كتَّاب إيلاف

ثقافة المواطنية في مجتمع متعدد الأديان والمذاهب (2 – 3)

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
الحلقة الأولى إن الأزمة بين المواطنية والطائفية في مجتمع متعدد والتي تناولتها في مقالي السابق تتطلب من النخب الفكرية والساسة ترجمة اجراءات براغماتية سريعة لتفادي الانقسامات الحادة في المجتمع الامر الذي يهدد السلم الأهلي ضمن البلد الواحد ناهيك عن الإمتدادت الاقليمية لتلك الصراعات التي من شأنها أن تدمر المنطقة بأسرها، ولعل من أهم تلك الخطوات لبناء مواطنية في مجتمع متعدد بناء ثقافة الديموقراطية وبناء ذاكرة وطنية موحدة وهي امور لا تتحقق الامن خلال العملية التربوية. بناء الثقة وعدم التخوين بين أفراد الشعب الواحد:
هذا يتطلب قبل كل شيئ بناء ذاكرة جماعية وطنية تنبذ العنف والعنصرية وتحذر من مخاطر الانقسام وتؤكد على فوائد التضامن، و التحذير من خطورة تكرار التجارب العبثية والحروب الأهلية بحيث يتولد عند الأجيال " توبة " تجاه الصراعات الدموية. من خلال ترسيخ المبادئ العامة للحريّات وحقوق الانسان وحمايتها، وان يضمن ذلك الدستور كما أقرته المواثيق الدولية وشرعة الأمم المتحدة.
وان يُصاحب كل ذلك توسيع الأمل وترسيخ ايمان عميق بضرورة التغيير والاصلاح والقدرة والارادة الكامنة بأن الوضع ليس ميؤس منه.
ويساهم في ذلك إعادة قراءة جادة للسياق التاريخي الحضاري للمجتمع والوطن من خلال امتدداته الثقافية ومن منطلقات انسانية تدافع عن الانسان وحقوقه وحريته ويُعد لبنان مثالا رائعا وغنيًّا لتاريخ الحريات. ثقافة المواطنية والديموقراطية:
إن الديمقرطية السليمة هي أكثر من أبنية ومؤسسات، إنها تعتمد بالدرجة الأولى على الخلفية الفكرية والثقافية المنبنية على تطوير ثقافةٍ ديمقراطيةٍ ومواطنية، وفي هذا السياق فإن الثقافة المقصودة هنا هي بالمعنى العام الواسع، فهي ليست مجموع الاداب والموسيقى والفن وحسب... وإن كانت هي امور تعد من الثقافة، بل تعني كافة التركيبات الثقافية والمرتكزات المؤسسة للسلوك والتصرف والممارسات والأعراف التي تتبلور من خلالها قدرة الأفراد على أخذ قراراتهم و حكم أنفسهم بأنفسهم وتحمل تبعات ذلك، فالثقافة بهذا المعنى تعني الوعي المجتمعي والخلفية الذهنية والفكرية المحركة للسلوك عند الأفراد والمجتمعات.. لذلك نجد ان الانظمة التي تكرس سياسة العقل الواحد انما تشجع الثقافة قائمة على الإذعان والخنوع والطاعة العمياء لما يسمى ب"الزعيم " او "ولي الأمر" ..، وذلك بهدف تنشئة أفراد تسهل قيادتهم ويكونوا طيعين فنجد ان القمع مرتكز أساسي في التربية والقيم داخل تلك المجتمع مستخدمين لأجل تكريسه كل المفاهيم المؤدلجة بما فيها النصوص اللاهوتية.
فالأطفال يتربون على القمع بحجة التأديب والمرأة تُقمع بحجة الدين وطاعة ولي الأمر، والرجل يُقمع من قبل مسؤوليه وهكذا في سلسلة لا متناهية من تكريس ثقافة العصا وان كانت هذه العصا معنوية.. وعلى نقيض ذلك فإن ثقافة المواطنية في مجتمع ديمقراطي تشكل بالفعل النشاطات التي تنمي عملية صنع القرار عند الأفراد من جهة وتحترم خياراتهم من جهة اخرى . فالمواطنون في مجتمع حر يعملون لتحقيق أهدافهم ويمارسون حقوقهم ويتحملون مسؤولية حياتهم و خياراتهم إنهم يقررون بأنفسهم من ينتخبون في صناديق الاقتراع وهم يعون ابعاد البرامج التي يطرحها المرشح الذي ينتخبونه ومن ثم فهم يحاسبوه على ما انجز من التزامات تجاه من منحوه أصواتهم.
لذلك فإن الديموقراطية والمواطنية متلازمة بشكل مباشر مع قانون محاسبة المسؤول على كافَّة الصُعد، وهي متلازمة مع مبدأ تكافؤ الفرص، لذلك فإنها تتلازم مع تمثيل شعبي حقيقيّ، وما تنتجه الانتخابات الحالية نظامًا شبه أوتوقراطيّ، تكون قرارات السلطة التشريعية أو السلطة التنفيذية فيه رهن باتفاق أصحاب المحادل الانتخابية. فالمواطنية هي من صميم الإرادة الحرة والحرية الفردية وهي بشكلها البراغماتي اتقان مهارة صنع القرار ؛ وهو أمر تربوي ثقافي يبدأ منذ الصغر في المناخات البيتية والمدرسية ويمتد الى سائر مؤسسات المجتمع التي تعتبر ان الاختلاف حق مشروع للكائن وان خيارات انسان بحق نفسه ليست خيارات ملزمة بحق الآخرين، وفي هذه المجتمعات يكون "الدين " هو مجرد علاقة روحية حميمية بين الانسان وربه لا يتدخل فيها أحد، و من حق كل كائن أن يعبر- أو لا يُعبر - بها على طريقته وبالشكل الذي يختاره ويريحه...ويصبح دور المرجعيات الدينية دور تنويري يحترم الاختلاف ويعزز الحريات الدينية...في أجواء تسود فيها الديموقراطية الروحية أو حريّة الروح كما أحب ان اسميها.
الديمقراطية والعملية التربية:
إن العملية التربوية هي عنصر حيوي لأي مجتمع خصوصًا المجتمع الديمقراطي، فإن هدف التربية في في نظام الديموقراطي الحر،هو إيجاد مواطنين مستقلين يتميزون بنزعة المساءلة والتحليل في نظرتهم للأمور، و يتحلون بفهم عميق لمبادئ وممارسات الديمقراطية وذلك بخلاف الانظمة التي تسعى الى تمجيد قائد تذعن له الافراد في كل الاوقات. إذن فالعملية التربوية من الاهمية بمكان، ان لم تكون المحور الأساس الذي من خلاله يتم ترجمة فلسفة المواطنية الى مناهج تعليمية تنمي مهارات التحليل النقدي وتساهم في ارساء الممارسات الديموقراطية وتساهم في صهر ابناء الوطن الواحد، فالمؤسسة المدرسية هي التي تجعل أنواع المعرفة وطبيعة القيم والمبادئ التي يتوقع أن يحملها الناشئ قابلة للترجمة والتحقيق على ارض الواقع، وذلك وفق اعتماد مناهج تربوية وطنية تراعي كافة الشروط المتعلقة بمستويات نمو الناشئة وطبيعة الحياة المدرسية والوسائل التعليمية المتاحة وغير ذلك...
فالعلاقات التربوية القائمة يجب ان تنبني على الحرية وتلقائية مرسّخة بالحوار الهادف الحر والمسؤول، واعمال العقل والفكر فيما يتعلمه التلاميذ ضمانًا لتحقيق الوئام وتبادل التقدير داخل المجتمع الصغير. لأن ذلك من شأنه أن يعزز في نفوس التلاميذ الإيمان بحق الاختلاف والتنوع كما يرسخ مبادئ الحوار وجدواه وقيمة التواصل الحضاري مع الآخر ويساهم في التبادل المعرفي المجرد من كل تعصب وأنانيةأو انغلاق او ادعاء مبرم بامتلاك الحقيقة
فالتربية على المواطنة تبدأ من هذه النقطة وتتأسس عليها. ولا يمكن للعلاقات التربوية المدرسية التلقينية المنغلقة على نفسها واللامبالاة بالآخر وبحقوقه وبثقافته أن تدّعي القدرة على التنشئة الحضارية والسياسية التي نسعى تحقيقها.
إن إثارة الأمل والطموح لدى التلاميذ المواطنين الصغار يؤثر في تعزيز صورة الذات الوطنية لديهم، كما يؤثر في مستوى طموحاتهم المستقبلية وذلك من خلال تنشئة تعتمد بث روح المسؤولية وإحاطة الفرد بالمثل العليا والنماذج الوطنية المشرفة.
كما ان تعزيز الاحترام لاختيارات التلاميذ وأذواقهم، وقبول الاختلافات يساهم في خلق أجواء التسامح في فصولنا الدراسية، فالتربية على التسامح لا تعني قبول ان يكون الفرد مختلف وحسب بل و أن يقبل تفرد غيره واختلاف الآخرين معه، بحيث يكون منفتحًا عليهم ومدافعًا عن حقهم في الاختلاف.
كاتبة لبنانية
Marwa_kreidieh@yahoo.fr
http://marwa-kreidieh.maktoobblog.com أية إعادة نشر من دون ذكر المصدر إيلاف تسبب ملاحقة قانونية

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
من اين ؟
المحامي ايهاب القضاة -

لا اعرف إن كانت الكاتبة ومع الاحترام تعيش وسط ابناء الشعوب العربية التي لم تعد تعرف ابسط كلمات لغتهم (لا)،وهل أن الكاتبة المحترمة مقتنعة بأن هنالك شيء اسمه ديموقراطية على وجه هذه الارض.وأنا بوجهة نظري المتواضعة أقول أن ما تدعيه الحكومات في العالم بأنه ديموقراطية ما هو إلا وسيلة سهله لتبرز أمامهاأي الحكومات الاشخاص الذين يحاولون قول كلمة لا.ومن هنافقدرسمت صورة لهذه الديموقراطية وصورتهاعلى الشكل التالي:الدولةوأجهزتها: مربي الدجاج.الشعب: الدجاج.الديمقراطية:طعام الدجاج(العلف).ينثر مربي الدجاج الطعام فتخرج الدجاجات من بيتها الى الساحة فيرى المربي ما لديه من الدجاج وأشكالها وألوانها وطريقة تصرف كل دجاجة.عندها يستطيع التحكم بدجاجاته بالإبعاد أو الاعدام أو التعذيب. فهي أصبحت تفعل ما تريد أمامه وبدون أية حواجز.فهذه حال الديموقراطيات في العالم

طريقة بناء الذاكرة
نزار النهري -

تقول الكاتبة " بناء ذاكرة جماعية وطنية تنبذ العنف ..." لا اعرف كيف يمكن ان نبني ذاكرة وماذا تقصد بذلك ارجو اذا كان احد فهم هذا ان يرشدني لان صار عندي حول بالذاكرة ثانيا تقول الكاتبة " .. وان يضمن ذلك الدستور كما أقرته المواثيق الدولية وشرعة الأمم المتحدة .." اعتقد هي تكتب للعرب وهم بالطبع مسلمين فكيف تريد منهم ان يكونوا خاضعين للشرعية وحقوق الانسان وهذه الاخيرة تتنافى في مواضيع كثيرة مع الشريعة الاسلامية؟

نيو لوك
وليد الجزار -

بناء ذاكرة جماعية وطنية تنبذ العنف ..انا اؤيد الكاتبه فى هذه الفكره وان كانت بعيده المنال وهو دور وسائل الاعلام ..واعتقد ان الكاتبه تقصد ذلك وهناك مثال على بناء ذاكره قويه ولكنها لا تنبذ العنف وهى العراق فهناك اجيال نشئت تحت الاحتلال والقتل بدم بارد ....وعشان يا مروه نبنى ذاكره تنبذ العنف عليكى احراج ايران وامريكا من العراق واسرائيل من فلسطين وتخرجى ايدى ايران من الجنوب اللبنانى ..لو تحقق هذا لن تجد الحكومات العربيه بلا استثناء مفرا من بناء اوطان ديمقراطيه تنبذ العنف وترحب بالحوار الهادف..ان كنت اراه حلم مستحيل ولكنه قد يحدث بعد مئات الاعوام وربنا يديكى ويدينا طول العمر...

البداية
رولى البلبيسي -

بالرغم من اعتراض المعلقين على هذا الموضوع الذي يثير جدلا" كبيرا"، الا انه يمثل نقطة بداية فمنه نضع يدنا على الجرح ونقول كفى تهميش في دور الشعوب العربية والا كان الانفجار اسوأ كثيرا" من اي حروب خارجية. اذا لم نبدأ بأنفسنا من أنفسنا ونحاسب تقصيرنا وخنوعنا على ما آلت اليه امتنا فلن نتمكن من تغير المستقبل. الى متى سنلقي اللوم يوما" على حكامنا وآخر على الدول الاجنبية والخراب بدأ من داخلنا، من عنصريتنا وعدم تحملنا اي مسوؤلية للتغيير وانقيادنا للمشي مع التيار السائد

المرتكزات
سياسي لبناني -

هناك فرق بين من يسلط الضوء على أحداث مباشرة وهو عمل أقرب منه للصحافة من الكتابة وهناك كتاب يؤسسون فكرا.. وهؤلاء الكتاب هم الذين يبقى اثرهم على المدى البعيد ، وكاتبتنا من النوع الثاني فهي لا تسمي الاحزاب او الاشخاص ولكنها تكتفي بتحليل الحالة ، وقد تابعت مقالاتها فلاحظت هذه الميزة وهي ميزة تجعل الكاتب حياديًّا ، أهنئ ايلاف بكتابها لانه مقال جيد وكاتبتنا بالرغم من انها لبنانية الا انها لم تنحاز يوما في مقالاتها الى اي فريق ولم تعلق على اي من الشخصيات او الاحداث لان الاحداث تتغير والمواقف تتبدل والتأسيس للوطن والمواطنية يبدأ بالفكر والتربية وهو ما تسعى اليه شكرا

انت الوحيد
وليد الجزار -

مش ملاحظ يا نزار النهري انك الوحيد اللى مش فاهم؟؟؟

تبعية وهزيمة نفسية
اوس العربي -

، لم تعرف الدنيا حرية دينية كالتي اعطاها الاسلام واعطاها العرب لاهل الديانات والملل والنحل ان ادعياء الديمقراطية والانسانية الغربيين ابادوا نصف سكان الكوكب واحتلوا القارات الخمس وقتلوا اهلها ونهبوها واجبروا من بقي منهم على المسيحية قسرا وقمعا ونشروا الفواحش والامراض الفتاكة بينهم في الغرب ان الغرب في طريقة الى الانحطاط وسنتهي كما انتهت الامبراطوريات الرومانية والفارسية بسبب الانحطاط الاخلاقي وغطرسة القوة الى متى ستضلون تابعيين ومنبهرين ومهزومين امام الحسضارة الغربية الافلة ؟!!!