يرى أنَّنا أصبحنا مجرد منتجات للواقع الافتراضي
المصور الأميركي روجر بالين: النوع البشري مُدمَّر!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
إيلاف من فيينا: اشتهر روجر بالين بصوره التي تسلط الضوء على حياة البيض المهملين في جنوب إفريقيا. واليوم، يقدم في أعماله الجوانب العميقة من اللاوعي البشري، مؤكداً أن حتى شرب القهوة يمكن أن يكون عملاً سياسياً.
يجلس روجر بالين وحيداً على طاولة خشبية ضخمة، يتناول وعاءً من سلطة الفواكه المشتراة من السوبر ماركت، في استراحة قصيرة. رسم أمام الجمهور جدارية باستخدام الفحم في معرض "ليكا" في فيينا، حيث جسد صورة جرذ على حائط فارغ. بجانبه على الطاولة، وُضع قناع الجرذ المشوّه ذو الابتسامة الغريبة، وهو قناع يرتديه بالين أمام الكاميرا ليصبح جزءاً من شخصية "روجر الجرذ"، وهو جرذ مخيف بجسد إنسان. تظهر الصور بالأبيض والأسود على الجدران المشاهد التي يجسدها الجرذ، مثل جلوسه على بيانو قديم وهو يضغط بأصابعه على أصابع أميرة محصورة بين قدمه والمفاتيح، أو يمسك بنمر محنط كأنه كلب مربوط بحبل يشبه مشنقة، أو يقطع رأس دمية عرض بلاستيكية بابتسامة ساخرة.
"الجرذ هو بطريقة ما الجانب الآخر للبشرية"، يشرح بالين أثناء احتسائه قهوة الكابتشينو. "إنه يمثل 'الهو' البشري &- الغرائز البدائية التي تدفعنا للتصرف وفقاً لدوافعنا الفطرية بدلاً من كبحها".
هل أظهرهم كضحايا؟
عرض سلسلة "روجر الجرذ" في فيينا، مهد التحليل النفسي لفرويد، يبدو ذا دلالة خاصة بالنسبة إلى روجر بالين.
ولد المصور في نيويورك عام 1950 ودرس علم النفس قبل أن يتخذ طريقاً مختلفاً. خلال السبعينيات، سافر بالين من إسطنبول إلى غينيا الجديدة ومن القاهرة إلى جنوب إفريقيا، حيث استقر بعد حصوله على درجة الدكتوراه في الجيولوجيا وعمل في قطاع التعدين. في أوقات فراغه، كان يصور القرى الفقيرة وسكانها المهمشين.
حقق كتاب الصور Dorps الذي أصدره عام 1986 شهرة له في عالم التصوير، بينما جلب مشروعه Platteland عام 1994 شهرة عالمية. وصفت الكاتبة الشهيرة سوزان سونتاج الصور المثيرة للجدل، التي وثقت حياة سكان قرى بيض متدهورة ومهمّشين، بأنها "أقوى سلسلة من الصور الشخصية التي شاهدتها منذ سنوات". تضمنت الصور أيقونات مثل التوأم "دريزي وسيزي"، أو السجان "الرقيب دي بروين"، الذين أصبحوا جزءاً من التراث الحديث للتصوير الفوتوغرافي.
روجر بالين في معرض "ليكا" في فيينا: "الفنان لا يجد الكثير من الخير في الحاضر"
بالين طور خلال عقود من العمل أسلوباً بصرياً فريداً ومميزاً أطلق عليه "الأسلوب الباليني"، حيث استغرق منه الأمر 45 عاماً ليصل إلى أسلوبه الخاص الذي يختلف عن غيره. التصوير الفوتوغرافي كان جزءاً من نشأته، حيث عملت والدته في وكالة "ماجنام" وأسست معرضاً في نيويورك لعرض هذا الفن الذي كان مهملاً لفترة طويلة.
"كيف تغيرت الأجيال؟" يقول بالين: "لقد أصبحنا مجرد منتجات للواقع الافتراضي".
"يجب أن أنتحر!"
بالنسبة إلى بالين، الحاضر مليء بالإحباط. "الفن؟ عمل معقد. الإنسان؟ كائن مدمَّر. والسياسة؟ لا أحبّها". عندما سُئل إن كان من الممكن أن يكون غير سياسي في وقتنا هذا، رد: "أنا سياسي الآن، فقط بمجرد شربي للقهوة. فهذه القهوة تأتي من مزارع في كولومبيا، حيث أُزيلت غابات مطيرة لزراعتها. أنا أتنفس، إذاً أنا أُنتج ثاني أكسيد الكربون. ربما يجب أن أنتحر، لأنني أساهم في الاحتباس الحراري". لكنه يضيف أن تغير المناخ ليس القضية الأهم في نظره: "اذهبوا إلى الأماكن التي أعيش فيها، حيث يعاني الناس الجوع ومشكلات السكن. كيف يمكنهم التفكير في تغير المناخ؟".
من البشر إلى الجحيم
منذ أوائل القرن الحادي والعشرين، توقف بالين عن تصوير الناس في جنوب إفريقيا. أصبحت صوره أكثر رمزية وتجريدية، لكنها لا تزال تثير الجدل. يستغرق وقتاً طويلاً في تصميم المشاهد باستخدام الديكورات والرسومات بالفحم. "ما يهمني هو أن تبقى الصور في لاوعي الناس".
المشاركة في بينالي 2022، تناول بالين موضوعات تتعلق بالأشباح وأصوات من العالم الآخر، موضحاً: "عندما تتقدم في العمر، تبدأ في التفكير بهذه الأمور. "في كتابه القادم، سيستكشف "الجحيم" كما صوره دانتي.
عندما سُئل عن تركيزه على تصوير الجرذان والأشباح بدلاً من البشر، أجاب: "حدث ذلك خطوة بخطوة، من خلال الكثير من العمل على مدى سنوات. مشيراً إلى أنَّ العمل الجاد هو المفتاح، بقوله "يمكنك زيارة جميع المتاحف الجميلة في هذه المدينة، ولكنك لن تصل إلى أي شيء ما لم تقم بالعمل بنفسك".