كتَّاب إيلاف

الشرق الأوسط بين لعنة النفط والديمقراطية الغربية (2)

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
الحلقة الأولى

من مفكرة سفير عربي في اليابان


تنبأ الاقتصادي البريطاني ديفيد هوول، عضو مجلس اللوردات والوزير السابق، بأن يؤدي انخفاض الأهمية الإستراتيجية للنفط لتخلص العرب من لعنته، والتي قد تساعدهم على بناء مجتمعات أكثر حيوية وإبداعا، ليرجع عصرهم الذهبي كقيادة فكرية عظيمة، والتي أدهشت العالم بأسره في العصور الوسطى واستنار بإبداعاتها. كما يعتقد بعض كتاب الغرب بأن هناك بوادر إيجابية لإشراقه جديدة في الشرق الأوسط، تنعكس بالاستثمار في تعليم إبداعي ايجابي، يعتمد على دراسة المعضلة وتطوير مهارات البحث عن المعلومة اللازمة للتعامل معها، وخلق بيئة علمية للحوار، لاكتشاف خيرة الوسائل المتوفرة لمعالجتها. بل وصل أعجاب العالم بهذه التغيرات لكي تقارن الصحفية الإسرائيلية، اليزا روبن بيليد، بين التعليم الجامعي في بلادها، مع التطورات الجديدة في التعليم في المنطقة، في مقال بعنوان، التقدم في التعليم العالي في منطقة الخليج، والتي نشرتها صحيفة الجورساليم بوست في الحادي والعشرين من شهر ابريل الماضي.
تعلق الكاتبة اليزا بليد بالقول: "بينما يعاني نظام التعليم العالي في إسرائيل من زيادة أزمات تغطية تكاليفه والإضرابات المشله، تتنافس الدولة المجاورة في العالم العربي، وبسرعة البرق، في تطوير تعليمها العالي. وللمرة الأولى في تاريخ هذه المنطقة، توجهه الحكومات طاقاتها وأموال النفط والغاز الطبيعي، في تطوير قطاع التعليم بسرعة ملحوظة، وذلك بجلب خيرة الجامعات العالمية، التي ستوفر لطلابها مستوى عالي من التعليم المتقدم، وبدون أن يتركوا بلدانهم. والأكثر من ذلك، هو أن بعض هذه الدول بدأت وبسرعة، بناء مراكز أبحاث متقدمة في مختلف المجالات العلمية، كالعلوم الطبيعية والطب والتكنولوجيات المتقدمة. وستلعب هذه الجامعات دورا كبيرا في إصلاحات اجتماعية مستنيرة، وخاصة في ما يتعلق بالمرأة." فخلال العقد الماضي، وفي مختلف دول العالم العربي، وخاصة في دول الخليج النفطية، تتهافت الجامعات الأمريكية على المنطقة كتهافتها على الذهب. وقد صرفت حكومات المنطقة مبالغ طائلة في هذه التجربة التعليمية العالية الكفاءة، في محاولة لتحقيق أهدافها في التنمية الاجتماعية والاقتصادية.
وخير مثل لذلك هي مدينة التعليم العالي بالدوحة. والتي لم تتهاون مؤسسة قطر للتعليم من جلب خيرة الجامعات العالمية، وفي المجلات التخصصية المختلفة، ككلية الصحافة بجامعة نورث وسترن المشهورة، وكلية الطب بجامعة كورنيل، وكلية الشؤون الخارجية بجامعة جورج تاون، وكلية التكنولجية بجامعة كرنيجي ميلون. والجدير بالذكر بأن وراء كل تلك الروئية المتقدمة امرأة عظيمة، وهي حرم صاحب السمو أمير قطر، الشيخة موزة بن ناصر المسند، والتي تعمل بروائيتها الجديدة لخلق كوادر بشرية تحول بلادها لمجتمع المعلومة. كما ستكون جامعة نيويورك في أبو ظبي، أول كلية أمريكية متكاملة لعلوم الآداب خارج الولايات المتحدة.
وقد ناقشت الكاتبة الفرص الجديدة التي ستوفرها هذه الجامعات والتحديات التي ستواجهها، والذي سيعتمد سر نجاحها على بقائها كجامعات وطنية مرتبطة بخبراتها التاريخية وثقافة وحضارة مجتمعاتها، وبديناميكيتها في زرع جذورها العلمية، بالتالف بين ثقافة مجتمعاتها المحلية، وتوافقها مع خطط مجتمعاتها المستقبلية في تطورها نحو حرية التعبير والتساؤل والديمقراطية. وسيؤدي حصول شباب المنطقة على تعليم عالي مرتبط بخيرة الخبرات العلمية والقيم الأمريكية الممزوجة بقيم وثقافة المنطقة، لتأثير كبير على مستقبل العالم العربي وتطوره. ومن الصعب توقع نوعية ومدى التطور الفكري الذي سيرافق كل ذلك، فسنحتاج من الوقت الكثير لمعرفة نتائج الحوارات الصريحة في مختلف مجالات الصحافة والسياسة والاقتصاد بين طلاب هذه الجامعات، وانتشار صدى تأثيراها على باقي شرائح مجتمعات المنطقة.
ويبدو في الأفق بعض النتائج السريعة لهذا التعليم الجديد، والذي برز بتحولات سريعة في مجتمع المرأة. فقد سجلت تقارير البنك الدولي بأن الجامعات في دولة قطر والإمارات قد سجلت أعلى النسب في العالم لقبول المرأة، حيث تضاعف عداد الطالبات في الجامعات ثلاث مرات عن عدد الطلاب، وارتفعت نسب القوى العاملة النسائية الجامعية. كما ساعد خفض توظيف الأجانب لفتح المجال للمرأة العربية للعمل في مجلات جديدة كالهندسة الصناعية والمعمارية والقانون. كما سمحت القوانين للمرأة بالحق في الانتخاب والترشيح، ليمكنها كل ذلك من الاعتماد على نفسها ماليا، وما هذه إلا البداية، وسيكون من الصعب وقف هذه الثورة التعليمية الجديدة.
وقد التقت الكاتبة في شهر يناير الماضي بعدد من طالبات منطقة الخليج بلباسهم التقليدي، ليؤكدوا لها بأنهم سيتزوجون بالطريقة التقليدية بعد تخرجهم، وسيحققون أحلامهم المهنية، بالحصول على الدكتوراه من جامعة هارفارد، أو الوصول لمركز وزاري رفيع بالحكومة، أو بفتح مؤسسة تجارية منافسة. واختتمت الكاتبة مقالها بالقول: "فقد حافظوا هؤلاء الشابات الذكيات على ثقافتهم وتقاليدهم، واستفادوا من الفرص المتوفرة لديهم بكفاءة عالية، وحينما تفتح العقول ليس من السهل غلقها، وهذه هي الثورة الجديدة في العالم العربي."
وعلق البروفيسور الياباني ساتورو ناكامورا، الأستاذ بجامعة كوبيه، على التطورات في المملكة العربية السعودية في أحد خطاباته بالقول: "أحد أكثر الدول التقليدية في الشرق الأوسط، المملكة العربية السعودية، تخطو بسرعة نحو الحداثة لتلحق بالتطور السريع في عالم العولمة الجديد. وهناك تساءل محير: كيف ستجمع هذه المملكة بين تقاليدها وإيديولوجيتها المحافظة وسياسات الحداثة الجديدة، التي تهدف للتنمية الاجتماعية بالمشاركة الفاعلة في اقتصاد العولمة؟" فقد ذهل البروفيسور بالتحول السريع للمملكة وخلال عقود قليلة من صحراء قاحلة وقبائل متناحرة، لمملكة موحدة مزدهرة، ليبدأ تاريخها المعاصر بالتقدم العلمي والتطور التكنولوجي والصناعي، ولتصبح مركزا عالميا للطاقة يوفر للعالم 26% من حاجته وبكفاءة عالية. كما تطورت تكنولوجيتها النفطية، لكي تلعب دورا مهما شركة ارامكو السعودية في تطوير صناعة النفط في العالم، ولتوفر منتجات نفطية متنوعة وعالية الجودة، ولتهيئ الآلاف من الشباب السعودي بالتعليم والتدريب، لاستلام مسئولياتهم المتقدمة في صناعة النفط.
لقد تكرم خادم الحرمين الشريفين جلالة الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود بزيادة ميزانية التعليم في المملكة العربية السعودية لثلاثة أضعاف، أي لأكثر من خمسة عشر مليار دولار سنويا. كما أصدر تعليماته الملكية لإنشاء مائة جامعة وكلية خلال السنوات القليلة القادمة. مما أدى لتعليق الكاتب روبرت لاسي في كتابه، المملكة، بالقول: "فحينما تحتاج لتطوير النظام تحاول أن تختار اقصر الطرق الممكنة، وبأقل وقت لتتجاوز العوائق، وستحتاج لمؤسسة علمية لتساعدك. لذلك اختارت المملكة، شركة ارامكو، لتقوم ببناء جامعة الملك عبد الله للعلوم والتكنولوجيا، والتي ستكلف عشرة مليار دولار، لتكون جسر بين الشعوب والثقافات ولتخدم البشرية جمعاء."
وقد نشرت مجلة النيوزيك الأمريكية في العام الماضي تقريرا مفصلا عن جامعة الملك عبد الله للعلوم والتكنولوجيا، والتي ستكون برامجها عالمية، وستستقبل خيرة طلاب العالم من الجنسين، وسيكون موقعها على شواطئ البحر الأحمر، وكواحة علمية متقدمة. وستكون المسئولة عن ميزانيتها إدارة عالمية مستقلة. كما سيكون هناك مستشارين من خيرة جامعات العالم، كجامعة كورنيل بولاية نيويورك، وامبريل كولج بلندن، بالإضافة لأساتذة من جامعات أم أي تي واكسفورد وكالتيك وستانفورد. وستصبح هذه المؤسسة العلمية المتقدمة من أغنى ست جامعات في العالم، وستلعب دورا في خلق بيئة علمية متقدمة للتفكير والإبداع وبحرية. وقد علق أحد قادة شركة أرامكو بقوله: "حينما تحاول أن تطور المجتمع تحتاج إلى نموذج، ويريد جلالة الملك أن تكون هذه الجامعة نموذجا يحتذي به في البلاد."
وتوقعت مجلة النيوزويك ببدأ أول منافسة علمية تكنولوجية بين الدولة العبرية التي تفتخر بجامعاتها الخمسة والثلاثين ولسكانها السبعة ملايين، ودول المنطقة، الممثلة بالمملكة العربية السعودية بجامعاتها المائة والعشرة، ولسكانها الاثنين والعشرين مليونا. وقد يساعد صعود باراك حسين أوباما، الأفريقي الأسمر، للرئاسة الأمريكية، لتهيئة عقول شباب المنطقة للتخلص من ما سماه البروفيسور السنغافوري محبوباني من "الاستعمار الذهني،" الذي خلق عقدة النقص العقلية بين شباب المنطقة، وأضعف شعورهم بالكفاءة أمام الحضارة الغربية، ليتناسوا تاريخهم وحضارتهم وقيم دينهم الحنيف، ليبدءوا العمل في المشاركة لبناء حضارة الألفية الثالثة.
سفير مملكة البحرين في اليابان

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف