عالم الأدب

عسكرة الشعر: تحولات شاعر إسرائيلي

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

رحلة مع قصيدة الشاعر الإسرائيلي إيلان شاينفلد

سمير حاج من الجليل: من منطلق رفض مصطلحات عافها النقد مثل ما يسمى"أدب الحرب" أو "أدب السلم" وغيرها من الشعارات، يبقى الشعر يختزل الحياة بشموليته الإنسانية التى تأبى التشظي والتجزيئية، لأنه يحكي الوجع والهم والفرح في كل مكان وزمان. ومن هنا تبلور فكر" خلود الشعر". لا أظن أن ديوان الشعر العالمي حوى قصيدة إيلان شاينفلدهذا "الكنز اللغوي" من قاموس الخراب والعنف والتحريض.إن قراءة سريعة لقصيدة الشاعر إيلان شاينفلد، تطرح سؤالين: هل أصبح الشعر قاعدة حربية تقصف كلماته النارية الآخر، وتستبيح جعله ركاما وحطاما بعيدا عن كل وازع أخلاقي؟ وكيف يجرؤ شاعر ورجل أكاديمي، على الجهر بمثل هذه المفردات الداعية ألى إبادة شعب، شمالا وجنوبا، وتحويل لبنان، مدنا وعاصمة، خرابا وحطاما؟ وكيف يمكن الربط بين ثنائية التحريض على الإبادة، التي تنضح من القصيدة،، والتصريحات الصحفية الهادلة بالسلم والحس الإنساني؟ وفق نظرية الناقد رولان بارت يجب معالجة النص بعيدا عن المؤلف، فالمؤلف كتب النص ورحل، أي لم يعد مالكه. وللأيضاح نورد ترجمة حرفية لثلاثة مقاطع من القصيدة المكونة من ستة مقاطع، والتي جاءت تحت عنوان "عافاكم الله ". (أو "كونوا أقوياء"):

" عافاكم الله أبناءنا، يا من تهبون لنا حياتنا حيث ما أنتم
في الطائرات، بطاريات الأطلاق، مواقع القيادة، نقاط المراقبة، نيرانكم
ملتهبة في شوارع غزة، ومدن لبنان، في القطاع وبيروت، حتى خرابها
لا تيأسوا ولا تخافوا، أستمروا في القصف
لا مكان بينكم للجبان، ولا للرافض، ولا لمن يشعر بالذنب
عافاكم الله أبناءنا، يا من تهبون لنا حياتنا حيث ما أنتم "

أذا لم تكن القمة، فخربوا القاعدة، جهدكم، أخوتي، كبير وليس عبثا
أزحفوا الى لبنان وغزة، وأفسدوا أرضهما، خربوهما ليصبحا بلا أهل
أجعلوهما صحراء قاحلة، أكوام ركام، سهلا غير مثمر، بلا أهل
لأننا تقنا للسلام ورغبنا به، خربنا بيوتنا في السابق، فاعتبرها بلا أهمية
هؤلاء القتلة، الملتحون، عاصبو جبينهم جهاد، يهتفون "مذبحة الآن"
ليس لديهم محبة ولا سلام، ليس لهم أله ولا أب
أذا لم تكن القمة، فخربوا القاعدة، جهدكم، أخوتي، كبير وليس عبثا

من يسخر من يوم التضحية، يسخروا منه، نجوا شعبكم، فجروا القنابل
وأمطروا القرى والمدن والبيوت حتى تتهاوى
أقتلوهم، اسفكوا دماءهم، أرعبوهم، لئلا يحاولوا
هدمنا، وحتى نسمع الجبال المتفجرة المداسة
بنعالكم، نسمع أصوات التوسل، حين تغطيهم قبورهم
من يسخر من يوم التضحية، يسخروا منه " *

القصيدة ملآى بحث الجنود واستنهاضهم على الهدم والخراب، ففي المقطع الثاني أعلاه تتكرر مرادفة "خربوا" الأمرية 4 مرات، والماضية" خربنا" مرة واحدة. والخراب الذي يأمر به ويريده الشاعر لبيروت وغزة، هو خراب تام وبكلماته "حتى تصبحا بلا اهل".
"أزحفوا الى لبنان وغزة، وأفسدوا أرضهما، خربوهما لتصبحا بلا أهل"

إن مرادف "خراب المدن" من غير ساكن مستقى من التوراة، سفر أرميا (7/15)، حيث ورد فيه:
"ومهلك الأمم زحف وخرج من مكانه
ليجعل أرضك دمارا
فتخرب مدنك وتبقى من غير ساكن".

كما ورد بكثرة في سفر حزقيال (8/15- 9/11). وقد عمد الشاعر في كل بيت على تكرار اللازمة، تأكيدا للمعنى. كما يصبغ الشاعر الحرب بالقداسة، أذ يرى فيها واجبا مقدسا. وأسلوب الشاعر خطابي، فالقصيدة ملأى بأفعال الأمر، كما أن جرسها قوي. أثارت هذه القصيدة ردود فعل عاصفة، واستياء لدى بعض المثقفين الإسرائيليين، خاصة خبراء القانون. فقد قام لفيف من محامين، كانوا قد حازوا سويا مع الشاعر، على جائزة "عزيز جمهور"من قبل جمهور المثليين والسحاقيات للعام 2005 بتوجيه رسالة الى إيلان شاينفلد، جاء فيها ": "كخبراء قانون نكافح من أجل الحفاظ على الطابع الديمقراطي لدولة إسرائيل، ومن أجل حقوق الأنسان.. نشعر بالخزي والعار تجاه أنسان حاز من قبلنا على لقب "عزيز جمهور" و"بطل ثقافة"، أصدر كومة عنصرية وقاسية، تشمل أسطرا مرعبة مكانها في شعر الحرب عند أسوأ الشعوب.... التجربة التاريخية تشهد، بأن إنسانية الأمم والأفراد تمتحن في أوقات الحرب" (هآرتس 06/8/7).

وقد رد شانفيلد على هذه الرسالة: "في حرب لبنان كتبت قصائد كثيرة ضد الحرب، وأيضا في زمن الأنتفاضتين. أذا كان من يشاركونني الرأي يؤمنون حقا أن من كان معروفا طوال حياته بمواقفه الأنسانية ينقلب في ليلة واحدة لمؤيد التطهير العرقي، هذا يعني أن عمى البصيرة ليس من نصيب جانب واحد في الخارطة السياسية". (هآرتس 06/8/7).
ويقول شاينفيلد أنه وجد صعوبة في كتابة القصيدة "لأنه دائما كان يساريا"، كما أن " كتابة قصيدة تدعم الحرب وتدعو الى دخول أراضي دولة أخرى ذات سيادة وتخريبها، ليس سهلا علي، بل هو أمر غير محتمل". (يديعوت أحرونوت 06/7/30). وحول موضوع خراب المدن وقتل أهلها يقول شاينفلد:" القصد من هذه الأبيات ألا نخرب المدن كليا، كل لبيب يقرأ القصيدة يميز بين مواطنين ومقاتلين. أتمنى لزملائي، في مواقف خطرة، مواقف تغيير وجهة نظر وعودة الوعي، أن يحظوا بالثقة والشفقة، التي لم أحظ بها منهم ". ( هآرتس 06 /8 /7 ).

إن كل انزياح عن نص القصيدة، من إضافات صحفية وغيرها، لا يخفف من حدة المعاني التي ينضح بها النص. ألم يقل رولان بارت أن المؤلف ترك النص ورحل.

* جميع المقاطع المقتبسة من قصيدة الشاعر هي من ترجمة كاتب المقال

اقرأ أيضا:

كتاب إسرائيليون يتحدثون لإيلاف عن الحرب

رؤوبين سنير: أنطولوجيا الشعر الإسرائيلي المعاصر

رأيان إسرائيليان في الحرب بين إسرائيل وحزب الله

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف