بريطانيا و حرية التجارة مع الإتحاد الأوربي
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
الحكومة البريطانية برئاسة تيريزا ماي تُجهز منذ شهر سبتمبر الماضي ملف مفاوضاتها الصعبة مع بروكسل للأتفاق علي كيفية تفعيل المادة 50 من معاهدة لشبونة المنظمة للعلاقات بين اعضاء الإتحاد الأوربي.. وذلك في ضوء نتيجة الاستفتاء الشعبي الذي جري يوم 23 يونية الماضي الذي قال البريطانيون من خلال تصويتهم أنهم يفضلون الخروج من عضوية الاتحاد.
التركيز الأساسي من وجهة نظر لندن ، عندما ستبدأ هذه المفاوضات أواخر مارس القادم ، سيكون علي حقها في الإحتفاظ بحرية التعامل مع السوق الأوربية المشتركة او بعضوية الإتحاد الجمركي.. مع التمسك بحقها في إلغاء حرية حرية تنقل الأفراد " التى تمثل المبدأ الجوهري للسوق الموحدة " التى تخطط لندن لإبقائها كخيط متين يربطها بالظهير الأوربي الذي لا يمكنها ان تستغني عنه لأسباب جعرافية وتارخية وبشرية.
من هنا يمكن القول أن:
الإعلان قبل نهاية شهر إكتوبر الماضي عن إتفاق وزارة الإعمال البريطانية مع شركة نيسان اليابانية علي مضاعفة حجم استثماراتها في قطاع السيارات لإنتاج طرازين جديدين هما قشقاس و إكستريل بمنطقة ساندرلاند الصناعية ، يمثل أول الأوراق ذات الوزن الثقيل التي ستتسلح بها لندن علي مستوي محتويات ملف تفاوضها مع بروكسل حول مستقبل علاقة الطرفان..
وإلي جانب أن الإتفاق يكشف علي المستوي المهني عن توفير فرص عمل لحوالي 7 ألآف عامل بريطاني وعلي تأكيد مكانة بريطانيا المتمزية كنافذة لتصدير السيارات اليابانية إلي 27 دولة أوربية ، فإنه يؤكد الثقة في قدرة بريطانيا علي التعامل مع التجارة الدولية وفق متطلبات العولمة و علي ثقة " الآخرين " في قدرتها علي تفعيل إرتباطاتها التجارية وإتساع مستقبل تعاملاتها مع منظومة الإتحاد الأوربي التجارية والإستثمارية..
تحذير رئيسة الوزراء البريطانية لأعضاء مجلس العموم - يوم الأحد 6 الجاري – من النتائج السلبية لمحاولة عرقلة " مفاوضات الخروج من الإتحاد الأوربي " سيكون علي حساب شرعية التصويت الشعبي " التي يجب عليهم إحترامها لأنها تَصب في مصلحة البلاد العليا " ، دفعها لمطالبتهم بدعم سياسات السلطة التنفيذية الساعية " للحصول علي أفضل صفقة تأخذ في اعتبارها احتياجات المواطن "..
الأمر الذي وفر لها الأرضية الصلبة لكي توضح أنها لن تؤجل بدء المفاوضات ولن تفتح لها الباب بمباحثات " تمهيدية ".. وركزت علي أن إنتصار المحكمة العليا للديموقراطية البرلمانية " لا يجب ان يتعارض مع التوجه الشعبي الذي عبرت عنه نتائج إستفتاء 23 يونية الماضي "..
علي الجانب الآخر..
لم يفاجئ المراقبون بالهجوم الذي شنه العديد من السياسيين ضد قرار المحكمة العليا " عدم أحقية الحكومة البريطانية التفاوض حول المادة 50 دون الرجوع إلي مجلس العموم للتصويت علي خطتها في التفاوض "..
كما لم يفاجئوا بإرتفاع قيمة الجنية الاسترليني كنتيجة مباشرة للتعاملات المالية في اسواق لندن وايضا في الاسواق الأوربية ، ويعد هذا الارتفاع الأول للعملة البريطانية في الأسواق منذ اربعة اسابيع..
المجتمع البريطاني يعيش حالة عدم يقين غير مسبوقة..
حالة عدم اليقين هذه هي التى دفعت تيريزا ماي إلي تأكيد تمسك حكومتها بالجدول الزمني الذي سبق أن إتفقت عليه مع جان كلود يونير رئيس المفوضية الأوربية لبدء مشوار تفاوض لندن مع بروكسل حول خروجها من الإتحاد الأوربي ، لثقتها في تعديله بعد الإستئناف الذي ستتقدم به اوائل الشهر القادم ، لأنها تعلم ان الإرجاء سيلحق إضرار بالغة بمصالح بريطانيا وبحكومتها علي وجه الخصوص..
وهي التى فرضت عليها ان تبين بوضوح علي هامش القمة الإقتصادية التى عقدت يومي الإثنين والثلاثاء الماضيين ( 7 و 8 الجاري ) في نيودلهي أن اتفاق التجارة الحرة بين بريطانيا و الهند يعزز العلاقات المتينة بين البلدين " دون حاجة لإنتظار نتائج الخروج من الإتحاد الأوربي "..
وجعلتها تبرز حرص البلدين علي توسيع نطاق التعاون في مجال " إقتصاد المعرفة وفق متطلبات القرن الـ 21 الذي سيفتح الباب لتطوير 100 مدينة ذكية ".. وعززت خطوتها تلك بالتأكيد علي أن رجال الاعمال الهنود سيكون لهم أولوية الحصول علي تأشيرات الدخول اللازمة إلي الأراضي البريطانية..
هذا بينما أبرز رئيس وزراء الهند ناريندار مودي الحاجة إلي منح طلاب الهند وعمالها المهرة الفرصة لإكتساب المعرفة والخبرة في مراكز بريطانيا البحثية والأكاديمية ومصانعها ومراكزها اإنتاجية..
وهي – أي حالة عدم اليقين – التى جعلت الأمير تشالز ولي عهد بريطانيا يحرص خلال زيارته مؤخراً لثلاث دول خليجية – سلطنة عمان والإمارات والبحرين – يؤكد علي عدم تراجع دور بلاده السياسي والإقتصادي بعد خروجها من عضوية الاتحاد الأوربي وحرصها علي تقوية علاقاتها التاريخية مع دول الخليج العربي والتى ترتكز علي العديد من الجوانب السياسية والاقتصادية والاستثمارية والأمنية والمعلوماتية والبحثية..
تهدف لندن من وراء هذا التحرك أن تحقق ثلاثة أهداف متلازمة..
الأول.. اقناع مجلس العموم أنه لا جدوي من تعطيل مسيرة التفاوض للخروج من الإتحاد الأوربي سواء بحكم من المحكمة العليا يفرض علي الحكومة ان تناقش مع اعضائه الامر قبل بدء المفاوضات ، أو بقبول الإستئناف التي سينظر في اوائل الشهر القادم..
الثاني.. تقوية التيار النيابي الذي يؤيد خطوة الخروج هذه عن طريق الاتفاقية التجارية التى عقدت مع الهند والتي يتوقع المراقبون ان يتلوها اتفاقات مماثلة مع عواصم أخري ذات ووزن وعلاقة متميزة مع لندن ، لضمان التصويت إلي جانب
مطلب الخروج الشعبي ، إذا ما عززت المحكمة العليا حق مجلس العموم في التصويت علي خطة الحكومة للخروج من الإتحاد الأوربي..
الثالث.. البرهنة لدي بروكسل ان منح لندن الحق في الاحتفاط بحرية التبادل التجاري مع اسواق اوربا دون ان تفرض عليها تعريفات اضافية و خطوات بيروقراطية مُعرقلة ، سيعود علي دولها بالنفع علي المدي المتوسط والطويل..
حتى الأن تأتي الرياح بما تخطط له رئيسة الوزراء البريطانية ، لكن جو الشتاء اللندني كثيرا ما تقلب للسياسيين أوراقهم دزم سابق انذار..
drhassanelmassry@yah