أفراح وأعياد ميلاد صاخبة في مصر بين غرباء بهدف الإدخار
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
القاهرة: تتمايل راقصات على إيقاع موسيقى مصرية شعبية صاخبة على مسرع خشبي في الهواء الطلق، فيما يعلن حسن العجمي عبر مكبر الصوت أن أحد المدعوين دفع خمسة آلاف جنيه كهدية في حفل عيد ميلاد طفلة صغيرة.
لا يعرف مقدم الهدية حتمًا صاحبة العيد أو اهلها، لكنه يدفع اليوم ما سيحصده غدا في مناسبة اجتماعية خاصة به. لا يتخلى العجمي عن الميكروفون. هو الوسيط الذي يجمع اشخاصًا لا يعرفون بعضهم البعض يدفعون مبالغ مالية او "النقوط" في أفراح أو حفلات أعياد ميلاد صاخبة يشاركون بها.
يوضح العجمي "كل مشارك يدفع مبلغًا معينًا في أكثر من حفل حتى يأتي دوره ويقيم حفله فيجمع كل ما دفع مرة واحدة. هكذا تدور الجمعية". وباتت أفراح الجمعيات أمرا شائعا في مصر بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية في البلاد.
ينشغل مساعدو العجمي بعد النقود وكتابة أسماء دافعيها عليها ثم التدوين في كراسة صفراء صغيرة. يقول العجمي "نحن نحدد مواعيد أفراح للناس. لكل واحد موعد. عيد ميلاد او عرس او حفل اسبوع طفل، ويأتي الناس للتنقيط"، فيسترد دفعة واحدة ما سبق ان سدده على دفعات.
يدير العجمي 70 جمعية في القاهرة وثلاث محافظات في دلتا النيل. وتراوح المبالغ التي يدفعها المشاركون غالبا بين 250 جنيها (قرابة 12,5 دولارا) و2500 جنيه (قرابة 125 دولارا).
في بلدة أبو الغيط الصغيرة في محافظة القليوبية (قرابة 35 كيلومترا شمال القاهرة)، تستقدم الطفلة التي تحتفل بعيد ميلادها الى المسرح والدها وغيره من المدعوين لاطفاء شموع كعكة عيد ميلادها، في خطوة لم تكترث بها الغالبية العظمى من الحضور.
يتواجد في العيد مئات المدعوين الذين يرتدي معظمهم الجلابيب الشعبية. ويقام العيد في خيمة كبيرة وسط حقل زراعي، مضاءة بمئات المصابيح، بينما امتدت فوق الرؤوس سحابة بيضاء كبيرة ناتجة عن دخان السجائر والنرجيلة.
بعد منتصف الليل، كانت الموسيقى الصاخبة لا تزال تصدح في المكان الريفي الذي استلزم الوصول اليه عبور أزقة وشوارع ضيقة غير ممهدة تنتشر فيها منازل صغيرة من طابقين أو ثلاثة على الاكثر.
تمويل شعبي تضامني
تنتشر في مصر جمعيات بين أشخاص يعرفون بعضهم يدفع كل منهم مبلغا محددا شهريا ويحصل على هذه المبالغ شخص واحد منهم كل شهر، وهو شكل من اشكال التضامن الاجتماعي المعروف والمنتشر في مصر منذ عقود.
غالبا ما يكون الهدف من الجمعية مساعدة الشخص الذي سيحصل على المال على الوفاء بالتزام هام او تمويل حاجة ملحّة. إلا أن "جمعيات الأفراح" مختلفة، اذ يشارك فيها أشخاص كثر لا يعرفون بعضهم، والحفلات هي العنصر الرئيس الذي يجمعهم.
تحيي الحفلات فرق موسيقية وراقصات ومطربون شعبيون لجذب أكبر عدد ممكن من المشاركين، وهي مرهونة بادارة شخص مثل العجمي يسجل بدقة كم يدفع كل شخص بالضبط وبالتالي يوجه زبائنه لحفلات مناسبة لما يدفعونه. ويصف المحلل الاقتصادي وائل جمال هذه الجمعيات بانها احدى "آليات التمويل الشعبي التضامني". وهي تقوم في الواقع مقام المصارف في هذه الاوساط الشعبية.
يقول لوكالة فرانس برس "في كل الدول عندما لا تكون هناك ثقة في نظام المصارف او بسبب ارتفاع كلفة الاقتراض، يلجأ الناس الى وسائل تضامنية لمساعدة بعضهم البعض على العيش". وقد يكلف الحفل الواحد خمسين ألف جنيه (قرابة 2500 دولار)، لكن صاحب الحفل قد يجني أموالا تصل أحيانا إلى 200 ألف جنيه (10 آلاف دولار)، بحسب حسن العجمي الذي شدد على أن "كل شخص يجمع في حدود ما سبق دفعه".
يشارك الجزار الثلاثيني مجدي رجب في حفل عيد الميلاد، رغم انه لا يعرف الطفلة او أيًا من افراد اسرتها. ويقول "جئت لادفع النقوط. سأظل أدفع لمدة سنة حتى أقيم حفلي وأحصل فلوسي".
يضيف رجب الذي يستعد لاقامة حفل زفاف قريب له في الصيف المقبل أنه سيستثمر أمواله المحصلة في "شراء عربة نقل سوزوكي او إقامة أي مشروع لتحسين الدخل. موضوع الجمعية يساعد كثيرًا في هذه الظروف الصعبة".
الفرحة فرحتان
ودفعت الازمة الاقتصادية الناجمة من اضطرابات سياسية وأمنية تشهدها البلاد منذ الاطاحة بالرئيس السابق حسني مبارك في 2011، المصريين للبحث عن بدائل لتوفير أي دخل إضافي.
في مدينة شما في محافظة المنوفية (حوالى 70 كلم شمال القاهرة) في دلتا النيل، حيث انتشرت ظاهرة أفراح الجمعيات أخيرا، أقام التاجر وليد أبو سارة حفل زفاف أخيه ليتمكن من جمع أموال دفعها لشهور طويلة فائتة.
على المسرح الخشبي، كان العريس وعروسه يتلقون التهاني من بعض المدعوين، بينما معظم الحاضرين الذين جلسوا أرضا حول طاولات مذهبة يتناولون الشاي المقدم في أباريق زرقاء والقهوة وبعض المحمصات كالفول السوداني. كذلك تقدم زجاجات البيرة المحلية التي لا يتوقف الطلب عليها دقيقة واحدة.
قبل الحفل، قال أبو سارة بينما كان يشرف بنفسه على إعداد خيمة الحفل "اليوم الفرحة فرحتان. فرح جمعي للفلوس وفرح شقيقي".
وتابع "هي فرصة جيدة لنساعد بعضنا في الظروف الصعبة التي نمر بها".
وبسبب كثافة الطلب على هذه الحفلات، لم يجد السائق هيثم فواز (27 عاما) موعدا سوى في سبتمبر المقبل لعقد حفل زفاف ابن شقيقته. يقول فواز المتحدر من هذه المدينة والذي جاء مع ابني شقيقته للاتفاق على حفله، "الادخار في الجمعيات اسرع وافضل من المصارف".