متحدثًا عن أبرز معالمها
المؤرخ التونسي محمد ناصر صدّيقي: تستور درس في العيش المشترك
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
إيلاف من تونس: لكل مدينة حكاياها ترسمها الذاكرة ويدونها التاريخ ناقلا لنا تفاصيل الزمان وجغرافية المكان وبصمة السكان الذين تأثروا وأثروا في المكان. واول حكاية تسافر بنا إلى مدينة تستور التونسية، لينساب عطرها متنقلاً بنا بين أزمنة وأحداث متنوعة، حاملاً معه موروثاً ثقافياً وذاكرة جماعية وعيشاً مشتركاً تميزت به المدينة.
تستور مدينة من مدن ولاية باجة، تقع في ربوع الشمال الغربي لتونس، وتعرف بأنها أعرق البلدات الأندلسية في بلدان المغرب العربي، حيث أسسها الأندلسيون على أنقاض مدينة رومانية في حوض مجردة، وأثثوها بتاريخهم ومعمارهم وزخارفهم؛ تاريخ نتناول تفاصيله في لقاء مع المؤرخ التونسي محمد ناصر صدّيقي.
أصل التسمية
في فاتحة الحديث مع صدّيقي، توقفنا عند أصل تسمية تستور وكيفية نشأتها. وفي هذا الصدد يقول إنَّ "تستور مدينة قامت على أنقاض مدينة رومانية في حوض مجردة، أسسها الأندلسيون الذين وفدوا على البلاد التونسية كلاجئين مكرهين على مغادرة الأندلس في الهجرة الثالثة سنة 1609 أي في عهد يوسف داي". وهو يضيف أن الرواية الشفوية تقول إنه كانت هناك مدينة اسمها خروفا تبعد عن تستور 12 كلم، ولأن سلطة الدايات المراديين كانت قاسية، وكانوا يجبون الكثير من الضرائب ويفرضون الكثير من الاتوات، قام الأهالي باقتلاع كل مغروساتهم وأسسوا مدينة أخرى أطلقوا عليها اسم تستور.
مدينة تستور بحسب أصل التسمية جمعت بين ما هو من أصول اسبانية وأصول أمازيغية بربرية. وهي تازا بالأمازيغية وتعني القلعة، وتعني كذلك حسب المراجع الأسبانية أن الاسم وافد من الاندلس ويعود لقرى تستور tastor حسب دراكوز.
يقول صدّيقي: "عندما نتكلم على نقل التسميات، نلاحظ أن العرب عندما استقروا في الأندلس نقلوا أسماء مدن بلاد الشام إلى أسبانيا الاسلامية. نفس الشيء تكرر عند تهجير بقايا الاندلسيين خارج الاندلس، بعد حركة الاسترداد الاسبانية والبرتغالية. القسم الذي لم يخضع إلى عملية التنصير فضل المغادرة، ومن فضل المغادرة أغلبيتهم من الفلاحين والحرفيين، وقسم منهم اعتنق المسيحية، ومن قسم تتوافر له امكانيات مادية هاجر إلى مدن الشرق وهنا نقلوا معهم تسمياتهم الاسبانية".
يضيف: "عندما نعود إلى أصل التسمية، نعطيها بعداً أمازيغياً أو مرجعية أمازيغية تعني تازا، وهي كلمة موجودة أيضاً في المغرب، وكلمة تازا تعني برجاً، وجمع برج أبراج، وهي عادة تحمل أجراساً وموجودة في الكنائس المسيحية". ويمضي متابعاً: "هنا التسمية تازا بما تعنيه كلمة برج في حد ذاتها انعكاس للخلطة أو المزيج السكاني والمذهبي والعرقي الديني الذي عرفته منطقة تستور آنذاك: فيوجد فيها مسلمي الأندلس كما يوجد فيها مسيحيي ويهود الاندلس والسكان الاصليين لمنطقة وادي مجردة أو المجال القريب من باجة".
ويقول صدّيقي: "كما تعني تسمية تستور حسب خميناس 1724 الرخصة او الاجازة او السماح، وهذه التركيبة من التسميات تجعل من مدينة تستور تحمل الرخصة أو السماح أو العيش المشترك، وهي قراءتي الخاصة لهذه الخلطة السكانية، إضافة إلى أن موقع تستور كمرتفع والجامع الكبير الذي يميزها تجعل من مدينة تستور القلعة المتسامحة المميزة في هذه البقعة من البلاد التونسية آنذاك".
الفتنة الباشية
بالرغم من هذا العيش المشترك الذي ميزّ تستور، الا انها شهدت في فترة الفتنة الباشية خاصة مع توافد سكان آخرين بثوا نوعاً من العنصرية، حيث يعرفها صدّيقي "بأنها أهم فترة من المشاكل التي توافدت على تستور هي الفتنة الباشية بين علي باشا وأبناء عمه حسين بن علي وقد وفد في هذه الفترة مجموعة سكانية من قسم الوسلاتية وقسم الهمامة والتي مثلت نشازا سكانيا اضافيا ولدت نوعا من الرفض إلى الاخر".
وكما يشير صدّيقي، فرغم انهم وافدين ومن اصول اندلسية الا انهم كانوا يعتبرون انفسهم ذا تركيبة مختلفة عن الاخرين من اسلام اوروبي وأكثر قبولاً حضارياً وصناعات متطورة. عندما يأتيك انسان لاجئ او وافد ومعه كمّ مهم من الثقافات والحرف والخبرات الفلاحية، تشعر انهم محظوظين مقارنة بسكان البلاد الاصليين، من ناحية ثانية الذين قدموا إلى تستور قدموا اليها في فترة الحروب بسبب هذه الفتنة، وفي الحروب تتولد أسئلة معينة، منها "كيف يتكيف الانسان مع هذه الصعوبة"، و"كيف نتواصل بشكل عادي ودون تعقيدات"، و"كيف نعيش في هذه الفترة مع الحرب وثقافتها الغذائية".
يعود بنا صدّيقي إلى قصة فيها لمسة هزل وجد حسب تعبيره، حيث يروي قائلاً: "هي قصة يتناقلها السكان الحاليين لتستور. في الفترة الباشية، كان الفلاح يرسل إنتاجه إلى التاجر محملاً على الحمار يسير بمفرده، وفي العادة كان الحمار يوصل الخضار ويأتي بالمال إلى صاحبه، لكن ومع وفود سكان غرباء، لم يعد المال يصل إلى الفلاح". بالتالي، هذه الوضعيات الخاصة بتستور وتكيفها مع هذه الفتنة اصبح الاهالي اكثر عزلة رغم انهم امنوا بالعيش المشترك من خلال بناء الجامع الكبير رغم اختلاف الديانات.
رغم الفتنة الباشية التي مرت بتستور وما خلفته من عزلة الاهالي فان بصمة الاسبان في المدينة كان لها صدى عبر الازمنة والعصور من خلال الجامع الكبير والساعة والنجمة السداسية والزخارف والمالو والزوايا الدينية.
الجامع الكبير
بحسب المؤرخ صديقي، تم الشروع في بناء الجامع الكبير بتستور سنة 1630 على يد محمد تورينو، وتوجد بالجامع مزولة صنعها احمد الحرار 1760 كما توجد اروقة متاثرة بجامع ابن طورون بالقاهرة.. وتقريبا حوالي قرن وثلاث سنوات اضيفت للجامع الميضة كما وضعت اليه الانارة والتيجان القديمة والاعمدة ولقد تمّ جلبها من مواقع لاثار رومانية.
يضيف صدّيقي كما توجد ساعة ميكانيكيّة في أعلى الصومعة اكانت قديما تعدّل عن طريق ساعة شمسية موجودة في صحن الجامع، ويقترب مظهر الصومعة من أبراج الأجراس الأراغونية الموجودة في جنوب إسبانيا. هذه السّاعة طريفة وعجيبة، إذ أنّها كانت معطّلة وفي غيوية منذ 3 قرون، وهي أوّل ساعة ميكانيكيّة معلّقة أعلى مئذنة في العام الإسلامي، ثبّتها الأندلسيّون المؤسسّون للمدينة وجعلوا ميناها من الحجر الرّخامي وثبّتوا فيه أرقاما خزفيّة تتّجه من اليمين إلى اليسار ونحو المحورو لهذا فعقاربها تدور على خلاف ما عهدناه وتعودّنا عليه في زمننا اليوم، وبهذا فقد حيّرت هذه الساعة الأندلسيّة للجامع الكبير بتستور الكثير، لماذا عقاربها تعمل بالعكس؟ وبقي هذا السؤال متداولا إلى حد يومنا هذا.
ما يلفت انتباه المؤرخ في الجامع الكبير لتستور حسب رأيه تلك الزخارف من تاثيرات الفن الارابوني والطليطلي وهذه التاثيرات تحاكي فترة الاسلام الاندلسي المنفتح على كل الثقافات، كما تحاكي عصر النهضة الذي عرفته ايطاليا وعديد المدن المدن الاوروبية لنجد في زخرفته تاثر بالاديرة المسيحية ايضا وهذا نجده أيضاً في الجامع الاموي او في المزارات شمال العراق..
النجمة السداسية
يؤكد ناصر صدّيقي: "عادة ما يقال ان المسلمين نجمتهم خماسية واليهود نجمتهم سداسية وهذه الرموز لا علاقة لها بالمقدس الديني لكلا الديانتين".
يوضح صديقي أنه في الانتربولوجيا هناك رموز مرتبطة بثقافة الشعوب، فالنجمة السداسية هي أقرب إلى النجمة الثمانية الموجودة في كنعان بالأردن، وبعودتنا إلى الشعوب التي عبدت الكواكب تواجدت في معابدها النجوم والأقمار والهلال، وهي رموز تعود إلى ثقافات الشعوب ولا علاقة لها بأهل الكتاب أي اليهود والمسيحيين والمسلمين.
فالنجمة الموجودة بجامع تستور هي رمز لثقافة الشعوب وهي من علامات الزينة والزخارف ولا علاقة لها بالدين وإن كان قد قام بها تاجر يهودي.
المالوف الاندلسي
اشتهرت تستور التونسية بموسيقى المالوف وهي في ارتباط مباشر حسب مؤرخنا بما حدث في قرطبة بين ولاّدة وابن زيدون تلك الاشعار وتلك المجالس العظيمة جدا والصالونات الادبية والمالوف والاغاني الماخذوة من الشعر العربي القديم والتغني بالاندلس كلها سجلها التاريخ حتى اصبحت متناقلة إلى الان بيننا ولعل من اشهر هذا المقطع للسان الدين بن الخطيب:
جادك الغيث إذا الغيث همى يا زمان الوصل بالأندلس
فالكل تغنى بعالم الأندلس الساحر، وبالنسبة إلى المالوف الذي نقله الاندلسيون إلى تستور فهو طربي متمحور حول الذكر الديني في المناسبات الدينية. فالاحتفالات عبارة عن كورال للغناء الجماعي الشبيهة بالكنائس في اسبانيا أيضاً، وهنا نعود إلى التاكيد على الخلطة الثقافية التي تواجدت بتستور انذاك والتي تمحورت حول العيش المشترك.
في تستور تكثر الزوايا الدينية، فالتصوف الاندلسي هو تصوف عليم جمع بين المرجعية المالكية فيما هو فقهي وعقيدة الاشعري وطريقة الجنيدي السالم. وهنا اتذكر ابيات لابن العربي التي امنت بالمحبة والتعايش المشترك في قوله: "أدين بدين الحب أنى توجهت ركائبه فالحب ديني وايماني".
من هذه المدرسة نشأ التصوف والزوايا بتستور كزاوية العيساوية والقادرية وابراهيم الرعّاش وللّة زهرة بنت العريان.