ثقافات

قصة قصيرة

تفقُّد

من أعمال فاسيلي كاندينسكي
قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

- تفقّد جسدك بالكامل!

هذا ما أوصاه أحمد حين اندلعت الاشتباكات على بغتةٍ أثناء مرور الصديقين بالمكان وفرارهما مذعوريْن على وقع أزيز الرصاص.

- قد تصاب دون أن تشعر. رصاصة الـ"أم سكستين" لا تنفجر إن اخترقت الجسد، ومن دون أن تدري، ستغطّ فجأةً في الظلام الأبدي.

راح يتحسّس بكفّي يديه كامل جسده فوق الثياب، وكأنَّه يكتشف بدنه للمرة الأولى، أو كأنَّه يجري تفتيشاً دقيقاً لنفسه بحثاً عن فجوةٍ لم تحدث ألماً حتى اللحظة.

المرّة الثانية التي فعل بها ذات الفعلة كانت حين أمطرت الدورية البحرية قارب اللجوء. كان متيقناً من إصابته هذه المرة، وخاصةً حين رأى أحمد مضرجاً بدمائه بزاوية القارب والرصاصات تنهال من كل حدبٍ وصوب محدثةً نوافير صغيرة في بدن الماء. ظلّ يفتّش عن مكمن الإصابة منتظراً سائلاً أحمر حاراً كي يدفئ يديه الباردتيْن دون جدوى. لم يتوقّف عن حفلة التفتيش تلك إلا حين ألقى بجسمه المنهك على رمال شاطئ الوصول.

المرة الثالثة كانت في البار. هناك في المدينة الأوروبية التي لجأ إليها بارٌ صغير يأوي نزواته الليلية. تحيط به فتاتان شقراوتان كان قد دعاهما لمشاركة الشراب على وقع الموسيقى الهادئة التي أحالت الجوّ إلى ما يشبه أمسيات ألف ليلة وليلة.

ليلٌ وموسيقى وحسناوات وخمرٌ يخطف الدماغ من دنيا لأخرى. أخذ فجأةً يتلمّس بدنه بالكامل بكلتا يديه كما أوصاه أحمد. ابتسمت إحدى الفتاتيْن لمآثر كرمه ظناً منها أنّه ينقّب عن محفظته لدفع الحساب، بينما كان في الحقيقة يتأكّد أنه لم يُصَب ولم يمُت ولم يعرج إلى الجنة بصحبة هاتيْن الحوريتيْن.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف