عالم الأدب

أيمكن أن تكون ناشرا وكاتبا في آن؟!

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

إعداد وترجمة عبد الله كرمون: في الصفحة الأولى من لوفيغارو ليتيرير لهذا الأسبوع تطالعنا صورة هائلة لرجال يقفون خلف رفوف من الكتب، كل والوضعية التي تفتقت قريحته عن اتخاذها كي يبدو في الصورة مأخوذا جدا بهوس الفكر، لتكاد تتوارى قاماتهم خلفها. يعترضنا سؤال أسود مضخم قبل أن نتمكن من التعرف على أولئك الرجال، إذ يزرع في صلب ما قد يتبادر إلى ذهننا من معرفة أن فلان كاتب وأن الآخر ناشر لدى هذه الدار أو لدى تلك إذ يقول: هل هؤلاء كتاب أم ناشرون؟والمقصود همميشال برودو، شارل فيكا، دانيال أغون، دونيس تيليناك، جان مارك روبير وكريستوف باتاي.
الوضعية الكلاسيكية لصورة كاتب تختلف تماما عن هذه الصورة، التي لن استرسل في تفحصها وإن أحسست بجنون جامح يدفعني إلى ذلك، لربما لأن هؤلاء لا ينتمون إلى الصيغة القديمة في تحديد "كاتب". لأن الصور التي تؤخذ لكتاب كبار أو فقط لكتاب يستحقون هذا اللقب تكون الكتب غالبا خلف رأس الكاتب، مرصوفة، ويحدث لكَم محب استطلاع أن يتمكن من التعرف منها على كتاب أو كاتب أو عنوان، وكأن في ذلك إيحاء ما إلى كونها كتب قد قرئت وصح بذلك أن يكون الكاتب قد خبرها، واتصلت بذهنه مثلما يكون أفضل تمثل غذائي. هؤلاء، وليس ذلك عبثا، تقف الكتب أمامهم وتغطيهم، لأنهم يعرضونها قبل كل شيء. لذلك فالسؤال الثاني ينبع من القول، جوابا على السؤال الأول، بأن الرجال الذين نرى كتاب وناشرون في الآن نفسه. إذن هل يمكن أن يكون الرجل كاتبا وناشرا في نفس الآن؟
مادام الدخول الثقافي قد راكم الكثير من الكتب هذا العام، أكثر من سبعمائة كتاب، بين رواية وقصة وحكي وغيرها، بين روايات أولى لكثير من الكتاب الشبان، منهم عدد من المغاربيين (عدد منهم نشر لدى عاليمار) وبين أعمال يعاد نشرها وأخرى تصدر في سلسلة الجيب وغير ذلك. فإن هذا الموسم قد عرف خلاف المواسم الماضية نشر كثير من الناشرين لأعمال روائية وتحديدا كموعد مع الدخول الثقافي واستعدادا لترشيح محتمل للجوائز التي يقترب توقيتها السنوي.
لا أبالغ إن فلت بأن أغلب هذه الكتب لا تحمل ميزة خاصة تفرق بينها وبين الكثير من الأوراق المحبرة والتي تكسد بعد حين من ظهورها. لذلك رأيت أن أترجم الجزء الذي أعده محمد عيساوي من ملف الفيغارو حول مسألة المواءمة بين عمل الناشر وعمل الكاتب وأحيانا كثيرة لدى نفس الدار. الجزء الذي يحتوي، ضمن كل مواده، على حوارين أولهما مع الكاتب والناشر صاحب فايار كلود ديرون والثاني مع كريسطوف باطاي الكاتب والناشر لدى غراسيي (تلي فيما بعد ترجمتهما)

الملف

هناك من يرى بأن ثمة حالة شيزوفرينية في أن نكتب ونعمل في مجال النشر، وهناك من يرى عكس ذلك تماما، أي أن أحد الأمرين يكمل الآخر.

"إذا أردت أن تصير ناشرا فاهجر الكتابة إذن"، إن غاستون غاليمار هو نفسه من يعلن ذلك. قد يستغرب مؤسس دار حي سبستيان بوتان العريقة من الدخول الثقافي لسنة 2006. ففي سبتمبر (أيلول) يصدر كل من جان مارك روبير (صاحب دار ستوك)، دانيال أروند (مسئول الأدب الأجنبي لدى فيبيس)، دونيس تيليناك (مدير تابل روند)، ميشال برودو (رئيس تحرير NRF ومستشار أدبي لدى غاليمار)، ريشارد ميلليه (من غاليمار أيضا)، كريسطوف باطاي (غراسيي)، جان إيبير غيليو (تريسترام) وشارل فيكا (من بارتيلا)، رواية ويبينون عن وجه الكاتب فيهم. ليست هذه أول مرة يكتب فيها الناشرون، لأن الظاهرة قديمة قدم الأدب نفسه، غير أنها أول مرة يعرف الدخول الثقافي خصوصية كهذه. من ثمة تأتى هذا السؤال: أيمكن أن نكون كتابا وناشرين في الآن نفسه؟
هل يمكن أن نجمع بين هذين النشاطين، في حين أنهما يبدوان متنافرين؟ وكي نبسط، فالناشر يتسم بجوده في الخفاء، ويتميز الكاتب بالأنانية اللازمة لكل إبداع. رأس واحدة لقبعتين، واحدة في محلها والأخرى مقلوبة؟ أوجاع العنق ثمة غير مستبعدة إذن. زد على ذلك أن التعريف الذي يقدمه قاموس "بوتيه روبير" الفرنسي ملتبس كما ينبغي: "ناشر: كل شخص (رجل أدب، بحاثة) يعمل على نشر نص." هل نصه هو أم نص شخص آخر؟ ثمة ناشرة مضت أبعد من ذلك إذ أكدت أن كل من الكاتب والناشر يرتبط أحدهما مع الآخر "بعلاقة توأمة وطيدة" وأضافت: "يمكننا القول أن كل ناشر يمكن أن يكون هو نفسه كاتبا أو منتميا إلى عالم الكتابة، كي لا يجد شرخا بينه وبين الواقع الأدبي لما يقدم نصائحه." وألا يحكم على الآخرين منطلقا من نتاجه الشخصي.

حياة مزدوجة
الأمر ليس أهون مما نتصوره. إذا كان ثمة ناشر جيد كاتبا، فلما لا يكتب إذن؟ بالعكس يرى مدير سلسلة ما أنه بالأحرى بكل كاتب أن يحيا تجربة ناشر: "سوف يجعله ذلك أكثر تواضعا!" أحيانا كثيرة يفضي الخلط هنا إلى طُرف ممتعة. عندما أتحدث إلى الكاتب دانيال أروند، كثيرا ما يعسر ثنيُه عن الاعتقاد أنا نتحدث إلى الناشر فيه، كم من مرة يجب أن أنبهه بقولي له "الكتاب الذي كتبته".
يؤكد بيير دراشليين، مدير النشر لدى شيغش ميدي وكاتب في نفس الآن لدى دار فلاماريون، أن الأمر يتعلق فعلا بعلاقة شيزوفرينية... غير أن هذين النشاطين يمكن التوفيق بينهما... ليس ثمة من خلط بين ذينك الدورين. ما يعترف به أغلب أصحاب المهنة. مثل برنار دو فالوا الذي لم يصدر أية رواية، يقول: "التاريخ الأدبي يبين أن ثمة توافقا بين الأمرين. لقد تمت البرهنة منذ مدة على ذلك، فكثير من أصحاب دور النشر الكبرى قد سبق لهم أن أصدروا عملا فنيا ما. مثال برنار غراسيي، برنار بريفا، جاك بوتيلو، الذي يكتب تحت لقب جاك شاردون، لدى غراسيي.
أكدت غاليمار نفسها على أن التراكم ممكن، إذ وظفت وما تزال توظف منذ نشأتها ناشرين كبار. وأقربهم إلينا، سولرس، لاكلافتين، برودو، باطاي (ستيفان وليس جورج!!)، سيكاتي رولان وآخرين غيرهم. فكثير من الكتاب هم أنفسهم من يكتشف أشياء جميلة ولما يظهرون كفاءات جديدة فإنك إزاء تحمسهم لتظن أنهم قد توصلوا إلى شيء منقطع.
هؤلاء الرجال الذين يعملون كمدراء ومستشارين أدبيين لدى دور النشر تلك، يضعون مسحتهم الأخيرة على عمل، أو آخر لمسة في سلسلة ما. فهم إذن يضعون بصماتهم على مسار النشر، سواء بنصوصهم أو بنصوص الآخرين والتي اكتشفوها بأنفسهم.
لا يمكن أن نقصي أيضا المسألة المالية، فلكل الكتاب حياة مزدوجة، ثمة مهنة أولى تعود عليه بخبز اليومي ومهنة الكتابة. فالكتاب هم أكثر تضررا من غيرهم في كل السلسلة التي يتشكل منها مهنيي الكتاب." مثلما لاحظ السوسيولوجي برنار لهيير في مبحث رائع (لدى دار لاديكوفيرت) "الشرط الأدبي". على أي فكم هم عدد الذين يعيشون من خلال ريع رواياتهم؟ غير أن ثمة أيضا بعض أصحاب دور نشر لا يستسيغون المزج بين الأنواع، مثل كلود ديرون (أنظر الحوار). يقال أيضا أن كلود شيركي، لما كانت مفاتيح دار سوي بين يديه، لا يحب كثيرا الناشرين الذين يميلون إلى الكتابة. فكلما أراد أن يمنح عملا لأحد يسأله أولا لأن كان لديه مشروع رواية؟ وقد يستبعده متى كانت إجابته بالإيجاب. وإذا كان ثمة أغلب الناشرين الكتاب يراوحون بين النشاطين، فإنهم يعترفون بأن علاقاتهم بالكتاب الآخرين جد خاصة أو هي أكثر من ذلك جد معقدة. وكي يوضحوا هذا الأمر عمد دانيال أروند وبيير دراشين، اللذان كانا ناشرين وكاتبين لدى نفس الدار إلى التمييز بين النشاطين. "إن الأمر أكثر بساطة لأن الجمع بين الإثنين لدى نفس الدار ليس بوسعه سوى أن يكون مصدر شقاق." ففي السابق كتب صاحب "الطاولة المستديرة" رولان لودينباش تحت ميشال براسبار كاسم مستعار.
يحدث كثيرا أن يرغب كاتب ما أن يتعامل مع ناشر قد سبق له أن نشر رواية. شأن متعلق باتفاق ما. مثلما يحدث لممثلين يرغبون في العمل مع كومديين يصيروا خلف الكاميرا. غير أن العكس صحيح أيضا. نقلق كثيرا من كون ناشر/كاتب يمنح وقته أكثر لأعماله منه لأعمال الآخرين. ويعتبر عمله كناشر كعمل لربح قوت يومه مثلما نبهت ناشرة إلى ذلك. غير أن ثمة مخاطر منافسة في لحظة أو في أخرى. منافسة على كل الجبهات. يمكن إذن أن نتخيل جيدا أن يتنافس كل من جان مارك روبير ودونيس تيليناك وميشال برودو وريشارد ميلليه جائزة أدبية ما في الخريف المقبل. غير أن الأدهى في الأمر هو أن يتنازعوها مع كتابهم أنفسهم.
.

اقرأ الحوارين مع كلود ديرون وكريستوف باتاي

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف