كتَّاب إيلاف

إبن بريك: يريدها كهنوتية!

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

بين قينان و البريك

الدولة المدنية نقيض لجوهر الإسلام وللدولة الدينية

سعد بن بريك واعظ صحوي معروف في السعودية. مد حنجرته من على منبر الصحويين الجديد جريدة المدينة، وقال: لا.. للدولة المدنية. وأظهر - دون أن يعي - أن الدولة التي يراهن عليها، ويبتزنا بسببها، منذ أن زايد معترضاً على استقدام القوات الأجنبية إبان غزو الكويت، وحتى اليوم، هي (الدولة الكهنوتية) أو الدينية، على غرار دولة الخميني في إيران التي هي النموذج الذي يسعون لتطبيقه.
ردّ عليه قينان الغامدي، ومشاري الذايدي، و الكاتب الموريتاني ولد أباه، وأثبتوا له أن مفهوم دولة المجتمع المدني كما في المصطلح عند خبراء (علم السياسة) لا يرفض (دولة الإسلام) التاريخية. فالغرب الذي ابتكر هذه التسمية، واشتق هذه المصطلحات، و وضع تعاريفاً لها، لا تتعارض معاييره، شكلاً، مع دولة المسلمين التي عرفها تاريخهم..
ابن بريك عندما (حجره الرجاجيل)، لم يجد بداً من الكشف عن مرجعيته المعرفية، فكتب مقالاً رد فيه على قينان، كان فيه من حيث النظرية السياسية إخوانياً صرفاً. فتورط - دون أن يعي - بالكشف عن حقيقة تياره، وأنه وأمثاله يعملون من حيث الثقافة السياسية (بتناغم) تام مع مرشدهم الأول في مصر، ليثبت بالدليل القاطع أن (السرورية) التي ينتمي لها إبن بريك وزمرته هي قلباً وقالباً النسخة (المعدلة) حسب متطلبات المملكة والخليج للإخوان المسلمين، وأن المطلوب: دولة (ولاية الفقيه) السنية، والتي هي من حيث المنطلق نفس (دولة الأخوان المسلمين) المأمولة التي ينادي بها المصريون الاخونجية. واقرأ إن أردت كتاب غازي القصيبي (حتى لا تكون فتنة) والذي يتحدث فيه عن النظرية السياسية لصحويي السعودية.
والسؤال: هل الدولة الإسلامية دولة دينية في التعريف؟
التاريخ يدحض كل هذه (الأوهام)... فلم يعرف تاريخ دول المسلمين (الدولة الكهنوتية) أو (الدينية)، كما في لأوربا، منذ أن تشكلت الدولة في الإسلام.
عمر بن الخطاب كان يبحث عن المصلحة، ويتجاوز النص أحياناً، حتى وإن كان قرآنياً، كما فعل في عام (الرمادة) عندما عطل نص (قطع اليد) القرآني تقديماً للمصلحة. أي أن النص لا يعنيه بقدر ما تهمه المصلحة المدنية، أو مصلحة الدولة في التعريف السياسي.
علي ابن أبي طالب، الخليفة الرابع، اعترض على الاحتكام للنصوص عندما قال قولته المشهورة: (الإسلام حمّال أوجه).
معاوية أسس ملكاً سياسياً عظيماً عندما وظف النصوص لخدمة السياسي وليس العكس. ويتحدث التاريخ عن أنه أقام ملكاً ودولة لا علاقة لها بالكهنوت، أي في النتيجة حكماً مدنياً.
عبدالملك بن مروان الذي كان من أهم الفقهاء في عصره، عندما بلغته البيعة، أغلق المصحف وقال قولته المشهورة: (هذا آخر العهد بك) كما يقول السيوطي في تاريخه، فكان من أعظم خلفاء بني أمية.
الدولة العباسية حكمت بالسيف وليس بمباركة الفقهاء.. ولا أعتقد أن مؤسسها السفاح كانت تهمه الشريعة، أو الدين، عندما شق عصا الطاعة، ورفع السلاح، حينما أسس هذه الدولة. ومع ذلك بويع بالخلافة.
ولو قرأ ابن يريك تاريخ الدولة السعودية الأولى - مثلاً- لوجد أنها أسندت مسؤولية الحكم إلى (السياسي محمد بن سعود)، وبقيَ ( الفقيه والداعية محمد بن عبدالوهاب) تحت مظلة السياسي، يُفتي وينصح ويعظ ، لكنه لم يطلب لنفسه الطاعة وإنما طلبها للمدني ابن سعود، ومع ذلك لم ينتقده أحد في زمانه لهذا السبب.
ولعل هذه النقطة بالذات هي (الخلاف الجوهري) في النظرية السياسية بين الوهابيين وبين تيار الأخوان المسلمين بفرعه الخليجي (تيار السروريين) الذي ينتمي له كما هو معروف سعد بن بريك صاحب مقول (دولة الإسلام دولة دينية).
الشذوذ الوحيد عن هذا الشكل المدني الذي عرفه تاريخ الإسلام قاطبة هي دولة الخميني في إيران حيث كانت (ولاية الفقيه) هناك هي بالمقياس العلمي، وبالمصطلح السياسي، في التعريف، دولة دينية (كهنوتية) محضة.
ابن بريك (الواعظ) الذي سل سيفه، بحجة أنه سيدافع عن الإسلام، وجد نفسه في النهاية يطرح دولة كهنوتية، يتولى فيها الصحويون مقاليد الحكم، كما في إيران، وكما هي دولة الأخوان التي يدعون إليها.. وهذا هو المنزلق الذي أوقعته (استشهاداته) في رده على قينان فيه، عندما استورد واعظنا من مصر مواصفات الدولة التي يريد في رده الأخير، وهو - بالمناسبة - ما تنبه إليه الدكتور حمزه المزيني في تعليقه السريع والذكي على واعظنا الكبير حول الدولة المدنية.. وبدلاً من أن يخرج ابن بريك من أزمته المعرفية، التي حاول من خلال ردوده الخروج منها، سقط غارقاً حتى أذنيه في قضية أخطر؛ إذ اتضح أنه يدعو إلى (دولة كهنوتية) ليس لأهل الاختصاص أي دور فيها، إلا دور يقع تحت سلطة الفقيه و ليس فوقه.. وهذا في المحصلة ثورة على الدولة السعودية الحالية، حيث يتولى القيادة فيها الملك، الذي هو عملياً (مدني) وليس (عالماً) أو (فقيها دينياً).
مشكلة ابن بريك أنه مجرد واعظ له طموحات سياسية. وهو (يدلس) على الناس بأنه (سلفي) حتى يتماهى مرحلياً مع الدولة السعودية، وبعد تجذير نظريته لكل حادثة حديث.هاهم الصحويون على حقيقتهم، ليس ثمة إلا اللفٌ والدوران، واللعبٌ على الذقون.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف