كتَّاب إيلاف

في المواطنة

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
الحلقة الاولى (2 - 2 ) عالج "مونتسكيو" - Montesquieu (1689 - 1755) موضوع "المواطنة" ومفهوم "الوطنية" بالتفصيل في كتابه "روح القوانين" أو الشرائع - Esprit des Lois وسمى حب الوطن والمساواة بالفضيلة السياسية.(6) إن مفهوم الوطن يقترن عنده بمفهوم المساواة، المساواة في الحقوق، والمساواة أمام القانون، أو قل "المساواة السياسية"، ولذلك كان حب الوطن أو حب المساواة فضيلة سياسية. أي أن المساواة السياسية بهذا المعنى مقدمة لازمة وشرط ضروري للمساواة الاجتماعية.(7) لقد جعل "الوطنية" صفة للدولة وتحديد ذاتي لمواطنيها، وهي على الصعيد القانوني ترادف "الجنسية" - Nationality، وحسب "حنا أرندت" فإن الجنسية هي "الحق في أن يكون لك حقوق" إذ أن جميع من يحملون جنسية دولة معينة هم مواطنوها، بغض النظر عن انتماءاتهم الأثنية أو اللغوية أو الثقافية أو الدينية أو المذهبية، وبصرف النظر عن اتجاهاتهم وميولهم الفكرية والأيديولوجية والسياسية. ويمكن القول أن الوطنية هي التحديد الأخير لمواطن دولة ما، وهو تحديد لا ينفي أو يلغي عن هذا المواطن انتماءه الأثني أو اللغوي أو الديني أو المذهبي hellip; ولكنه ينفي أن يكون هذا الانتماء "ما قبل الوطني" هو ما يحدد علاقته بالدولة، ويعين من ثم حقوقه التي هي واجبات الدولة، وواجباته بما هي حقوق الدولة وحقوق المجتمع. غير أن هذه "الدولة" لم تعد منذ نهاية القرن العشرين - بفعل الضغوط المتزايدة والمتسارعة للعولمة - كيانًا يستنفر الخضوع والتضحية والحب، كما ذهب كل من روسو ومونتسكيو وكتيبة الفلاسفة الاجتماعيين، وإنما أصبحت مكانًا للتفاوض المستمر، حيث يقيس كل شخص بصورة حادة ودائمة ما يقدمه للدولة وما يحصل عليه منها. هذا من جهة، من جهة أخرى، فقد أدى الضعف البنيوي للدولة، وعدم حمايتها لمواطنيها من فوضى العولمة، إلى اندفاع مجموعات ومناطق عديدة للتحرر منها بالهجرة والتدويل والانفصال، أو على الأقل التلويح بالتهديد بذلك. على أن أخطر ما في الأمر هو انتعاش الانتماء "ما قبل الوطني" من جديد، والذي أصبح يهدد ما بقى من كيان الدولة الوطنية أو القومية الحديثة في الصميم، وتلك هي المرحلة الثالثة للمواطنة، والتي نحن شهودها اليوم. "فإذا كانت الدولة في شكلها الحديث قد ازدهرت في صورة الدولة الحامية، وفرضت نفسها بوصفها إطارًا للتضامن المؤسسي بين المواطنين: الأغنياء والفقراء، الأصحاء والمرضى، الفاعلين وغير الفاعلين إلخ، وبذا حلت محل أنواع التضامن التقليدي "كالأسرة"، فإن التدويل واندفاعاته الأساسية بفعل العولمة، وضع الدولة أمام معضلة شديدة التعقيد، إذ تطلبت حتمية المنافسة، التحلل من أعباء هذا التضامن ومحاباة بعض الفئات والمناطق المحظوظة من البلاد التي تتوافق مع آليات المنافسة: هكذا أثرت "العولمة" على مشروعية الدولة من أعلى ومن أسفل، فماذا يعني الاقتراع الشعبي (الانتخاب) اليوم، بعد أن سقطت الدولة في حمم القيود والقواعد الدولية" (8) أضف إلي ذلك أنه في ظل اتجاه الفرد نحو العولمة والعالمية، يتم - في نفس اللحظة - الاتجاه الشديد نحو تحديد الهوية والشخصية. وبينما نجد حياة الفرد تتحول إلى العالمية، نجد الفرد ذاته يسعى جاهدًا لتعريف هويته وشخصيته بطريقة مفتعلة وأكثر حدة عن ذي قبل، وهو ما يعرف اليوم بظاهرة " تنامي الأصوليات الدينية ". ففي نهاية القرن العشرين، شعر الأفراد والشعوب التي اجتثت جذورها - أو كادت - ولم تعد تجد في "الدولة القومية" إطارًا لا ينازع للأمن والهوية، أنه لم يعد بمقدورهما الاستثمار في الأيديولوجيات التي تدعى أنها عالمية، أو الإيمان بأنها مصدر أساسي للتضامن والحماية في مواجهة تلاطم أمواج العولمة"(9)
هكذا نجد أن مفهوم المواطنة، أصبح مفهوما إشكاليا من جديد، وان المواطنة بفعل العولمة تعيش حالة هشة، أو أنها " مواطنة في أزمة " (10). والأزمة هي الحالة التي تسبق الإنهيار أو العافية، ومن ثم فإن أزمة المواطنة يمكن أن تؤدي إلي انهيار الدول والمجتمعات، فتتقلص وتتراجع إلي أطر أو حدود الجماعة الإثنية والدينية، وإما ان تكتسب العافية فتتسع إلي نطاق انساني أرحب، خاصة وان العالم يسير في هذا الاتجاه. " فقد اخترقت العولمة مبدأ الإقليم كنطاق جغرافي وفضت الرابطة بين السلطة والمكان "، ولا مناص - حسب علي ليلة - من أن تعمل الدول علي الارتقاء بحالة " المواطنة الديموقراطية "، واستكمالها وتهجينها بأفضل العناصر التي تتيحها العولمة، حتي لا تظل المواطنة باقية في حالة أزمة، أو أن تنهار ".
ويطرح بسراب نيكولسكو في كتابه " العبر مناهجية " رؤية مبتكرة للمواطنة في عصر العولمة، بالربط بين: "الأمة" Nation و "الطبيعة" Natura و"الجنسية" Nationality، من خلال الجذر اللغوي المشترك بينها، ويقول: " إن الاعتراف بالأرض كوطن رحمي هو واحد من إلزامات العبر المناهجية.
إذ أن لكل كائن بشري الحق في جنسيته، لكنه في الوقت نفسه ( وفي عصر العولمة ) كائن عبر وطني ".
ويمكن للعبر وطني إزالة أسس التمييز المتمثلة في الأنانية القومية والدينية والطائفية، ومنع الحروب والاستغلال والاستعباد، وبالتالي منع انتهاك كرامة الكائن البشري.
dressamabdalla@yahoo.com الهوامش: 1 - عوض (لويس): ثورة الفكر في عصر النهضة الأوربية، مركز الأهرام للترجمة والنشر، القاهرة، 1987، ص - 104.
2 - هويزنجا (يوهان): أعلام وأفكار، ترجمة: عبد العزيز توفيق جاويد، مراجعة: د. زكي نجيب محمود، الألف كتاب الثاني الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1999، ص - 155 و156.
3 - المرجع نفسه ص-156.
4 - روسو (جان جاك): العقد الاجتماعي أو مبادئ القانون السياسي، ترجمة: بولس غانم، اللجنة اللبنانية لترجمة الروائع، بيروت، 1972، ص - 12.
5 - المرجع نفسه: ص 33و 36.
6 - مونتسيكو: روح الشرائع، ترجمة: عادل زعيتر، دار المعارف بمصر، 1953، المجلد الأول، الجزء الأول، ص - 6.
7 - المرجع نفسه: ص - 16، 17.
8 - ديفارج (فيليب مورو): العولمة، ترجمة: كمال السيد، شركة الخدمات التعليمية (علي الشلقاني) بالتعاون مع المركز الثقافي الفرنسي بالقاهرة، مطابع الأهرام التجارية، 2001، ص 69.
9 - المرجع نفسه، ص - 96.
10 - ليلة ( علي ): " المجتمع المدني العربي، قضايا المواطنة وحقوق الإنسان "، مكتبة الأنجلو المصرية 2007.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
من ضيع عمره
مواطن عربي -

بعض الناس ذو حظ عظيم - يبارك الله في عمره فيهديه إلى حسن العمل الذي يرى ثمرته في الدنيا وينتظر ثوابه في الآخرة وعندما يبلغ منتصف العمر وينظر إلى ما مضى يرضى عما أنجزه في حق ربه وحق نفسه وحق أهله وحق بلده ويستبشر بما هو آت ويوقن أن ما استقبله من بقية عمره هو فرصة ليستزيد من الخير وإن وهن العظم واشتعل الرأس شيبا. قسم آخر من الناس لم يكن له مثل ذلك الحظ فقد وقع ضحية أشكال عديدة من خدع الدنيا: بريق الحياة – فورة الشباب – زخرف القول غرورا (ربما كلام الفلاسفة) – السلطة والنفوذ – الأضواء والشهرة وغيره كثير. يصل هؤلاء منتصف العمر وينكشف شيء من الغطاء الذي أغراهم. يحدث هذا بأشكال عدة: مصائب الدنيا – ذبول زهرة الشباب - ذهاب السلطة – انحسار الأضواء - وغيره كثير. ينتبه قسم من هؤلاء فيرى شيئا من الحق يدلهم على خطأ ارتكبوه أو ضلالة مشوا فيها أو سراب جروا وراءه وينظرون إلى عمرهم الذي تولى عنهم فتتملكهم الحسرة أن مرت سنون حياتهم ولا يرون لها ثمرة. وقسم آخر لا يندم فقد انقطع أمله من الآخرة واقتصرت لذته على متاع الدنيا فهو يسعى إلى المزيد حتى وإن تصادم سعيه مع حقائق الحياة. ترى الممثلات في منتصف العمر بعضهن يتصابى وبعضهن تبالغ في تعرية جسدها علها تبقي شيئا من شهرتها وترى الحكام بعضهم يغير دستور الدولة ليبقى رئيسا مدى الحياة ثم يدرك أن ذلك ليس كافيا فهو لن يقهر الموت فيسعى جاهدا لتوريث السلطة لابنه ثم ترى منظري الفلاسفة الذين اعتادوا التكسب من ورائهم يستمرون ينقلون عنهم نقلا أصم وإن ثبت ضلال مايدعون إليه. لم أجد في المقالة أي إضافة تفيدني أو تفيد بلدي إلا خيطا رفيعا ربما لم يقصده الكاتب. رأيت أن المجتمعات التي أنتجت هؤلاء الفلاسفة وأفكارهم حول المواطنة هي عينها التي تمزق هذه الأفكار وتتبنى العولمة. ترى هل ثبت لهم زيف كلام الفلاسفة فاستبدلوا به فكرا آخر؟ أم أنهم اسبدلوا بضلال الفلاسفة ضلال العولمة؟ هل بعد هذا يفخر أحد أن كان ناقلا عن الفلاسفة أم ينتبه فيرى أنه قد ضيع ما فات من عمره فيسعى أن يحسن فيما تبقى منه.

من ضيع عمره
مواطن عربي -

تعليق مكرر

انها لكارثة
دكتور بلدي -

انها لكارثة حقا لعمري،ايها المواطن العربي صاحب التعليق اعلاه..ان يغيب عن بصرك هذه الرصانة الاكاديمية لصاحب المقال وهذا العرض الموثق لمفهوم المواطنة الذي تأسست عليه الدول المتقدمة ..ابق في مذهبيتك وعش مرتحا في مستنقع الطائفية والعشائريةالى ماشئت وستبقى اقطار العالم العربي في ذيل التاريخ الحديث مادام هناك امثال لفكر يرفض فكرة انسانية البشر بصرف النظر عن كل "عوارض" لاحقة على القاسم المشترك لبني البشر ،من لون وعرق ودين..الخ دكتور بلدي

الاسلام والمواطنة
رمضان عيسى -

الاسلام دين أممي ، أي لايؤمن بالحدود السياسية ولا المسميات القطرية ولا القومية ،حتى في البلاد التي ولد بها أو سجل بها ، وبالتالي لا يشعرالمسلم الذي يتخذ الاسلام كأيديولوجيا بالانتماء لكل هذه المسميات ، وليس لديه ما يدعوه للاخلاص لوطن أو لقومية الا بقدر ما تكون مرتبطة بالدين الاسلامي ، لهذا نجد المسلمين الذين يعيشون في بلدان أجنبية يكثرون من التذمر ورفض ليس طريقة حياة الناس في الدول المتقدمة بل والنظام العام للدولة ، رغم اعترافهم بأن هذه البلاد أكثر تطورا وأكثر تنظيما من البلاد التي قدموا منها ، وهذا يعود الى الثقافة التي يؤمنون بها والتي تعود لمراحل تاريخية سابقة على هذا المستوى من التطور الحضاري والتنظيمي . ان المواطنة عند الأصوليون مرفوضة لأن المواطنة تعني المساواة في الحقوق والواجبات ، تعني قبول المختلف أن يكون له نفس الحقوق بغض النظر عن اللون والدين والجنس والمعتقد ، وهم لا يؤمنون بهذه المفاهيم ، وذلك لأن الاسلام يقسم الناس حسب أديانهم الى مستويات حقوقية كل حسب دينه .

العولمة تحت المجهر
رولا الزين -

لم يتمكن الكاتب- بالرغم من كفاءته الاكاديمية وثراء عدته الفكرية وتنوعها- من النأي بنفسه عن مقاربة موضوع العولمة من منطلقات متوجسة ومتشككة وهي حال العديد من مثقفي العالم النامي وبخاصة العالم العربي. ومرد ذلك برأيي ان المثقف العربي مهما تسامى فوق مكوناته الثقافية الموروثة يظل مشدودا بصورة أو بأخرى الى قيود وحدود اللاوعي الجمعي الذي ينتمي اليه كلما قارب ظاهرة مستجدة أو متغيرا ما في سيرورة التاريخ الحديث . وما أود قوله في توصيف الكاتب للعولمة بانها فوضى توهن بنية الدولة هو انه استشعار يتكئ على الحدس اكثر مما يرتكز على حقيقة واقع الدول في تفاعلها مع صيروةالعولمة . فالعولمة لا تضغف الدول الراسخة في دساتيرها وقوانينها ومؤسساتها الناظمة لشؤون مواطنيها في معاشهم وواجباتهم وحقوقهم بل هي تبتكر انماطا معرفية وتقانية وسياسسية وقضائية ومالية واقتصادية وعسكرية تعجز الدول الوطنية فرادى عن انجازها . وبذلك تصبح العولمة تحديا يكاد يكون نيتشويا يتجاوز عجز الدول والشعوب والافراد .فوجود محاكم دولية تقاضي المسؤولين عن جرائمهم ضد الانسانية هو ربح خالص للبشرية كافة . ووجود سوق عمل عالمية مفتوحة اتاحت ولما تزل لعشرات الملايين من العاملين فرص عمل مجزية ومكنتهم من تحويل مئات ملايين الدولارات سنويا الى اوطانهم الاصلية. كما ان توافر القدرة على الاتصال والتواصل من طريق الوسائط الالكترونية اخرج البشر من قواقعهم العرقية والدينية واللغوية ووفر لهم سبل التعارف والتلاقي وتبادل الافكار والخبرات والانفتاح على عوالم وحضارات وثقافات متنوعة .والسعي الى اشراك اكبر عدد ممكن من الدول النامية مثل الهند والبرازيل وتركيا والمملكة السعودية في صياغة حلول لمشكلات العالم الاقتصادية والبيئية والامنية يفيد العالم كله دون ان يضعف بنى الدول الوطنية . وألفت الكاتب الى امر آخر هو ان موجة الحركات الانفصالية الكبيرة من مثال تقسيم الهند وظهور دولة باكستان وبنغلادش وانفصال دول اوروبا الشرقية عن الاتحاد السوفياتي تكاد لا تكون للعولمة أي يد فيها .