ائمة الجعفرية إختصاص بعلم المنايا والبلايا 3
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
الحلقة الاخيرة
قراءة في الدلالات البعيدة
ينتمي هذا الباب إلى باب أوسع وأخطر و أكثر إيغالا بالخيال، ذلك هو ( علم الإمام ) الذي بموجبه كما تقول بعض الروايات ا لموروثة عن أهل البيت عليه السلام، بأن إئمة الجعفرية يعلمون كل شي، كل شي، على الإطلاق، بلا إ ستثناء، يعلمون ما في السما وات والأرض من قوانين وأسرار وخفايا، يعلمون عدد الرمال والحصى، يعلمون عدد أنفاس الخلائق، ولكي تخفف هذه الروايات المزعومة عن صدمة القارئ يقولون أن ذلك بإ ذن الله تبارك وتعالى، وبتعليمه وإيحائه ورفده. والذي يخفف الخطب أن هذه الروايات، أي الروايات التي تتحدث بهذه السعة الشمولية لعلم إئمة الجعفرية الكرام، أئمتي الذين ذبت فيهم حبا وهياما، إن هذه الروايات تبلغ كما جاءت في الجزء السادس والعشرين من كتاب البحار للمجلسي، تبلغ ( 149 ) رواية، وكما يقول الشيخ محسن آصف العالم الرجالي الشهير [ فيه (أي باب علومهم وسائر فضا ئلهم ) 149 رواية ومصدر معظم روايات الباب هو ( بصائر الدرجات ) للصفار الثقة رحمه الله، وتقدم ــ في المقدمة ــ أن النسخة الموجودة عند المؤلف ــ أي المجلسي ــ لم تصل إليه بالسند المعتبر المتصل عن المؤلف... ) / مشرعة البحار 1 ص 465 / ولذلك لا يستبعد أن الكتاب مختلق أو إن لم يكن مختلق قد أ ضيف إ ليه وحذف منه، تم التلاعب في مضامينه، ومن هنا تكثر في روايات الباب صيغ التمريض السندي مثل ( عمّن رفعه، عن أحد أ صحابنا، عن رجل، عن أحد ثقاتنا ). على أن الشيخ محمد باقر البهبودي في كتابه ( صحيح الكافي ) الذي اضطر لتسميته في طبعته الثانية ( زبدة الكافي ) حذف بالتمام الباب الذي نحن بصدده، أي الباب الذي يتحدث عن علم أئمة الجعفرية عليه السلام با لمنايا والبلايا، مما يدل على ضعفه كله عند هذه العلامة المحقق.
الذي يثير حقا أن علم الإئمة الجعفرية ظهر بارزا، ومؤثرا، وكانت له مستحقاته الهائلة في الفقه والحكمة والأخلاق والسياسات ربما، ولكن علم هؤلاء الأطهار بالمنايا والبلايا لم نجد له أثرا، لا تعليميا ولا واقعيا ولا سجاليا. وما قيل أنهم أنبأوا فلانا وفلانا عن قرب موته، روايات شحيحة هنا وهناك، وكلها مخدوشة، وسوف أرجع إ ليها في فرصة سانحة إن شاء الله تعالى.
لست مستعدا ان ادخل في سجال عن هذا العلم على طريقة الممكن والمستحيل، وقضايا الا نكشاف وا لكشف وما شابه ذلك من هذه المصطلحات التي عقدّدت ذات الفكرة، بل التي زادت من التشكيك بها، فهي معرفة لاحقة كما هو معلوم، دخلت محاريب الغيب والمجاهيل الروحية، وإنما أتحدث عنه بلحاظ رواياته والمحيط الذي خلقته، وظروفه، والحاجة إليه، وسعة المديات الذي خلقته وأوجدته.
إن مثل هذا العلم المزعوم يخلق سطوة روحية، وليس أنسا روحيا، فأنت تقف خائفا مدهوشا أمام الذي يعرف لحظة موتك، وعدد ثواني عمرك، ولست أدري هل هذا العلم المزعوم حاضر بكله مرة و احدة في روح الإمام أ م هو وليد لحظته، يتوالى لحظة بعد لحظة أم هو بالقوة وليس بالفعل، يخرج من القوة إلى الفعل في حساب دقيق، ودقة محسوبة الأثر، مضبوطة العطاء ؟
إنه علم السطوة الروحية، وليس علم الأنس الروحي، ليس هو العلم الذي يجعلك تتعامل مع الأمام قدوة وأسوة وحبا وعشقا وتفانيا، بل هو العلم الذي يجعلك تتعامل مع الأمام وكأنه رقيب عليك، حاضر في يقظتك ومنامك، يتسلط على هواجسك، يعلم ما يدور في ضميرك، يجوب في أفياء أمنياتك ورغباتك واشواقك وأحزانك وأفراحك.... وبالفعل هذا هو الذي نستشمه من بعض الاخبار المكذوبة على هؤلاء الذي هم أطهر بشر على الارض بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فهناك من الروايات ما يقول أن أحدهم يعلم ويسمع كل شي وهو في بطن أ مه.
إنها محاولة إرعاب منظمة، محاولة سد الافواه، وخلق أتباع طائعين بلا سؤال، أختلقها محسوبون على الإئمة الكرام، الذين هم أقر ب الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، طرائقنا المأمونة إلى محمد ومن ثم الله تبارك وتعالى.
ولكن هذا لا يبعد أن هناك محاولة سرية لتخريب فكر الإئمة الجعفرية بأضافة مثل هذه المزا عم إلى متونه الحكمية واالتشريعية والأخلاقية، التي تميزت بالبساطة والشفافية والنور، وهناك رواية صحيحة يتداولها علماء الشيعة تفيد أن ا لغلا ة تمكنوا من سرقة الكتب الروائية الصحيحة المروية عن أهل البيت ودسوا فيها مسانيد صحيحة لمتون مشبوهة ! ولي عودة إن شاء الله إلى تاريخ الوضع على سنة هؤلاء الاطهار الابرار.
لا أستبعد ــ وربما أعود لدراسة هذه النقطة، وإنما هي هنا مجرد تصور مطروح ــ إن هناك محاولة أيضا من قبل بعض المحسوبين على الإئمة الاطهار للتعويض عما لحقهم من ظلم وحيف، ظلم على مستوى الارض، وحيف على مستوى المادة، فعوضوا لهم عن حظ سماوي، حظ روحي، فمقابل هذا العنت الذي لحق أهل البيت عليهم السلام لهم هذا العلم المدهش، وهل هناك أكثر دهشة من علم بأعمار البشر، وساعات موتهم، وكيفية موتهم ؟ فهي عملية تعويض ( روحي ) عن حرمان أ و إضطهاد أرضي،أختلقته بعض الشخصيات الشيعية المحبة، و الحب يصنع كل شي، بما في ذلك باطل التوصيف، ومزخرف التنعيت، ومن هنا أقول وأصر على القول بأن الإنسان قد يكون ثقة، ولكن حبه وعشقه وهيامه بشخص ما قد يحيد به عن هذه الثقة الموضوعية، من حيث لا يشعر، ومن حيث لا يدري، فتراه يصدق ما لا أنس به عقل، ولا مال إليه طبع سليم.
كانوا يعلمون علم المنايا والبلايا !!
هل هي عملية تماهي لما مرَّ على هؤلاء الكرام من بلايا ومنايا تسارعت تأكل أهليهم وذويهم وأبنائهم جماعات جماعات، بدون رحمة، على وقع من الزمان الذي لا تتقاسم مروره فترات متباعدة ؟
شيوخ وشباب وأطفال، رجال ونساء، أصليون وأتباع، بالسيف والسم والسجن، بسبب ومن دون سبب، من القريب ومن البعيد ؟
عملية إختلقتها نفوس مترعة بحب هؤلا ء الحر الأطياب ؟
هل هي عملية تماهي مع تأصيل الحزن الجعفري الذي تواصل من دون فكاك، لا يلوي على تعليل سوى أنه إنتماء طاهر لبيب لذوي شأن من طهارة الروح مشهود لها بالحس قبل العقل ؟
هل هي إعتمالات نفوس تستعرض تاريخها المهموم بتثقالات الموت رغما عن أصحابها على أ يد باتت لا تستريح إلا بإعمال سيف الحقد في أشرف الخلق ؟
كل ذلك ممكن، ومثل هذه الحيوات تحث الذات من داخلها على الاستقواء على هضيم حق الحياة ــ و هو حق كل الناس ــ بخلق عالم آخر، يوازي الحرمان المحسوس، بنعيم غير محسوس، بل يتعالى عليه، ويستجلب عجب الناس فيما أصحابه يعانون من لعنة الزمن.
لماذا تتعاظم المزاعم الروحية ذات التواصل مع الأفاق الخارجة على المألوف على يد فقراء الناس، ومن يعيشون خائفين على حياتهم دونما لحظة شعور با لسلام ؟
هل هي إيحائات تتوالى على خواطر أصحابها من استعراض دماء الجمل وصفين والنهروان، فكان العلم بالمنايا تعبير عن ثمرة تجود بها ما تتشبع به مجريات الزمن من علائم وحوادث وبلاء، وكان الموت هو سيد التاريخ في تلك الاحقاب ؟
دعونا من هذه ( العلوم ) ويمموا وجهوكم صوب ما أتحفنا به هؤلاء الاطياب من غذاء الروح، ومن روح سلسلة تتعامل حتى مع الاعداء بعلو هامة وطيب لقاء عند مقدرة تفوق بمنسوبها من القوة ما كان عليه الاعداء، ولكن العفو عن المقدرة كما قال سيدهم العظيم.
دعونا من علم المنايا والبلايا وعلم الأنساب، هذا العلم الباطل المبطل، وخذوا بأيدينا إلى فقههم الذي لم يميز بين أسود وابيض، ولم يميز بين مسلم ومسلم، ولم يحرم ذ بيحة مسلم، ولم يفت بقتل مسلم، ولم يرض بخيانة مسلم، ولم يبح لمسلم أن يغدر بمسلم حتى إذا بانت عليه معالم الغدر، وحتى لو كان وراء ذلك أحقاق حق وإ بطال باطل.