كتَّاب إيلاف

الكويت والخليج: خارطة طريق للدخول الى الحداثة

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
الحلقة الثانية "كن قطعا حديثا" (رامبو) الحداثة في المخيال البشري الجمعي تعني حتمية التطور الأبدي من القديم إلى الجديد، وحتمية أن يصبح كل جديد، بعد حين، قديما... "كن قطعا حديثا"، هذا الأمر الشعري هو اليوم شعار غالبية سكان المعمورة. لم تعد المدرسة القديمة، والتشريعات القديمة، والاقتصاديات الحلقة الأولى القديمة، والعلوم القديمة، والتديّن القديم، والعلاقات القديمة بين الرجل والمرأة، والعامل ورب العمل، والدول بعضها ببعض وبين الإنسان والطبيعة صالحة للقرن الحادي والعشرين. الأزمة المالية العالمية، التي هي بصدد التحول إلى أزمة اقتصادية عالمية، والأزمة الايكولوجية العالمية القادمة والأكثر خطورة بما لايقاس، يتطلبان من البشرية تغيير الذهنيات القديمة، في الإنتاج والاستهلاك، بذهنيات حديثة.
كما كانت الحداثة، في نظر رامبو، المخرج الوحيد من جحيمه. يبدو أيضا للكويت وشعوب مجلس التعاون الخليجي، وشعوب الجامعة العربية وشعوب منظمة الوحدة الإسلامية هي أيضا المخرج الوحيد من جحيم القدامة الكلية الحضور في واقعهم وفي ذهنياتهم للالتحاق بالحقبة المعاصرة التي لا خيار فيها لأية أمة إلا ان تكون حديثة أو لا تكون. إلى متى يظلون أسرى التردد بين ماضيهم الذي يصرّ على أن لا يمضي ومستقبل العالم الذي يداهمهم كل لحظة في عقر دارهم؟ إلى متى يبقى مفهومهم للزمن تكراريا واجتراريا، ما كان يجب أن يكون ولا جديد تحت الشمس، كما عبرت عن ذلك "لجنة الشريعة" في مجلس الأمة الكويتي والحال أن كل شيء يتغير إلا قانون التغير؟ ويتغيّر بسرعة جنونية فيها الوعد وفيها الوعيد. الوعد والوعيد ملازمان للشرط الإنساني منذ أن كان قردا إلى أن تطور إلى بشر شبه سوي. تطوره لم يكن حتمية بيولوجية بل مجرد إمكانية. انقراضه كان ممكنا على غرار الديناصورات وألوف الأنواع الحية الأخرى. ومازال ممكنا بكارثة نووية أو ايكولوجية مثلا. لم يستمر الإنسان حيا إلا لأنه كان في كل مرة يجدد نفسه بإعادة اختراع نفسه. المهم لشعوب لم تجرب الدخول في مغامرة الحداثة أن تتشجع فتغامر بالدخول فيها. الخطوة الأولى هي التعلق بالقيمة الاستعمالية لأشياء العالم والتخلي عن قيمتها الرمزية، الوحيدة المهمة عند "اللجان الشرعية" والقبائل البدائية التي تضحي بالتنمية من أجل الرموز!
اليكم خارطة طريق للدخول إلى الحداثة. حظ دول مجلس التعاون الخليجي مع الحداثة سيء. الكويت والبحرين ابتدأتا، من حيث كان يجب أن تنتهيا، بالحداثة الديمقراطية والحال أنها، كما تحققت تاريخيا، هي المرحلة الأخيرة فيها؛ والبعض الآخر، يقاوم الدخول اليها، والبعض يقدم رجلا ويؤخر أخرى. يبدو أن دولة الامارات هي التي بدأت البداية الصحيحة، كما قال لي الأستاذ عثمان العمير، فقد أصلحت وحدّثت تعليمها وأنشأت "قرية دبي للمعرفة" التي تحتضن 20 جامعة غربية وعالمية. وكذلك فعلت قطر التي أسست مدينة جامعية استضافت فيها عدة جامعات أمريكية وأوروبية معروفة، وكلية الشريعة فيها التي تديرها امرأة حديثة هي د. الشيخة عبدالله المسند، والتي لا تضاهيها في حداثتها إلا الجامعة الزيتونية في تونس. لذلك شن إسلاميو قطر بما هم، كباقي بني فقههم، أعداء الحداثة المناضلون، الحرب على أمير قطر، كما جاء في اليومية الفيغارو.
المادة الأولى في خارطة طريق الحداثة هي التكيف مع العالم بدلا من إعلان حرب دونكيشوتية عليه. التكيف معه يتطلب الإجابة على سؤال: في أي عالم نعيش؟ إجابة لا تقدمها إلا المعاهد العلمية المتخصصة في صناعة القرار، القادرة وحدها على صنع قرار حديث يعرّف المصلحة القومية لكل بلد تعريفا صحيحا. ماذا تتطلب هذه المصلحة المُعرّفة تعريفا صحيحا؟ تعليما حديثا في مناهجه وطرق تدريسه وعقول مدرسيه. المدرسة الحديثة كفيلة، خلال جيل - 20 - 25- عاما - بتكوين نخب حديثة واعية بالمشاكل الحقيقية لبلدانها وللعالم الذي تعيش فيه؛ لأنها ستكون قد درست جميع المعارف الحديثة بما فيها الفلسفة، وحقوق الإنسان ونظرية التطور التي ما زالت العنصرية ضد الذات تمنع دول الخليج من تدريسها؛ إنشاء واستقبال الجامعات الحديثة. فما هي الجامعة الحديثة في القرن الـ21؟ هي القادرة على المنافسة العلمية مع أفضل جامعات العالم. وحتى تكون كذلك يجب تحريرها من رقابة "اللجان الشرعية" و"المطاوعة" و"الحرس الثوري" وكل حراس معبد القدامة، وتمكينها من الحريات الأكاديمية التي هي عنصر حاسم من عناصر جودة التعليم الجامعي. وهي كما عرّفتها منظمة اليونسكو: حرية التعليم والنقاش، والصرامة الأكاديمية، وحرية البحث، وحرية الأصول إلى مصادر المعلومة، وحرية المشاركة في اللقاءات الفكرية والعلمية في الداخل والخارج؛ حداثة القوانين لإحلال القانون الوضعي والعقلاني محل القوانين الشرعية واتخاذ قوانين الأحوال الشخصية التونسية نموذجا لتحديث شرط المرأة؛ إصدار قوانين حديثة للجنسية لإثراء بلدان الخليج بالكفاءات المستوردة. رؤوساء الجامعات الأمريكية يعاينون باعتزاز بأن النخب الأمريكية ذات الأصول الأسيوية والملونة ستتفوق عدديا على النخب الأمريكية البيضاء؛ إصدار قانون حديث للهجرة يعطي للعمال المهاجرين حقوقهم التي يعترف بها لهم القانون الدولي بدلا من معاملتهم كالعبيد القدامى بل كالحيوانات كما هو الحال الآن؛ إصدار مجموعة قوانين حديثة للإعلام المكتوب والسمعي البصري؛ الإعلام الحديث والحر أفضل من 100 برلمان منتخب تطالب غالبية أعضائها بتعطيل التنمية وإبقاء المرأة رازحة في أغلال الشريعة، والعقل البشري مختنقا تحت رحمة رقابة الفقهاء؛ تشجيع نقابات وجمعيات المجتمع المدني الحديث على أنقاض المجتمع الأهلي الحالي الذي يشكله شيوخ العشائر وشيوخ السلفية. فقط تعليم حديث، وإعلام حديث ومجتمع مدني حديث كفلاء بتحديث الذهنيات، الذي هو رهان كبير من رهانات الحداثة، وبتكوين الفرد الحديث الذي قامت على كاهله الحداثة على أنقاض عضو القبيلة الذائب في عاداتها وتقاليدها وذهنيتها العتيقة القائمة على رابطة الدم: "أنا وأخي على ابن عمي، وأنا وابن عمي على الغريب" الذي هو القبيلة المجاورة. هذه الحداثة الأولى هي التي تمهد للحداثة السياسية، الديمقراطية، التي توسع وتعمق الحداثة وليس العكس.

الحلقة المقبلة: شرعية الحداثة أقوى من شرعية "الديموقراطية"

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
الحقيقة والنقاش
خوليو -

كيف يستطيع الإنسان أن يصل إلى الحقيقة دون نقاش وجدال ؟ مستحيل ، والنقاش يجب أن يشمل كل شيئ: من سبب الوجود حتى الموت ، وطالما هناك من أمر الإنسان بعدم النقاش، فكيف ستبدأ الحداثة؟ والقصة تعود في منطقتنا لبدء نشر الدعوة في مكة: وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فاعرض عنهم حتى بخوضوا في حديث غيره وأما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين(الأنعام 68)، فإذا كان ممنوع النقاش وممنوع الجلوس فكيف سنصل للحقيقة،؟ في الدول المتقدمة أزالوا هذا المنع فدخلوا الحداثة، دول الحليج تمر بطفرة مالية آيلة للزوال وستعود حداثتها لمربعها الأول بعد زوال الطفرة المالية، لم يسمحوا للجلسات بعد، الحداثة والتغيير يا أستاذ العفيف يبدءان بالسماح بالجلسات وبدء النقاش النقدي بدون محظورات، وهذا غير متوفر ولن يتوفر في الزمن القريب فهناك منع سماوي يكرسونه، ويسمون النقد مهاجمة.

الحقيقة والنقاش
خوليو -

كيف يستطيع الإنسان أن يصل إلى الحقيقة دون نقاش وجدال ؟ مستحيل ، والنقاش يجب أن يشمل كل شيئ: من سبب الوجود حتى الموت ، وطالما هناك من أمر الإنسان بعدم النقاش، فكيف ستبدأ الحداثة؟ والقصة تعود في منطقتنا لبدء نشر الدعوة في مكة: وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فاعرض عنهم حتى بخوضوا في حديث غيره وأما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين(الأنعام 68)، فإذا كان ممنوع النقاش وممنوع الجلوس فكيف سنصل للحقيقة،؟ في الدول المتقدمة أزالوا هذا المنع فدخلوا الحداثة، دول الحليج تمر بطفرة مالية آيلة للزوال وستعود حداثتها لمربعها الأول بعد زوال الطفرة المالية، لم يسمحوا للجلسات بعد، الحداثة والتغيير يا أستاذ العفيف يبدءان بالسماح بالجلسات وبدء النقاش النقدي بدون محظورات، وهذا غير متوفر ولن يتوفر في الزمن القريب فهناك منع سماوي يكرسونه، ويسمون النقد مهاجمة.

خارطة الطريق للحداثة
كركوك أوغلوا -

وبدونها لايمكن اللحاق بركب الحضارة والأنتاج والأبداع ؟؟!!..

و هل دخلت أنت؟
سمير -

إلى الأستاذ صاحب المقال، أراك حانقا على الدين الإسلامي و التقاليد، و كأنهما السبب وراء عدم دخولنا الحداثة، أذكرك بأننا قدنا العالم لقرون، و أن متأكد أنه في تلك القرون لما كان الغرب يتخبط في ظلام الجاهلية كان هناك قوم يضربون المثل بالدين الإسلامي و بالمسلمين و كيف لهم أن يلتحقوا بالركب. راجع نفسك أنت و خوليو هذا...

خارطة الطريق للحداثة
كركوك أوغلوا -

وبدونها لايمكن اللحاق بركب الحضارة والأنتاج والأبداع ؟؟!!..

كلام فارغ
ahmed -

تعرف يا خوليو المسكين و من هم على شاكلتك أن مثل هذه الآيات نزلت خصيصا لكم. فالدين نهى عن الخوض في الكلام الفارغ و من يقعد معكم فكأنما يظلم نفسه...

كلام فارغ
ahmed -

تعرف يا خوليو المسكين و من هم على شاكلتك أن مثل هذه الآيات نزلت خصيصا لكم. فالدين نهى عن الخوض في الكلام الفارغ و من يقعد معكم فكأنما يظلم نفسه...

تعليق
!!!!!!!! -

دخل العالم الغربي إلى الحداِثة بأمران متصلان لاثالث لهما: الأول: سيادة القانون فوق الجميع والثاني هو التطور اللغوي حيث قضت الحداثة على الحشو. الحشو ياسادة ياكرام معروف في مايكتب في الفضاء المعرفي العربي حيث يلعب مايسمى بالمثقفين دوراً هداماً بثقافتهم الضحلة التي هي منعكسة في كتاباتهم الدون مستوى. تذكر سيادة القانون وكيف أن ذلك أدى إلى لغة دقيقة علمية تصف كل شيئ وكل حالة. تجمدت اللغة العربية، وتطورت اللغة الإنجليزية لترى فيها وصفاً دقيقاً لكل شيء، من المشاعر إلى الآلات والمكنات. أين أنتم ياأهل اللغة القديمة من هذا العصر. لهذا العصر مصطلحاته كحقوق الإنسان والفردية ومن هنا نتعلم ماهو التقدم.

الحداثة المرفوضة
اوس العربي -

الحقيقة اننا مع الحداثة لان الاسلام بذاته حداثه لانه اعلن الحرب على القديم على الجاهلية وشرائعها وتقاليدها وثقافتها وعباداتها ودعى الناس الى ترك عبادة الاوثان والاصنام والاقانيم والصور والتماثيل وجرد العبادة لله الواحد الاحد ، لكن الحداثة التي يدعونا اليها الكاتب هي القطيعة مع ديننا الاسلامي مع تراثنا العظيم الذي يقدر بسبعة ملايين مخطوطة لم يحقق منها الا بضعة الاف انه يدعونا الى الحداثة التي تذيبنا في الاخر فنغدو ظلا باهتا ازاءه

تعليق
!!!!!!!! -

دخل العالم الغربي إلى الحداِثة بأمران متصلان لاثالث لهما: الأول: سيادة القانون فوق الجميع والثاني هو التطور اللغوي حيث قضت الحداثة على الحشو. الحشو ياسادة ياكرام معروف في مايكتب في الفضاء المعرفي العربي حيث يلعب مايسمى بالمثقفين دوراً هداماً بثقافتهم الضحلة التي هي منعكسة في كتاباتهم الدون مستوى. تذكر سيادة القانون وكيف أن ذلك أدى إلى لغة دقيقة علمية تصف كل شيئ وكل حالة. تجمدت اللغة العربية، وتطورت اللغة الإنجليزية لترى فيها وصفاً دقيقاً لكل شيء، من المشاعر إلى الآلات والمكنات. أين أنتم ياأهل اللغة القديمة من هذا العصر. لهذا العصر مصطلحاته كحقوق الإنسان والفردية ومن هنا نتعلم ماهو التقدم.

تعليق
ناطق فرج -

أرى بوادر تفتق وعي عند أوس العربي. أنا سعيد بتعليقه هذا. الرجل بدأ يستخدم العقل بدل النقل. لقد أعجبته فكرة الحداثة ويبدوا أنه انبهر بها.. وهنا أقول أن الفكر الاسلامي كان حديثا بالمقارنة مع ما كان عليه المجتمع آنذاك، إلا أنه بحاجة إلى تفسير يتناسب والعصر الحالي. وهنا أتسائل ماذا عنى أوس العربي بـ ((اننا)) حين قال: الحقيقة اننا مع الحداثة؟ مَنْ هم ((اننا))؟ هل هو / هم حزب الاخوان الذي ينتمي إليه؟ أم حزب اسلامي آخر؟ وما الذي يخشاه هؤلاء من الحداثة؟

تعليق
ناطق فرج -

أرى بوادر تفتق وعي عند أوس العربي. أنا سعيد بتعليقه هذا. الرجل بدأ يستخدم العقل بدل النقل. لقد أعجبته فكرة الحداثة ويبدوا أنه انبهر بها.. وهنا أقول أن الفكر الاسلامي كان حديثا بالمقارنة مع ما كان عليه المجتمع آنذاك، إلا أنه بحاجة إلى تفسير يتناسب والعصر الحالي. وهنا أتسائل ماذا عنى أوس العربي بـ ((اننا)) حين قال: الحقيقة اننا مع الحداثة؟ مَنْ هم ((اننا))؟ هل هو / هم حزب الاخوان الذي ينتمي إليه؟ أم حزب اسلامي آخر؟ وما الذي يخشاه هؤلاء من الحداثة؟