"إيلاف" تقرأ لكم في أحدث الإصدارات العالمية
آخر أجيال العثمانية يشهد سقوط آمال إمبراطورية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
ترك سقوط الإمبراطورية أثرًا في الجيل الأخير الذي عايش هذه الحقبة الاستعمارية وحطم كل الطموحات التي تمت تغذيتها قبل هذا السقوط لإعادة بناء إمبراطورية سرعان ما تلاشت.
إيلاف: اهتم المؤرخ مايكل بروفانس بالتاريخ الحديث لمنطقة الشرق الأوسط الحديث، أي فترة الإمبراطورية العثمانية والفترة الاستعمارية ثم فترة ما بعد الاستعمار، وأصدر في عام 2005 كتابًا مهمًا حمل عنوان "الثورة السورية الكبرى وظهور الفكر القومي العربي".
أما آخر إصداراته فهو "الجيل العثماني الأخير وتشكل الشرق الأوسط الحديث"، ويروي فيه قصة آخر جيل عثماني، ويعني بذلك آخر جيل من العرب الذين تتلمذوا في المدارس والجامعات العثمانية، وتربوا على فكر إمبراطورية ما قبل الحرب العالمية الأولى.
يرى الكاتب أن أفراد هذا الجيل هم الذين نقلوا أفكارًا تربوا عليها في تركيا إلى بلدانهم العربية المختلفة، التي تأسست بعد انتهاء هذه الحرب، ليفنّد بذلك الفكرة السائدة والقائلة إن الوازع الوطني بدأ يظهر في كل بلد من هذه البلدان بشكل منفصل، وكل على حدة، بعد بدء الحقبة الاستعمارية.
سقوط إمبراطورية
لا يروي الكاتب هنا قصة ولادة دول جديدة في منطقة الشرق الأوسط، بل قصة الأثر الذي تركه سقوط الإمبراطورية العثمانية على هذا الجيل الأخير، والكيفية التي تعامل بها مع هذا السقوط خلال حدوثه وخلال الفترة التي أعقبته.
ركز الكاتب على دراسة أفراد هذا الجيل، الذي ضم نخبًا عسكرية ومدنية، ولدت في ثمانينات القرن التاسع عشر وعقده الأخير، وتلقت تعليمها في مدارس تركية بارزة، علمتهم معنى الإنتماء إلى الإمبراطورية، والحفاظ عليها، في زمن ازدهار الحركة الاستعمارية في مناطق مختلفة من العالم.
نقاط مشتركة
تتبع الكاتب سير حياة شخصيات بارزة من هذا الجيل أدت أدوارًا سياسية مهمة في بلدانها العربية في وقت لاحق، لا سيما في فترة ما بين الحربين العالميتين، مع التركيز على الترابط بين هذه الأدوار وعلى النقاط المشتركة التي جمعت بين هذه الشخصيات.
ما أراد شرحه هو أن المؤسسات والأفكار العثمانية وثقافتها السياسية ظلت موجودة في فترة ما بعد الحرب العالمية الأولى، وأن تأثيرها ظل قائمًا في كل بلدان في الشرق الأوسط.
كانت المدارس العثمانية العسكرية والمدنية تجتذب شبابًا عرب كثيرين ينتمون إلى طبقات اجتماعية مختلفة، وقد تركت أثرها الكبير فيهم وفي المسيرة التي اختاروها لاحقًا بعد عودتهم إلى بلدانهم الأصلية.
ويريد الكاتب من خلال دراسته هذه شرح التأثير العثماني على دول الشرق الأوسط، حيث خصص الفصل الأول لمناقشة التعليم والثقافة العسكريين العثمانيين بشكل عام، مع ذكر سير حياة أشخاص مهمين برزوا في تلك الفترة.
أمل ضائع
ويرى أن سقوط الدولة العثمانية هدّ كل الآمال والطموحات التي تمت تغذيتها قبل هذا السقوط لإعادة بناء الإمبراطورية، حيث يبيّن الكاتب أن هذا كان أمل آخر جيل من العثمانيين.
في تلك الأثناء وضعت الدول الكبرى المنتصرة، أي بريطانيا وفرنسا، خططًا لتقسيم الأراضي العثمانية، وهي مسألة أثبتت لاحقًا صعوبة تنفيذها وتعقيدها، لأن هذه الدول بذلت الكثير من الوعود لأطراف فاعلة عديدة في المنطقة، ثم وجدت نفسها في موقف لا يسمح لها بتنفيذها كلها.
مفاوضات
في الفصل الثاني يذكر الكاتب تفاصيل كثيرة عن مفاوضات دارت بين القوى المنتصرة مع القوى الفاعلة داخل الشرق الأوسط إبان فرض الانتداب على الأراضي العثمانية، التي تم تقسيمها إلى عدد من الدول، حيث برز في هذه البلدان أفراد تربوًا على يد العثمانيين، ردوا على هذا الواقع الجديد بتبني أفكار لينين ولغة ولسن بشأن حق تقرير المصير.
ويبيّن الكاتب بدقة كيف اختار البعض لغة المقاومة المسلحة تحت قيادة ضباط تربوا على يد عثمانيين، وشاركوا في الحرب الأولى. كانت ثورة مصطفى كمال أتاتورك، التي منعت تقسيم آسيا الصغرى، قد تحوّلت إلى مصدر إلهام للضباط العرب العثمانيين في منطقة وادي الرافدين وسوريا الكبرى، وتشمل الأخيرة سوريا الحالية ولبنان وإسرائيل وفلسطين والأردن. لكن قوى الانتداب تمكنت من السيطرة على كل هذه الأراضي، عدا تركيا نفسها.
الثورة السورية
في عام 1923 انتهى الصراع في الأناضول، وأعيد التفاوض على اتفاقات ما بعد الحرب الأولى، فتدفقت وفود على أوروبا لطرح مطالبها غير أنها عادت كلها خائبة. وتمكنت فرنسا من فرض سيطرتها على كامل سوريا الكبرى، وهو ما أدى إلى قيام الثورة السورية الكبرى في عام 1925.
يخصص الكاتب جزءًا مهمًا من كتابه لهذه الثورة، مع شرح لتكتيكات المقاومة فيها، والأساليب التي استخدمتها فرنسا في قمعها، والتي أثارت نقاشات واسعة داخل عصبة الأمم.
في عام 1927 فشلت الثورة السورية، ويشير الكاتب هنا إلى أن هذا الفشل هو ما خلق تقاربًا بين آخر جيل عثماني في سوريا والسلطات الاستعمارية، حيث بدأ هؤلاء الأفراد يبحثون عن أماكن ومناصب لأنفسهم ضمن بنية الانتداب، أو تحوّلوا إلى شخصيات مؤثرة داخل أحزاب سياسية وطنية كانت في طور النشوء.
ياسين الهاشمي
ويركز الكاتب بشكل خاص على شخصية ياسين الهاشمي في العراق، الذي شغل منصب رئيس وزراء مرتين، وكان نموذجًا للحركات القومية في سوريا وفلسطين، كما كان يتمتع بشعبية واسعة وبشبكة واسعة من العلاقات، وكانت له مطامح سياسية، جعلت السلطات الاستعمارية تشعر بخطره، لا سيما وأنه كان يؤيد الاستقلال والوحدة العربية.
تجدر الإشارة إلى أن الهاشمي كان أول رئيس وزراء يطاح به بانقلاب عسكري على يد بكر صدقي في أكتوبر من عام 1936. ويرى بروفانس أن مؤامرة بريطانية كانت وراء "أول انقلاب في العالم العربي في العصر الحديث".
وفي ديسمبر 1937 توفي الهاشمي في بيروت، وحظي بتشييع ضخم، حيث سار موكبه في شوارع دمشق، وهو ما يعتبره الكاتب دليلًا واضحًا على رابط قوي بين الماضي العثماني والحاضر الوطني.
مثل الهاشمي ظهرت شخصيات عديدة من جيل بروفانس العثماني الأخير، لكنهم لم يستمروا إلى حين اندلاع الحرب العالمية الثانية، حيث راحوا إما ضحية عمليات اغتيال، أو بسبب التقدم في السن. ويعتبر الكاتب أن سياسات الشرق الأوسط الحديث ظلت عرضة لتدخلات خارجية منذ ذلك اليوم وحتى يومنا هذا.
أعدت "إيلاف" هذا التقرير نقلًا عن "إيستوري. إي سي. يوكي". الأصل على الرابط
http://www.history.ac.uk/reviews/review/2231