تعقيباً على أحمد صبري السيد علي (2/2)
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
يستمر أحمد صبري في تعقيبه عن الفتاوى فيقول: (على الدكتور كامل النجار إذن أن يبحث عن مبرر آخر أكثر مصداقية لمثل هذه الفتاوى، فالقتل لا يتخذ ذريعته من الأديان فقط وإنما من العلمانية والديمقراطية كذلك، وهنا لا أعتقد أن كامل النجار يرى بأن العلمانية هي كذلك عودة للعقل الغريزي، وبعيداً عن أن لهجة كامل النجار والذي يسعى فيها للإمساك بميزان يقوم فيه بقياس عقول الآخرين وتقسيمها لعقول واعية وعقول غريزية، فإن هذا التفريق ذاته الذي بدأه كارل يونج في نظريته عن الإنسان البدائي يتجاهل تماماً حقيقة تراكم الخبرة والتجربة الإنسانية والتي تضع الغريزة في إطار الأحكام الاجتماعية) انتهى. وكما قلت سابقاً فإن القتل يتخذ ذريعةً من الأديان ومن العلمانية. ولكن عندما تلجأ العلمانية السياسية إلى القتل، فتأكد أن على رأسها شخصاً يفكر بعقله الغريزي مثل جورج دبليو بوش الذي ينتمي إلى اليمين المسيحي من جماعة Born Again Christians الذين يعتقدون، دون إثبات، أنهم جاءوا لتجديد المسيحية. والرئيس بوش لا يستحي أن يقول إن الله أوحى إليه أن يغزو العراق. وصدام حسين العلماني قال إن الله أوحى إليه أن يغزو الكويت. والأيدولوجية التي تسكن العقل الغريزي لا يتحتم أن تكون أيدولوجية دينية، فمثلاً بول بوت عندما أباد الملايين في كومبوديا، لم يكن ينطلق من أيدولوجية دينية، ولكنه رغم ذلك كان يؤمن بأيدولوجية علمانية خولت له أن يبيد الملايين الذين لا ينتمون إلى أيدولوجيته. فشخص مثل هذا لا يمكن أن يكون فعل كل هذه الشنائع وهو يفكر بعقله الواعي. فالعقل الواعي يزن العمل وما ينتج عنه ثم يقرر إذا كانت النتائج تبرر العمل. بينما العقل الغريزي لا يفكر لأنه مبرمج مثل آلة الحاسوب التي تقوم بأكثر العمليات الحسابية تعقيداً ولكنها تفتقر إلى العقل. فالعلمانيون، وليس العلمانية، قد يرجعون إلى العقل الغريزي. وكامل النجار لا يحاول تقسيم عقول الناس إلى عقول واعية وعقول غرائزية، فهذا تقسيم علمي معروف منذ نهاية القرن التاسع عشر. والحقيقة أن كارل يونج (1875-1961) لم يكن هو أول من بدأ تقسيم العقل إلى عقل واعي وعقل غريزي، وإنما سبقه إليها سيجموند فرويد (1856-1939). ولكن كارل يونج كان أول من تحدث عن العقل الغريزي الجمعي The Collective Unconscious وقال: كما أن جميع الناس يشتركون في الحامض النووي (دي ان آى) فهم كذلك يشتركون في ما سماه Archtype وهو عبارة عن المخزون المتراكم للناس من الأحلام والأديان والشعائر التي يشترك فيها جميع بنو آدم، ويخزنونها في عقولهم الغريزية أي العقل غير الواعي. وهو سمى هذا الشيء (ال دي ان آى السيكولوجي). وقال إن الإنسان العلمي إذا غيّب هذا ال Archtype واعتمد كليةً على المنطق فقد يُصاب بنوع من النرجسية ويصبح استهلاكياً، ولكن إذا اعتمد الإنسان على العقل غير الواعي بكثرة فقد يصيبه نوع من المرض النفسي يُسمى Psychosis. وأنا أفضل أن أكون نرجيساً وإستهلاكياً ولا مريضاً بالسايكوسس. وكارل ينج لم يتجاهل حقيقة تراكم الخبرة والتجربة الإنسانية، بل دافع عنها وخلق لها اسماً جديداً. لكنه قال إن تلك الخبرة الجمعية تسكن في العقل غير الواعي.
ثم يتحدث السيد أحمد صبري عن كامل النجار فيقول: (ويفترض (كامل النجار) عدم وجود وعي لدى الإنسان البدائي ذاته ينسجم مع بيئته وتجربته وخبراته فهو إذن يعتبر أن الإنسان البدائي هو كائن مختلف بعقلية مختلفة عن الإنسان المتحضر، إن التساؤل الأساسي لكامل النجار هو متى اختفت مثل هذه الآراء التي لا ترى مشكلة في القضاء على الآخر مقابل مصالح مادية أو اجتماعية حتى لدى الغرب العلماني ؟ وبمعنى أوضح متى ظهر مسمى العقل الواعي بشكل واقعي حتى يتم عقد مقارنة بينه وبين مسمى العقل الغريزي كنموذجين مختلفين) انتهى. وأنا لم أنكر أن للإنسان البدائي وعي ينسجم مع بيئته وتجربته، وإنما قلت إن عقل الإنسان البدائي لم يكن قد نما وقتها ليسمح له بالتفكير المنطقي الذي نتمتع به نحن الآن. وعقلية الإنسان البدائي لا شك تختلف عن عقليتنا الآن إذ أن حجم جمجمة الإنسان البدائي على مدى ملايين السنين كان حوالي خمسمائة جرام، وهذا نصف حجم جمجمة الإنسان المعاصر. فلا بد أن يكون تفكيرنا واستنتاجاتنا مختلفة ومتقدمة عن تفكير واستنتاجات الإنسان البدائي. ويسأل السيد أحمد: متى ظهر مسمى العقل الواعي بشكل واقعي حتى يتم عقد مقارنة بينه وبين مسمى العقل الغريزي؟ وقد قلت سابقاً أن التسمية ظهرت في نهاية القرن التاسع عشر. غير أن التاريخ ليس مهماً، والمهم هو أننا نعرف الآن أن هناك عقلاً واعياً وعقلاً غريزياً ويمكننا المقارنة والمفارقة بينهما.
وعندما تحدثت عن طوائف المورمون وديفيد كريش وطائفته وقلت إنها نشأت وسط جهلاء مزارع القطن في جنوب الولايات المتحدة، قال السيد أحمد صبري: (فمن غير المتوقع بالنسبة لكامل النجار أن تظهر أي ثقافة اعتماداً على عقلية مزارع القطن الذي ينظر لها كامل النجار باحتقار ظاهر، ومع ذلك فإن كامل النجار لم يجب عن سر انتشار طوائف عقلية مزارع القطن في أوساط مدن أخرى تعيش على عقلية الرأسمالي الأنيق بهذا الشكل الواسع، وإن كان من المقبول الحديث عن عقلية مزارع القطن في القرن الـ 19 أثناء الحديث عن المورمون، فما تأثير هذه العقلية على سكان الولايات الجنوبية في أواخر القرن العشرين حينما ظهرت طائفة الداوديين بقيادة ديفيد كيرش سنة 1986) انتهى. وعقلية مزارع القطن ترمز إلى الجهل الذي يوازي عقلية البدوي في صحراء نجد. فالمعروف تاريخياً أن جنوب الولايات المتحدة الذي تنتشر فيه مزارع القطن كان يعتمد اعتماداً كلياً على العبيد المستوردين من إفريقيا وعلى سكان المكسيك وأمريكا الجنوبية الذين نزحوا إلى أمركا. وبما أن هؤلاء العمال كانوا أميين وجهلاء، تماما كأسيادهم الذين كان يسيطر عليهم التعليم الديني، فقد سهل على الطوائف الانتشار في تلك الولايات. ونحن عندما نتحدث عن العقلية الجمعية للولاية نعني الغالبية العظمى من السكان، وهذا لا يمنع أن يكون جزء بسيط من السكان مخالفاً للغالبية. ففي الولايات الشمالية كان التعليم قد انتشر وقلت نسبة انتشار الطوائف فيها، ولكن هذا لا يمنع أن تكون هناك أقلية جاهلة في الولايات الشمالية يسهل انتشار الطوائف بينها.
ثم يقول السيد أحمد صبري: (وذلك بغض النظر عن أن معلوماته عن نشأة المورمون خاطئة - سهواً أو عمداً - فمؤسس هذه الطائفة ولد في أقصى الشمال الأمريكي في فيرمونت سنة 1805 م، ثم رحل مع عائلته إلى نيويورك، ثم بدأت دعوته في سنة 1829 م في نيويورك وعموماً فكلتا الولايتين لا علاقة لهما بعقلية مزارع القطن) انتهى.
وأرجو أن يتمعن السيد أحمد صبري في ما يقرأ قبل أن يحاول تفنيده، فأنا لم أخطئ في تاريخ طائفة المورمون وقلت بالحرف: (هذه الطائفة بدأها شخص يدعى جوزيف اسميث في عام 1827 في نيويورك ثم في ولاية أوهايو). وأنا لم أشأ الإطالة في معلومة غير مهمة، فالطائفة رغم أنها بدأت في نيويورك، فقد انتشرت في الجنوب. والسبب أن سكان نيويورك قد كشفوا خداع السيد إسميث وقدموه إلى المحاكمة في نيويورك مرتين بتهمة الغش والخداع عندما زعم أنه يستطيع الكشف عن المستقبل بالنظر في الألواح وفي المرآة، وحكموا عليه بالسجن. وعندما انتشرت دعوته في الجنوب ثم رجع إلى نيويورك، ألب أتباعه على قتل المعارضين، فقدموه إلى محاكمة وسجنوه ثم أعتدت مجموعة من الناس عليه في السجن وقتلوه. والناس الجهلاء لا يقتلون أنبياءهم، وهذا يُثبت أن سكان نيويورك وقتها لم يكونوا جهلاء فتنتشر بينهم الدعوى.
وفي محاولته تفنيد مقالتي يأتي السيد أحمد صبري بمقولات لا سند لها ولا يشير إلى مصادره، فيقول لنا: (في مناقشته لقدرة الأديان على غسل الأدمغة استدل كامل النجار ببعض الممارسات التي يقوم بها بعض المسلمين الشيعة والتي تسمى (التطبير) كنوع من التعبير عن الحزن في ذكرى استشهاد الإمام الحسين (رض) ورغم أنني أوافقه على رفض هذه الممارسات، كما يوافقه كذلك العديد من علماء الدين الشيعة كالسيد محمد حسين فضل الله، وحتى مرشد الثورة في إيران السيد الخامنئي، فإن كامل النجار لم ينتبه إلى حقيقة أن بداية ظهور هذه الممارسات كانت في القرن الـ 16 الميلادي حيث استعارها الصفويون (شاهات إيران في تلك الفترة) من بعض مشاهداتهم لممارسات شبيهة كانت تحدث في أوروبا كتعبير للحزن على المسيح (ع)، وبالتالي فإن الادعاء بأن هذه الممارسات هي ممارسات دينية كما يرغب كامل النجار رغم أنها ظهرت بعد قرون من استشهاد الحسين (رض) يعد ضرب من الدجل) انتهى. وغريب أن يقول (كما يوافقه العديد من علماء الدين الشيعة كالسيد محمد حسين فضل الله). فالمعروف أن التطبير أكثر ما يمارس في العراق، وعندما يعوز السيد أحمد صبري أيجاد مثال من العراق يعطينا اسم السيد محمد حسين فضل الله من لبنان. وحسب علمي فليس هناك زعيم شيعي عراقي رفض التطبير غير (السيد محسن الأمين ألعاملي(1371-1284هـ) الذي أبدى رأيه الاجتهادي بخلاف الرأي السائد في مسائلة عاطفية وهي مسألة التطيير (شق الرؤوس في يوم عاشوراء) حيث أفتى بحرمتها وقد تعرض اثر ذلك لأشرس حملة عدائية من الحوزة ومراجعها إلى حد اتهامه (بالزندقة) كما جاء على لسان العالم والخطيب العراقي الشهير السيد صالح الحلي الذي هاجم الأمين في قصيدة طويل يقول فيها: وإذا مررت بجلق فابصق **** بوجه امينها المتزندق) (صباح المسوي، كتابات 2 أيلول 2003). فرمي الكلام على عواهنه كأن نقول وكذلك يوافقه العديد من علماء الشيعة، لا ينطلي على القارئ. أما الممارسات نفسها سواء اقتبسها الصفويون من أوربا أم اخترعها الشيعة أنفسهم، فهي لم تنتشر إلا في بيئات دينية متشددة مما يدل على أن الدين يغسل الأدمغة. ولا أدري أينا هو الدجال: الشخص الذي يكتب الحقيقة كما يراها جميع الناس، أم الشخص الذي يحاول نفي المُشاهد بدون أي دليل أو مصدر يقدمه لنا؟
ثم يستمر في محاولته فيقول: (ومع إصرار كامل النجار على أن يكون نمط تفكيره الغربي هو معيار وميزان العقلاني بمثل هذا الشكل المتعجرف فإن أحد المستشرقين المنتمين لهذه النوعية من نمط التفكير أبدى استياؤه لتوقف هذا الطقس الجليل (التطبير) في مصر مع بدايات القرن الـ 20، وأمل أن تؤدي المصاهرة بين البيتين المالكين في مصر وإيران إلى عودته مرة أخرى) انتهى. ورغم تكرار كلمة "المتعجرف" في تعقيب السيد أحمد صبري ثلاث مرات، فإني أربأ بنفسي أن أتبع أسلوبه. وأنا لم أقل إن نمط تفكيري يجب أن يكون المعيار، وإنما بيّنت رأيي في الممارسات الدينية ولم أحاول إجبار الناس على رؤية الأديان من نفس الزاوية التي أنظر منها أنا. أما مسألة التطبير في مصر في بداية القرن العشرين فأمر جديد عليّ إذ أن المذهب الفاطمي قد انتهى في مصر بدخول صلاح الدين الأيوبي عام 1171. ومنذ دخوله مصر بدأ بمحاربة الشيعة وقتلهم وألغى الشعائر الحسينية وأسند القضاء وإدارة الأزهر إلى فقهاء المذهب الشافعي. فلا أدري متى كان هذا التطبير الذي ترحّم عليه ماكفيرسون في القاهرة.
ثم انتقل السيد أحمد صبري إلى الأسلحة النووية فقال: (والواقع أن هناك تساؤلات حول مدى عقلانية قيام المسئولين الأمريكيين العلمانيين في الحرب العالمية الثانية باتخاذ قرار إبادة مدينتين يابانيتين عن طريق قصفهما بالقنابل الذرية، كما نتساءل عن مدى عقلانية تهديد الرئيس الفرنسي العلماني جاك شيراك للدول التي تهدد أمن فرنسا - حسب تصوره - بقصفها بالقنابل النووية بما قد يؤدي لإبادة شعوبها، في مقابل فتوى الإمام الخميني مؤسس الجمهورية الإسلامية بتحريم استخدام هذه الأسلحة من الأساس، وبالتأكيد فإن المسئولين العلمانيين في أمريكا أو فرنسا لم ينظرا إلى الكتاب المقدس قبل اتخاذ مثل هذه القرارات، في حين أن الإمام الخميني نظر إلى القرآن وهو يقوم بصياغة هذه الفتوى) انتهى. وليس هناك أي تساءل حول إلقاء أمريكا القنبلة الذرية على اليابان، فالكل متفقون أنه عمل غير عقلاني وغير إنساني، لكنه يظل قراراً سياسياً أتخذه رئيس أمريكي يخضع لمحاسبة شعبه له. وهذا بخلاف القرار الإلهي الذي يتخذه بالإنابة عنه الإمام الخميني أو السياستاني. وأنا شخصياً لا أعلم متى حرّم الإمام الخميني الأسلحة النووية، وأشك أنه حرّمها وإلا لما سعت إيران حثيثاً إلى حيازتها وما زالت تناكف المجتمع الدولي على حقها في تخصيب اليورانيم. فهل اتخذ حكام إيران قراراً يعارض فتوى الإمام الخميني؟ والأغرب من هذا أن الكاتب يدعي أن الإمام الخميني اعتمد على القرآن في تحريم الأسلحة النووية. فأي نص في القرآن اعتمد عليه الخميني؟ هل اعتمد على الآية التي تقول (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدوكم وعدو الله)؟ وبالطبع فإن جاك شيراك وهاري ترومان لم ينظرا في الإنجيل لاتخاذ قرارات استعمال القنابل النووية لأن كلا الرجلين علماني ولا ينتمي إلى مؤسسة الملالي.
وانبرى بعد ذلك السيد أحمد صبري إلى الدفاع عن الأنبياء فقال: ( في الجزء الثاني من مقاله يلجأ كامل النجار لعقد مقارنة بين الأديان ربما تبرر هذا الجمع المتعسف لها في إطار واحد.- فكل دين أو طائفة أسسه رجل يتيم أو غير معروف الأب، ومن الغريب جدا أن يوقع كامل النجار نفسه في مثل هذه الأحكام غير العقلانية والمثيرة للسخرية في حين يجد في نفسه الجرأة على احتكار تعريف العقلانية والثقافة، وبقدر ما يعد الرد نوع من المجاراة لهذا السخف فإنه يبدو ضرورياً للاستدلال على نقاط الضعف في هذا الحكم، فلم يكن موسى(ع) يتيماً أو حتى غير معروف الأب مع الاعتراف بأن حياته اتخذت مساراً غريباً بسبب الظروف التي رافقتها، كما أن مؤسس طائفة المورمون يوسف سميث (1805 - 1844) والتي أشار إليها كامل النجار لم ينتمي إلى أي من النوعيتين) انتهى. فبعد أن أكد السيد أحمد صبري على سخف طروحاتي وجاراها بالرد عليها، قال إن موسى لم يكن يتيماً ولا غير معروف الأب. فلو رجعنا إلى التوراة فإنها تقول: (ذهب رجل من بيت لاوي واتخذ امرأة فولدت له هارون ثم موسى). ولم تذكر التوراة بعد ذلك أي كلمة عن والد موسى. والقرآن لم يذكره إطلاقاً إنما ذكر أم موسى التي أوحى الله إليها، كما أوحى إلى أم عيسى. فمن هو أبو موسى؟ وهل يستطيع السيد أحمد صبري أن يجزم أن والد موسى كان حياً عندما ولد موسى أو أنه لم يمت وموسى صغير لم يبلغ الرشد بعد؟ أنا في اعتقادي أن والد موسى لم يكن معروفا أو ربما كان ميتاً لأنه لا ذكر له ولا يهتم بسيرته أحد. أما جوزيف إسميث فكان أبوه يتنقل من حرفة إلى حرفة ومن بلد إلى أخرى ولم يكن له أي اهتمام بالدين وترك تربية أطفاله لزوجته ماك إسميث (حسب ما تقول دائرة معارف كولومبيا). فأبوه كان تأثيره ثانوياً في تربيته، فلا فرق بينه وبين اليتيم.
وبعد أن وافقني السيد أحمد صبري على أن رجالات الدين من أغنى الأغنياء وهذا يتعارض مع ما يدعون إليه، قال: (، ومع ذلك فإنه كان من العدل أن يعترف كامل النجار بأن هذه المؤسسات الدينية والتي يتهمها بالثراء تقدم العديد من الخدمات المجانية للفقراء سواء الكنيسة الكاثوليكية أو رجال الدين الشيعة خاصة أن هذه الأموال التي تتوفر لمرجعيات الدينية (مسيحية أو مسلمة) ليس بناء على نهب أو استغلال إمبريالي وإنما بناء على قناعة من يملكون الأموال من الأتباع بجدارة هذه المرجعيات في القيام بمسئولية الإشراف على توزيع الحقوق الشرعية) انتهى. وربما لم يذهب السيد أحمد صبري إلى البرازيل أو المكسيك ليري أطفال الشوارع الكاثوليك الذين يبلغ عددهم مئات الآلاف، يتسولون ويمتهنون الدعارة لليعيشوا، بينما تملك الكنيسة الكاثوليكية بلايين الدولارات في بنوكها ولا تصرف على هؤلاء الفقراء. ولا اعتقد أن السيد أحمد صبري نفسه مقتنع بأن أصحاب الأموال يدفعون للمؤسسات الدينية لاقتناعهم بجدارة المرجعيات في توزيع هذه الأموال. رجال المال يتبرعون للمرجعيات كنوع من التأمين على الحياة في الآخرة وربما لمكاسب دنيوية كذلك. الملياردير الأمريكي بل غيتس وضع بلايينه في مؤسسة خيرية تتبنى الصرف على الفقراء في جميع أنحاء العالم ومن كل المذاهب والأديان. لماذا لا يفعل الأغنياء المسلمون ذلك بدل الدفع للحسينيات التي لا تصرف، إذا صرفت، إلا على أتباع مذهبهم؟
وعندما تحدثت عن تعدد زوجات الأنبياء ورجالات الدين، قال السيد أحمد صبري: (وقد استخدم كامل النجار وضع النبي سليمان(ع) التي تذكر له التوراة عدد ضخم من الزوجات والجواري، وهنا فإن كامل النجار يحاول محاسبة النبي سليمان الذي عاش في مرحلة تاريخية وحضارية معينة بحسب الأفكار الغربية حالياً، وبديهي أن هذه المحاولة غير منطقية وتفترض أن الأفكار السائدة حالياً هي الأصلح والأفضل على الرغم من أنها لم تحقق أي نتائج غير معتادة بالنسبة للمجتمعات الأوروبية التي تتبناها، فمازالت هناك جرائم وبطالة وفساد وخيانات زوجية... الخ، وهي نفس الأمراض الاجتماعية التي شهدتها المجتمعات القديمة، ومع أن التوراة لا تصلح كسند تاريخي في الواقع ولا يوجد دليل واقعي على مصداقيتها - مع احترامنا لها كنص ديني - فإنه من الضروري ذكر أن هذا العدد من الزوجات بالنسبة لملك في تلك الفترة لم يكن سوى دليل على نفوذه الذي تذكر التوراة أنه شمل مناطق عديدة من الشرق، ولم يكن الزواج سوى مظهر من مظاهر التحالف السياسي والقبلي) انتهى. والنبي سليمان الذي عاش في مرحلة تاريخية سابقة لم يكن الرجل الوحيد الذي عاش في تلك الحقبة. لماذا لم يتزوج غيره ثلاثمائة زوجة كما تزوج هو. أما القول أنه تزوج كل هذا العدد من النساء لأن نفوذه قد أمتد في كل الشرق، قول لا يسنده أي منطق أو مصدر تاريخي. فملك فارس أمتد نفوذه أكثر مما امتد حكم سليمان لكنه لم يتزوج ثلاثمائة زوجة. وإمبراطور الروم كانت دولته أوسع من مملكة سليمان، ولم يتخذ ثلاثمائة زوجة رغم أنه اتخذ عدداً من المحظيات. وإذا كان اتساع رقعة النفوذ هو السبب، فما هو السبب في اتخاذ محمد أكثر من عشرين زوجة ونفوذه لم يتعدَ مكة والمدينة؟ وإذا كانت الجرائم والخيانة الزوجية متفشية في العالم الغربي، فهل هذا مبرر لاتخاذ الرجل ثلاثمائة زوجة؟
واتقل السيد أحمد صبري بعد ذلك إلى استغلال الأطفال جنسياً، فقال: ( أما اعتداء بعض القساوسة على الصبيان فهو يشير إلى ما فعله بعض القساوسة الأمريكيين الكاثوليك في الولايات المتحدة، ومن الغريب أن التفكير المنطقي يرفض تعميم الأحكام لكن كامل النجار يعتمد تماماً على هذا الأسلوب التعميمي وفي هذه النقطة فإنه يتحدث كما لو أن كل القساوسة المسيحيين أو الكاثوليك يمارسون اغتصاب الأطفال، أو أن كل مغتصب للأطفال يجب أن يكون رجل دين ما في حين أنه يوجد مغتصبون للأطفال وحتى للنساء لا يؤمنون بأي ديانات أو لا يقيمون وزن للشعائر الدينية.) انتهى. أولاً أنا لم أقل إن الذين ليسوا رجال دين لا يغتصبون الأطفال، وإنما قلت إن القساوسة الذين يُفترض أنهم يمثلون الدين الإلهي لا يلتزمون بما يدعون إليه ويغتصبون الأطفال. وبالطبع هناك من غير رجالات الدين ممن يغتصبون الأطفال. وقد أزيد السيد أحمد علماً إذا أكدت له أن اغتصاب الأطفال في المؤسسات الدينية المسيحية لم يقتصر على الكنيسة الكاثوليكية وحدها ولم يقتصر على أمريكا فقط. ففي كندا استغل القاسوسة الصبيان الأيتام في بيت أيتام "مونت كاشيل" Mount Cashel orphanage في مقاطعة نيوفوندلاند، وفي ثلاث بيوت أيام تديرها الكنيسة في كويبك. وأحدثت هذه الاغتصابات فضيحة كبيرة في كندا. وفي المكسيك فهناك قصة الأب مارسيال مارسيل الذي ظل يستغل الصبيان منذ عام 1940 وحتى العام الماضي عندما أضطر البابا بنيدكس الحالي إلى إقعاده قسراً ومنعه من ترشيح نفسه مرة أخرى. وفي أيرلندة الجنوبية أي الجمهورية الإيرلندية فقد انتشرت عدة فضائح عن القساوسة الكبار بالكنيسة واستغلال الأطفال مما اضطر البرلمان الأيرلندي لإنشاء مجالس قضائية للكشف عن الحقيقة. فوجدوا مثلاً في أبرشية صغيرة اسمها "فيرن" أكثر من مائة حالة استغلال للصبيان. وفي ابريشية دبلن العاصمة ما زال المجلس القضائي يحقق في أعداد كبيرة من الحالات. وقد اضطرت الفضائح الكنيسة إلى إقالة عدد كبير من كبار الأساقفة . وفي هونولولو أُدين الأب آرثر أوبراين في عام 1992 في أربعة حالات اعتداء على الصبيان. وكذلك أدين الأب مارك ماتسون في عام 1998، والأب جوزيف بوكوسكي في عام 2005، والأب جيمس جونسالفس في هذا العام. وفي النمسا أضطر الكاردينال هانس هيرمان جرور إلى الاستقالة من منصبه كأسقف عام للكنيسة النمساوية لمحاولته التستر على استغلال الصبيان للحفاظ على سمعة الكنيسة. وفي إنكلترا ظهرت عدة حالات استغلال جنسي للأطفال ارتكبها القساوسة. أما في الولايات المتحدة الأمريكية فلم تسلم مدينة كبيرة من فضائح وإدانات القساوسة لدرجة أن الفاتيكان أضطر لتنحية كبير أساقفة أمريكا الشمالية الكاردينال بيرنارد لو، الذي كان مقرة في بوستن. واستقال عدة أساقفة آخرين في مدن أخرى مثل "بالم بيتش" في فلوريدا. وأعلنت عدة كنائس إفلاسها لعدم مقدرتها على دفع التعويضات للأعداد الكبيرة من االصبيان الذين تضرروا من ممارسات القساوسة. فقد أفلست ابريشية بورتلاند بعد أن دفعت أكثر من 53 مليون دولار. وابريشية تسكون Tuscon أعلنت إفلاسها بعد أن دفعت أكثر من 22 مليون دولار. والأدهى والأمر من ذلك أن الكنيسة الكاثوليكية في أعلى مستوياتها وفي كل الأقطار كانت تعلم بهذا الاستغلال للصبيان وكانت تتكتم عليه وتنقل القسيس مرتكب الإثم من مدينة إلى مدينة أخرى ليواصل اغتصابه. أما في العالم الإسلامي الذي تغلفه السرية فإن عدد الصبيان الذين اغتصبهم المؤذنون والمطوعون فلا يعلم مداه إلا الله، الذي ظل يراقب كل هذا الاشتغلال دون أن يحرك ساكناً. ربما لأنه ندم على ما فعله بقوم لوط.
ثم تحدث السيد أحمد صبري عن آلهة الحرب من النساء فقال: (لقد كنت أتمنى حقيقة أن يبتعد كامل النجار عن هذه الإسقاطات التاريخية التي يبدو أنه يعاني من ضعف فيها، فكل من أفروديت وفينوس هما من منتجات المؤسسات الدينية الوثنية الخاضعة لسيطرة كهنة رجال، كما أن هذه الإلهات لم يكونا آلهة للحب العفيف بقدر ما كانتا تمثلان الإغراء الجسدي، وذلك بعيداً عن حقيقة أن آلهة الحرب في معظم الحضارات كانت آلهة مؤنثة منذ أن اكتشف البشر أن أنثى الأسد أكثر شراسة، ولم ير الجنس البشري حتى الآن أي ديانة ترسل امرأة كمندوبة عنها يمكننا الرجوع إليها، ولا أعتقد في الواقع مع هذه الزيادة الضخمة في نسبة ارتكاب النساء للجريمة في العالم أن الوضع سيكون وردياً في هذه الحالة) انتهى. والسيد أحمد صبري يتهمني بالاسقاطات التاريخية لأنه يعتقد أن أفروديتي وفينوس هما من منتجات المؤسسات الدينية الوثنية الخاضعة لسيطرة الكهنة الرجال. فكل الآلهة من مخترعات المؤسسات الدينية، سواء أكانوا آلهةً في الأرض أو في السماء. والكهنة الرجال يسيطرون الآن، كما سيطروا منذ أيام الديانة الإغريقية على المؤسسات الدينية، ولكن قبل ذلك كانت الآلهة والكهنة من النساء. وحتى مع سيطرة الرجال على الكهنوتية، فإن أعداد الآلهة النساء كان كبيراً ويصعب حصرهن. وحتى في البلاد العربية كانت الآلهة نساء إلى أن جاء الإسلام. وكل هؤلاء النساء لم يكن يمثلن الإغراء الجسدي كما يدعي السيد أحمد صبري. ويدعي كذلك كذباً أن معظم آلهة الحرب كن من النساء منذ أن اكتشف الإنسان أن أنثى الأسد أكثر شراسة. ما هذه الخطرفة عن أنثى الأسد أكثر شراسة؟ أنثى الأسد شرسة إذا اقترب أحد من أطفالها كما أن الأسد أشد شراسةً إذا اقترب أحد من فريسته. فلكلٍ مجاله الذي يظهر فيه شراسته. ويظل الأسد أقوى وأشرس من أنثاه، كما هي القاعدة في كل مملكة الحيوان. أما آلهة الحرب في الميثولوجيا الإغريقية والمصرية والبابلية كن: "سيكميت" في مصر وكانت تحارب قوى الشر، و "أنات" في البابلية، و "ديرقا" في الهند، وقد أعطاها الآلهة الرجال أسداً لتركبه وتحارب به قوى الشر (ونلاحظ هنا أن الآلهة أعطوها أسداً ذكرأ ولم يعطوها لبوة لتحارب عليها)، وفي بلاد اسكاندنافيا كانت الآلهة "فريا" إلهة الحب والموت والحرب، كلها مجتمعة. أما كل بقية الآلهة النساء في كل الديانات القديمة كن آلهة حب وخصب.
وفي النهاية أطلب من السيد أحمد صبري مستقبلاً أن يركز تفنيده على ما أكتب ويتفادى استعمال الكلمات النابية التي إن دلت على شيء فإنما تدل على إفلاس كاتبها.
الحلقة الأولى من رد د. كامل النجار