية تنفيذ السياسات الصناعية في كل الدول: الامتثال التام أم المعارضة التامة للميزة النسبيَّة؟. لهذا تهدف هذه الدراسة إلى استخدام بيانات أكثر منهجية، واختبار كل ما هو أكثر اتساقًا مع الحقائق الموضوعية.