كتَّاب إيلاف

صور من شبابهم (3): المناطق السيئة السمعة

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

صور من شبابهم:

الحلقة الثالثة: د. احمد ابراهيم الفقيه (ليبيا)

بدأت الحياة العملية مبكراً، وفي سن العشرين من عمري كنت أسافر سفر سياحة أخلطه أحياناً بكتابة رسائل وانطباعات صحفية، فتجربة السفر والمغامرة التي تصاحب السفر كانت

لكل منا فترته الشبابية سواء كانت مليئة بالشمس أو بالحزن، فهي تبقى حاسمة في ذاكرتنا ومليئة بأحداث وأحلامٍ، بعضها استطعنا التعبير عنها عند الكبر وتجاوزناها، وبعضها بقي طي النسيان، لم تسنح الفرصة أن نرويها... ربما لأننا لم نجد الوقت الكافي للعودة إلى تلك السنوات الشبابية البعيدة وندون ما عشناه من تجربة حاسمة، إما لأننا نشعر بالخجل من سردها على العام... أو لأننا لم نجد المكان الإعلامي الحر الذي يسمح لنا ايصال حكمة تجربة بعيدة إلى اقرأ الحلقة الأولى:
أكبر عدد من شبيبة القراء... ومن هنا أرادت "إيلاف" أن تزيل بعض هذه الأسباب بتخصيص مساحة، يميط اللثام فيها هذا المفكر وذاك الأديب... عن تجربة شخصية كانت حاسمة في شبابه وبقيت في أعماقه لم يتكلم عنها ويود اليوم إيصال حكمتها إلى شباب اليوم عن طريق إيلاف، بمقال... لا يتجاوز أكثر من 2000 كلمة. وقد توجهنا إلى عدد من الشخصيات الكبيرة فكرا وسنا لكي يسرد كل منهم ما بقي طي القلب، ويعتقد أن في بوحه حكمةً لشباب اليوم. وسننشر كل ثلثاء تجربة بعيدة من شباب شخصية معروفة...

جزءاً أساسياً من تجاربي الشبابية وقد صبغت الرحلات الكثيرة التي قمت بها الى بلاد العالم المختلفة تلك المرحلة العمرية بالوانها الزاهية الجميلة برغم ما خالطها من رعونة وعدم حذر واحتراس.
وهذا فعلاً ما أردته أن يكون موضوع هذه الاسطر من استذكار مرحلة الشباب فقد كنت أذهب الى مناطق دون أن أعرف شيئا عنها ولا أكتشف الا بعد رحيلى عنها أنني كنت في منطقة موبوءة بالاجرام مثلاً وهذا ما حدث معي أكثر من مرة. فقد وجدت ذات رحلة أن السفينة التي ستقلني من مالطا الى اسطنبول، ستقف في نابولي لتسلمني الى سفينة أخرى هي التي ستقلني الى هناك، ولعلني عرفت منذ البداية أنني ساحتاح الى البقاء اسبوعاً في نابولي قبل أن استئناف رحلتي على الباخرة الجديدة، لانني كنت أرحب بايام اقضيها في محطة على الطريق، وقررت رغم مواردي المحدود اهدار بعضها في هذه المحطة، التي هي نابولي، ولم أكن أسال وأنا هناك عن المناطق الامنة أو غير الامنة، كنت فقط أسال عن أرخص الفنادق التي يمكن أن تأويني لمدة اسبوع باقل ما يمكن من النقود، ولم يكن مثل هذا الفندق متوفراً الا في احدى المناطق الفقيرة في واحد من أحياء المدينة االقديمة. وعندما وصلت الى هناك اندمجت قي حياة السهر والترفيه التي تتيحها تلك المنطقة بملاهيها ومراقصها وحاناتها وبيوتها المفتوحة لزبائن المتعة، بل واندمجت في بعض الحلقات الشبابية التي تنتظم في الملاهي أثناء الليل وتنتقل بسهرتها بعد ذلك الى البيوت فكنت مساقاً الى هذه الحياة المفتوحة التي يجدها شاب صغير قادم من مجتمع صحراوي شديد التزمت والانغلاق، دون حذر أو احتراس أو انتباه الى انني أتحرك وسط عصابات وحلقات من القوادين واللصوص وتجار الرذيلة، ولم أنتبه الى ذلك الا عندما كنت أجد علامات الاندهاش والاستغراب تنطبع فوق وجوه الايطاليين من رفاق رحلة السفر الى اسطنبول، وكان بعضهم من أهالي نابولي نفسها يستغربون لي كيف قضيت هذه الايام السبعة في مثل هذه المناطق السيئة السمعة المشهود لها بانها تضرب الرقم القياسي في معدلات الجرائم والتي يخشى رجال الشرطة أنفسهم الدخول اليها وخرجت سليماً معافي دون أن أتعرض للسرقة أوالاذى.
ورغم انني كنت محظوظاً وقد انقذتني العناية الالهية من عواقب هذه الرعونة فقد كنت أندم لانني تخليت عن أهم شيء يجب للمسافر ألا يتخلى عنه وهو الحذر والاحتراس، وتأتي رحلة أخرى ليتبخر الندم وأجد نفسي أكرر نفس الخطأ واقع ضحية الانسياق وراء الفضول والبحث عن المتع الرخيصة في أحياء اكثر رخصاً وإبتذالا.

انظر:

(1) العفيف الأخضر: خالي والهجرة صنعاني

(2) سميحة خريس

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف