كتَّاب إيلاف

النخبة والسياسة في العراق الملكي 2-8

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

الحلقة الثانية: الموقف من المعاهدات مع بريطانيا

كانت بريطانيا قد عقدت العزم على توطيد نفوذها في العراق. فعلى الرغم من موقفها من قيام الحكم الوطني، والإعلان عن دعم الخطوات السياسية المتعلقة بالدستورية والديمقراطية، التي لابد أن تكون عليها الحكومة الجديدة. إلا أن البحث عن منافذ للتدخل في الشؤون العراقية، كان الهاجس الأبرز لدى الإدارة البريطانية. وليس أبلغ من الضغوط الحلقة الأولىالتي مورست على الملك فيصل الأول، من أجل الحصول على الموافقة لتوقيع المعاهدة العراقية-البريطانية في 11 تشرين الأول 1922. والذي لم يتوان عن التصريح للمندوب السامي البريطاني، بشدة وطأة بنود المعاهدة، والآثار التي تولدها في نفوس القوى الوطنية (26). إلا أن السعي نحو المعاهدة وشرح مزاياها وفضائلها، كانت مهمة اضطلع بها الملك فيصل الأول، وحرص على تعداد حسناتها: "فالمعاهدة كما هو واضح من نصها، بنيت على أساس المنافع والمصالح المتبادلة. وكما أننا أخذنا على أنفسنا أن نحترم عهود بريطانيا العظمى ومصالحها الدولية فإنها تعهدت بمعاونتنا، واعترفت باستقلالنا السياسي، وباحترام سيادتنا الوطنية.. فالإدارة الداخلية أصبحت منوطة بي، وبحكومتي، وبشعبي... والقوات البريطانية التي كانت مشتركة معنا في المسؤولية، هي اليوم قوة حليف مخلص مؤازر لنا" (27) فحالة التبرير تبدو واضحة في وصف الملك، لاسيما التركيز على مسألة تبادل المصالح، والنظر إلى أهمية المعونة البريطانية، التي ربطها بقضية الاستقلال السياسي والسيادة الوطنية. وهي شعارات طالما رفعتها القوى الوطنية، وكأن بفيصل يوجه كلامه إلى المعارضة مشيراً إلى أن هذا هو الممكن، الذي يمكن الحصول عليه. وبالقدر ذاته حاول الملك التشديد على أن المعاهدة، تمثل تمهيداً لتطلع الدول العراقية نحو البدء بالحياة الدستورية والبرلمانية، للتمكن من الدخول في عصبة الأمم كدولة مستقلة تحظى بالاعتراف من المجتمع الدولي: "ولم يبق علينا إلا أن نباشر بالانتخاب لجمع المجلس التأسيسي ووضع القانون الأساسي، وبذلك تخطو خطوتنا الثانية، ونتقدم إلى عصبة الأمم طالبين، بمساعدة حليفتنا، قبولنا في عضويتها أسوة بسائر الدول، ... قارنين ذلك بالثقة والولاء للأمة والحكومة البريطانية المعترفة الآن وحدها بكياننا السياسي" (28). وإتماماً لأداء الأدوار، بذل فيصل جهوداً كبيرة لشرح أهمية إجراء الانتخابات للمجلس التأسيسي، حيث قام بجولات وزيارات لمختلف مناطق العراق، حاثاً فيها مختلف فئات الشعب، للمشاركة في الانتخابات (29). والواقع أن الملك كان تحت تأثير عاملين شديدي التأثير، تمثلا في الضغوط البريطانية التي أكدت على ضرورة صدور موافقة المجلس التأسيسي على المعاهدة. ورغبات المعارضة الوطنية الرافضة للمعاهدة بشكل قاطع. تأسيساً على ذلك لم يجد فيصل بداً من مواجهة المجلس التأسيسي، وطرح الملابسات المرافقة لرفض المجلس للمعاهدة بصراحة وجرأة. حتى أن الخطاب الذي ألقاه الملك فيصل في المجلس في 9 حزيران 1924، يعد مثالاً نابضاً على الواقعية السياسية. وإذا ما كان الخطاب قد حمل زخماً قوياً من الشحنات العاطفية، إلا أن الأفكار التي حفلت به، كانت في الصميم. قد أشار إلى أهمية اعتراف بريطانيا باستقلال العراق في الوقت الذي أعرضت فيه دول الجوار عن مثل هذا الموقف. ولم يكتم الملك تعاطفه مع موقف المعارضين للمعاهدة، إلا أنه أشار إلى ضرورة تحكيم العقل وذر العاطفة: "وأنتم المسؤولين فأنا أرفع عني المسؤولية وألقيها عليكم ... أنا لا أقول لكم اقبلوا المعاهدة أو ارفضوها إنما أقول اعملوا ما ترونه الأنفع لمصلحة البلاد فإن أردتم رفضها فلا تتركوا فيصلاً معلقاً بين السماء والأرض بل أجدوا لنا طريقاً غير المعاهدة وأنتم ترون أننا في حاجة إلى مال ورجال لنحارب الأتراك ونقاوم الانتداب البريطاني ونقف إزاء الإيرانيين وغيرهم" (30).
لقد تركز الموقف الرسمي من المعاهدة، على أهمية اعتماد الدول الناشئة على مساعدة دولة قوية، بالإضافة إلى تناول قضية المعاهدة من الجانب الدستوري، حيث أشير إلى أن المجلس التأسيسي العراقي لا يملك الحق القانوني لطلب تعديل المعاهدة، بالقدر الذي يمكنه أن يصدر رفضه أو قبوله عليها. فيما كانت التوضيحات تترى حول أهمية الفضل البريطاني على العراق بقبوله توقيع المعاهدة، لاسيما وأن إرادة المبادرة في صالح الطرف القوي، الممثل في بريطانيا فعبد المحسن السعدون، لم يكتم موافقته على المعاهدة انطلاقاً من جملة اعتبارات سياسية، كان أهمها حاجة العراق إلى حليف قوي، يساعده في النهوض وبناء الدولة، ويسنده في مطالبه الوطنية، والتي تمثلت بالمطالب التركية في ولاية الموصل. حتى يخلص إلى القول: "فإننا بنبذها نكون قد أنكرنا المعروف وأضعنا صديقاً نحن في أشد الحاجة إلى معاضدته في موقفنا الحاضر" (31). ومن الملاحظات الجديرة بالعناية، أن رجال الواجهة السياسية كانوا قد أشاروا في جميع خطبهم وتصريحاتهم إلى القيود التي تحويها المعاهدة، إلا أن إمكانات العراق السياسية والمتاح من القدرات لا يساعد على اتخاذ موقف الرفض. فما كان منهم إلا الإعلان بأن المعاهدة تمثل خطوة نحو الاستقلال، حيث أشار نوري السعيد؛ "إن إبرام المعاهدة رغم ما فيها من مضار سيؤدي إلى تثبيت كيان العراق الدولي ويمنحه الاستقلال التام عند انتهاء مدتها" (32).
ولعل النقاط التي أدرجها رئيس الوزراء في المجلس التأسيسي حول المعاهدة، تجلي بوضوح الموقف الرسمي، وتؤكد حالة التمسك بها. انطلاقاً من جملة أفكار، كان أهمها ضرورة الاعتماد على تكوين علاقات ودية مع الأمم الأخرى كشرط أساس ورئيس للاستقلال، ومع عمومية هذه الفكرة. إلا أن التركيز يكون أشد، عند الإشارة إلى: "تأمين استقلالنا وتمكين بريطانيا العظمى من إدخالنا عصبة الأمم كدولة مستقلة ذات سيادة تامة معترف بها من جميع الدول" (33) مع التنبيه إلى أن النظريات والأفكار شيء، والواقع العملي الملموس شيء آخر. ولابد من نظرة واقعية للأمور، حتى تتمكن البلاد من الاستمرار في مشروع بناء المملكة العراقية (34). وعلى الرغم من محاولة الحكومة بجعل مناقشات المجلس التأسيسي حول المعاهدة صورية. إلا أن النواب عبروا عن أفكار بالغة الدقة، حيث أوضح النائب صالح شكارة: "إن المعادة تخص الشعب بأجمعه ولابد أن تتفق آراؤهم مع آراء المجلس فالواجب على المجلس أن يتفاهم مع الأمة على صفحات جرائدها الحرة" (35). وإذا ما كانت التلميحات من قبل الحكومة قد أكدت على عدم إمكانية المجلس التأسيسي من المطالبة بتعديل المعاهدة. فإن بعض النواب حاولوا تقديم مقترحات للالتفاف على الصيغة القانونية، فالنائب داود الجلبي أشار إلى ضرورة ربط التعديلات بالوزارة، وجعل موافقة المجلس مشروطة بإجراءات الوزارة في التعديلات (36). فيما أكد النائب ناجي السويدي، بأن المجلس ليس مجرد صورة بل إن الدور الرئيس المناط به يتمثل في التمثيل الشعبي: "اقترح أن توزع صور لائحة المعاهدة علينا لندققها ونقف على مغزاها وحقيقتها ثم نعلن على الشعب الذي هو الواسطة الوحيدة للبت فيها لنتمكن من الإطلاع على آراء الشعب الذي نحن مجبورون على العمل برأيه وطبق أمانيه ورغباته" (37).
ركزت المعارضة في المجلس التأسيسي موقفها في ضرورة عدم الانسياق وراء الحماسة والشعارات. وفي هذا أشار داود الجلبي: "إن المظاهرات والحماسة لا تكفيان وحدهما لاستحصال الاستقلال، سمعنا الآن ضجة إخواننا العراقيين حول المجلس التأسيسي، ولابد أن هذا يزيد من عزمنا ولكن المظاهرة وحدها لا تكفي" (38). إلا أن هذه الدعوة لم تكن لتمنع النواب أنفسهم من توجيه الخطب الحماسية، حيث قال النائب صالح شكارة: "إن أعطاء زمام البلاد للأجنبي هي خيانة والخيانة تعني خسران الدين والشرف والعيش الحر" (39). أما النائب سالم الخيون فأشار: "فهيهات أن نقبل المعاهدة التي جاءت لتستعبدنا" (40). والواقع أن المواقف الرافضة للمعاهدة والتي أعلنها بعض النواب، سرعان ما تلاشت في خضم الأغلبية البرلمانية المؤيدة لها، تحت ذريعة حاجة العراق إلى حليف قوي يسنده ويدعم مركزه السياسي (41).
حرصت الصحافة العراقية على متابعة المفاوضات التمهيدية للمعاهدة، وأشارت إلى أهمية الاستقلال وخطورة القبول بالانتداب، حيث قالت جريدة المفيد: "عار على العراق أن يقبل الانتداب بل عار وألف عار أن تمنحنا إنكلترا نعمة جلاء الجيش الإنكليزي عن ديارنا لقاء فرض الانتداب" (42). أما جريدة لسان العرب فإنها أكدت على أهمية المحافظة على حقوق العراق واحترام إرادة الشعب مطالبة: "بعقد تضمن استقلال العراق استقلالاً رصيناً كاملاً غير منقوص" (43). وكانت جريدة الاستقلال قد عمدت إلى طرح العديد من الأسئلة، حول أهمية المعاهدة، والمكاسب التي يمكن للعراق أن يجنيها منها. فيما أشارت إلى الضغوط البريطانية التي تمنع العراق من ممارسة حقه السياسي في الانفتاح على العالم دون مشورتها؛ "فبريطانيا إذن تمنع العراق من عقد المعاهدات الدولية من جهة وتتفاوض معه لعقد معاهدة من جهة أخرى" (44).
فرضت التطورات الحزبية آثارها على واقع الحياة السياسية في العراق. إذ كان لظهور الكتل الحزبية في البرلمان العراقي، الأثر الأشد في دعم توجهات الوزارة، من خلال الحصول على الأغلبية في التصويت لصالح القرارات الحكومية، ولعل الموقف الذي اتخذه البرلمان العراقي إزاء معاهدة 1926 العراقية-البريطانية، شاهداً على هذا الواقع. فعبد المحسن السعدون الذي كان يشغل رئاسة الوزارة "26 حزيران 1925-1 تشرين الثاني 1926" ويترأس حزب التقدم ذا الأغلبية البرلمانية، إذ كان يمثله ستين نائباً من أصل ثمانية وثمانين نائباً، عمد إلى التصريح بأن المعاهدة مرهونة بموقف حزب التقدم منها (45). ولم يفت على السعدون أن يوجه خطاباً إلى البرلمان، حاثاً أعضاءه على توقيع المعاهدة الجديدة، نظراً لأهميتها بالنسبة لولاية الموصل. أما في حالة الرفض تكون؛ "مجازفة مخيفة بأقدس جزء من وطننا، ودافع إلى بريطانيا لمصافاة الأتراك" (46). وعلى اعتبار أن المعاهدة لا تحتوي شيئاً جديداً، فقد حث نواب كتلة حزب التقدم على ضرورة الإسراع في التوقيع (47). وبالمقابل كانت كتلة حزب الشعب في البرلمان تقف معارضة لهذا الإجراء، حيث كانت الإشارة إلى أن المعاهدة تتعلق بمستقبل الشعب العراقي، الذي من حقه أن يطلع عليها (48). وقد علقت جريدة الاستقلال على موقف حزب الشعب في البرلمان، حيث وصفته بالتاريخي وأنه درس للأجيال القادمة (49).
كان الحرص الذي أبداه العراق على الانضمام إلى عصبة الأمم. قد حفز الجهود نحو توقيع معاهدة جديدة مع بريطانيا. وبالفعل تطلع الملك فيصل بكل جوارحه نحو المعاهدة، حتى أنه لم يتوان عن وصفها: "عاملاً قوياً في تحسين وضعية البلاد السياسية والمستقبل الاقتصادي" (50). والواقع أن رغبة الملك لم تكن تخلو من غاية سياسية، تركزت حول التخلص من نظام الانتداب والإسراع في إدخال العراق العصبة بمعونة بريطانيا. وإذا ما كانت المعاهدة قد تساوت أو تشابهت مع المعاهدات السابقة، فإن نوري السعيد حاول البحث عن فضيلة يلصقها بها، فما كان منه إلا أن صرح قائلاً: "المسؤولية أصبحت بيد الحكومة العراقية بدلاً من إشراك بريطانيا فيها" (51).
تعرض معاهدة عام 1930 إلى موجة عارمة من الرفض والسخط، قادتها المعارضة الوطنية، التي قررت التوجه إلى إثارة الرأي العام من خلال الصحف. وإذا ما كانت الإشارات تتكرر حول موضوع الاستقلال، فإن معاهدة 1930 لم تأت بأي جديد مختلف عن المعاهدات السابقة حسب توضيح جريدة "صوت العراق" (52). أما جريدة "البلاد" فقد عمدت إلى مهاجمة المعاهدة معتبرة إياها صفقة لإمرار صك العبودية على الشعب العراقي (53). في حين كتبت جريدة "الزمان" واضعة مآخذها على طائفة المبالغين في مزايا المعاهدة؛ "فالحكومة لا تحتاج إلى هذا الدفاع الذي ليس في محله فهي أتت لنا بهذه المعاهدة بعد سعي طويل وهذا ما تمكنت أن تحصله من الإنكليز.. فهي بلا شك سعت وجادلت وصارعت ونتيجة كل ذلك كانت هذه المعاهدة التي عرضتها على الشعب ومن حق الشعب الآن أن يقبلها أو يرفضها كما أنه من حقه أيضاً أن ينتقدها أو يشرحها ويحللها... فالمعارضة هنا لا تكون تجاوزاً على الحكومة أو تحدياً لها" (54). وتوجهت جريدة "العالم العربي" في اسئلة استنكارية تخاطب الإنكليز: "ولكن ما بالكم.. لا تفهمون عدم ارتياحنا من وجود مستعمرين في بلادنا؟ وما بالكم تتعجبون من حبنا للحرية وللسيادة القومية وانزعاجنا من تدخلكم في أمورنا وأمور بلادنا؟" (55).
أجمعت آراء زعماء المعارضة السياسية على أن المعاهدة لم تضف شيئاً جديداً، بل كانت ضرراً على مصالح العراق الاقتصادية، وأنها أطاحت بالجهود الوطنية التي بذلت للخلاص من المعاهدات السابقة. وكان رأي رشيد عالي الكيلاني: "أقل ما يقال عن المعاهدة العراقية البريطانية الجديدة أنها استبدلت الانتداب الوقتي بالاحتلال الدائم. وأباحت لبريطانيا أن تستخدم لمصلحتها دون مصلحته، وأضافت إلى القيود والأثقال الحالية قيوداً وأثقالاً أشد وطأة، فأرى رفضها مع الاتفاقيات الملحقة بها" (56).
وإذا كانت معاهدة 1926 قد شهدت صراعاً حزبياً بين حزب التقدم وحزب الشعب، فإن معاهدة 1930، هي الأخرى قد غدت ميدان صراع بين حزب العهد الذي يدعمه نوري السعيد والحزب الوطني العراقي برئاسة جعفر أبو التمن. حيث عمد الحزب الوطني إلى تحديد موقفه من نوري السعيد وحزب العهد إبان فترة المفاوضات لعقد المعاهدة. من خلال الإشارة إلى: "والحزب يقف إزاء كل ذلك معلناً إلغاء الانتداب المصادق عليه في عصبة الأمم والمنافع المتقابلة بين العراق وبريطانيا هما القاعدة المتينة التي يجب أن تبنى عليها المعاهدة الجديدة التي يجب تنفيذها عند إبرامها، وإنه يرى من الواجب نشر المقترحات أو الأسس قبل تنظيم المعاهدة الجديدة" (57). كما حاول الحزب الاتصال بأقطاب المعارضة الوطنية، حيث عمد إلى حشد الجهود مع ناجي السويدي وياسين الهاشمي، فتم تحرير برقية إلى السكرتير العام لعصبة الأمم. أشارت إلى القيود الثقيلة التي وضعت فيها البلاد: "إننا نشترك مع الأعضاء في رأيهم أن المعاهدة العراقية-البريطانية الأخيرة لا تضمن للعراق استقلاله التام، بل إنها تفسح المجال لبريطانيا لاستغلال بلادنا حسب ما تقتضيه أغراضها الاستعمارية. إننا نرفض دخول العراق عصبة الأمم كدولة استقلالها مقيد وغير مطلق" (58).
كان للتطورات السياسية التي شهدتها البلاد، أثرها في تحفيز نخبة من رجال السياسية لتأسيس حزب معارض يمكنه مواجهة حزب العهد. فكان الإعلان عن تشكيل "حزب الإخاء الوطني". إلا أن قلة العدد جعلتهم يتوجهون للتحالف مع الحزب الوطني العراقي، فكان التوقيع على وثيقة التآخي في 23 تشرين الثاني 1930، حيث أشار البند الأول من الوثيقة؛ "إن المعاهدة فاسدة وجائرة يجب تعديلها" (59). والواقع أن التآخي بين الحزبين قد أدى ثماره، عبر التنسيق في المواقف حول المعاهدة، فالحزب الوطني أشار إلى إقدام الوزارة على عقد المعاهدة ما هو إلا خرق للقانون الأساسي وتجاوز سافر لإرادة الشعب، ومثال واضح على سوء استخدام السلطة (60). ولم يكتف الحزبان المتآخيان بإعلان موقفهما إزاء المعاهدة عبر البيانات والاجتماعات، بل حثا الجهود نحو البحث عن حليف أشد ضراوة وقوة. فكان الخيار قد وقع على ضرورة التحالف مع العشائر في منطقة الفرات الأوسط للضغط على وزارة السعيد (61). وهنا لابد من الإشارة إلى السياسيين الذين وقفوا بكل قوة، وعبروا بكل ما لديهم عن رفض المعاهدة ووسموها بأبشع النعوت. سرعان ما تغيرت مواقفهم إزاءها، بعد أن بلغوا السلطة. وليس أبلغ من موقف مزاحم الباجه جي الذي تخلى عن موقفه، وأعلن قبوله لمنصب وزير الاقتصاد والمواصلات في وزارة السعيد (62). فيما كشفت التطورات اللاحقة تخلي سياسيين آخرين عن موقفهم. إذ تناسى حزب الإخاء منطوق وثيقة التآخي، بعد أن عرض منصب رئاسة الوزارة على رشيد عالي الكيلاني عام 1933، مما أدى إلى فض وثيقة التآخي. ولم يختلف موقف جعفر أبو التمن الذي انضم لوزارة الانقلاب عام 1936. وقد برر رجال السياسة هذا العمل، إلى أن المعاهدة قد أضحت وثيقة دولية لابد من احترامها والسير بموجب بنودها (63).

الهوامش:
26 - عبد الرزاق الحسني، كيف تكون العراق الحديث، مجلة آفاق عربية، تشرين ثاني 1991، ص39.
27- قرارات مجلس الوزراء تشرين أول- كانون أول 1922 "سري"، مطبعة الحكومة، ص ص 70 - 71.
28- جريدة العراق، 13 تشرين أول 1922.
29- جريدة العاصمة، 22 أيار 1923.
30- جريدة العالم العربي، 10 حزيران 1924.
31- جريدة العراق، 25 أيلول 1923.
32- جريدة العراق، 17 نيسان 1924.
33- مذكرات المجلس، ج1 ص ص 31- 32.
34- نفس المصدر.
35- مذكرات المجلس، ج1 ص 124.
36- مذكرات المجلس التأسيسي، ج1 ص 279.
37- المصدر نفسه، ص 33.
38- نفسه، ص 279.
39- نفسه، ص 317.
40- نفسه، ص 331.
41- نفسه، ص 273.
42- جريدة المفيد، 12 مايس 1922.
43- جريدة لسان العرب، 12 مايس 1922.
44- جريدة الاستقلال، 24 مايس 1922.
45- عبد الرزاق الحسني، تاريخ الوزارات، ج2 ص34.
46- جريدة العالم العربي، 17 كانون ثاني 1926.
47- جريدة الوقائع العراقية، 4 شباط 1926.
48- جريدة الوقائع العراقية، 7 شباط 1926.
49- جريدة الاستقلال، 13 كانون ثاني 1926.
50- جريدة الاستقلال، 22 أيار 1930.
51- جريدة البلاد، 11 تموز 1930.
52- جريدة صوت العراق، 4 تموز 1930.
53- جريدة البلاد، 21 تموز 1930.
54- جريدة الزمان، 11 أيلول 1930.
55- جريدة العالم العربي، 28 آب 1930.
56- عبد الرزاق الحسني، تاريخ الوزارات العراقية، ج2 ص ص 52- 54.
57- جريدة العالم العربي، 12 نيسان 1930.
58- جريدة نداء الشعب، 24 تشرين ثاني 1930.
59- جريدة نداء الشعب، 23 تشرين ثاني 1930.
60- جريدة الإخاء الوطني، 4 أيلول 1931.
61- محمد مهدي كبة، مذكراتي في صميم الأحداث، ص 49.
62- جريدة صدى الوطن، 7 كانون ثاني 1931.
63- عبد الرزاق عبد الدراجي، جعفر أبو التمن ودوره، ص 299.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف