كتَّاب إيلاف

عودة الفكر الصيني القديم

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

في عام 2004، في قلب المدينة المحرّمة في العاصمة الصينية بيكين، تمّ تدشين النّصب التذكاري لملوك الأزمنة الصينية كلّها. وهو عبارة عن بناية مهيبة أعاد ترميمها النظام الشيوعي. وقد أصبح هذا النصب مفتوحا للعموم.فهل شكّل ذلك الحدث بداية العودة الى "الصين الأبديّة"؟ فمعلوم أنه بعد الثورة المعادية للكونفوشيوسية التي تميّزت بها السنوات الأولى من القرن العشرين، والديكتاتورية التي كانت السمة الأساسية لنظام ماوتسي تونغ الشيوعي، والذي كان يكنّ احتقاراكبيرا للمثقفين، بدأت تبرز في بيكين وشانغهاي، مظاهر تدلّ على أن الصينيين أخذوا يعودون الى قادة الفكر القدامى، خصوصا الى كونفوشيوس. لكن أيّة صين يرسمها هؤلاء الذين شكّلوا البلاد بحسب أفكارهم على مدى قرون مديدة؟ وكيف ينظر هؤلاء الى العلاقة بين الانسان والعالم، وبين الحاكم والرعيّة، وبين الروحاني والمادي؟ وهل يمكن اعتبار الكونفوشيوسية نظرية النجاعة مثلما يؤكد على ذلك المفسّرون المرموقون، المهابون معرفيا من قبل رجال الأعمال؟ وهل يمكن أن تنسجم مع الديمقراطية أم تنفيها وتعاديها؟ وهل يمكن لمفهوم الحرية الفردية أن يوجد في الصين؟ وكيف يمكن للإنسان أن يرتقي إلى الإنسجام؟

كلّ هذه الأسئلة الجوهرية لا تهمّ الصينيّين وحدهم، وإنما الغربيين أيضا. فمنذ ماركو بولو، والأوروبيون لا يزالون يتأرجحون بين الخوف ووالاعجاب تجاه المجتمع الصيني قوي النفوذ، والمثقف، والغامض في نفس الوقت. وفي نصّ حمل عنوان :”مصادر الفكر الصيني"، تشير السيدة آن شينغ، الأستاذة في معهد الحضارات واللغات الشرقية بباريس الى أن النصوص الفكرية الأولى ظهرت في الصين قبل نحو 300 عام. ومعنى ذلك أنها كانت معاصرة لتلك النصوص التي ظهرت في الحضارة الفرعونية، والحضارة البابلية، والحضارة العبرانية. وهي تضيف أن الشيء الذي تميّزت به الثقافة الصينية القديمة هو أنها حافظت على التواصل، وذلك برغم التقلبات الهائلة التي شهدها التاريخ الصيني.

وكان كونفوشيوس يلقب ب"الهضبة" بسبب شكل رأسه الكبير. وقد ولد 551ق.م، في "زو" بمقاطعة "لو" التي تسمى الآن "شانغ-دونغ". وكانت عائلته متوسطة الحال. . وقد كان التأثير الكبير الذي أحدثه فيه الأستاذ المرموق كونغ، هو الذي أكسبه القدرة على أن يكون مفكرا كبيرا، وساعده على أن تظلّ أفكاره حيّة لعهود طويلة.

وفي صباه اهتم كونفوشيوس بالكتابة المتصلة بالشعر، والحكم. وكان لا يزال شابا لما أصبح كاتبا لدى الضباط العسكريين، ثم لدى المسؤولين السياسيين، مانحا الأولوية للعدالة، والتقاليد، والفضيلة الانسانية. كما أنه عمل مستشارا لدى الأمراء، الأمر الذي ساعده على اكتساب تجربة سياسية فتحت له الباب لكي يصبح وزيرا للعدل، ثم وزيرا أول. ويجمع المهتمون به أن فكر كونفوشيوس الموجود في المحاورات التي كان يقوم بها مع تلامذته، ومريديه، ومع الشخصيّات الكبيرة، يتجاوز الفلسفة ليكون حكمة. وهذا الفكر منقول، وليس مبتكرا. وهو لا يُشكّل نظاما رغم أنه يبدو منسجما ومتماسكا. وهو مَوْسوم ببعض التناقضات التي قد تعود الى بعض التأويلات المختلفة لتلامذته الأقلّ وفاء له، ولتعاليمه.وتتميّز النظرية الكونفوشوسية بضرورتها الأخلاقية، وبصلابتها الثقافية، وبتحسّسها السياسي للإنسان.وهو الذي دعا الى "محبّة الآخر" ذلك أن "كلّ الناس إخوة".

وقد حدث لقاء تاريخي بين كونفوشيوس ولاوتسو، معلّم النظرية التاوية. وكان لهذا اللقاء تأثير هامّ عليه. .لذلك كتب يقول:”لقد كان لاوتسو شبيها بتنّين يمتطي الريح، ويطير فوق الغابات".

وفي عهد كونفوشيوس كانت سجالات يين "مائة مدرسة للفكر" ناتجة في جزء كبير منها عن أزمة المؤسسات في عهد "الربيع والخريف722-481 ق.م)،وفي عهد المممالك المكافحة(453-221ق.م).

وبحسب الوظائف السياسية السامية التي تولاها كونفوشيوس، يمكننا أن نقول بإن المفكرين الصينيين كانوا سياسيا ملتزمين. ويمكننا أن نشببههم بالمثقفين المعاصرين حتى وإن كانوا أقلّ حريّة من هؤلاء خصوصا في مجال التعبير عن أفكارهم الخاصة، إذ أنهم لم يكونوا محميين من بطش الأمراء والحكام. .وبحسب نيكولاي زوفري، كان هناك سبب لأن تكون السياسة في قلب الفكر الصيني. فالأهمية السياسية بحسب رأيه متأتّية من المكانة الأساسية التي يخصصها المفكرون للإنسان، مَسْحوقا تحت سيطرة إلهية تتحكم في مصيره، أو هو عاجز أمام عناصر ليس باستطاعته التحكم فيها، وإنما نحن نجده إنسانا متحكما في مصيره، وواعيا بالدور المناط بعهدته في المسيرة الشاملة للعالم. وهو يساهم في الإنسجام الكوني.

ومتحدثة عن فكر كونفوشيوس، قالت الكاتبة داي سيغي صاحبة رواية:”بالزاك والخيّاطة الصغيرة" التي لاقت شهرة عالمية واسعة :”عندما كنت في السابعة من عمري، شرع والدي يعلمني بعض أقوال كونفوشيوس، والبعض من أفكاره. وكان عليّ أن أكررها جملة جملة كلّ يوم. ولم أكتشف زوانغري الذي أعتبره أكثر تأثيرا عليّ منه الاّ في سنّ المراهقة. وحتى هذه الساعة لا أزال أعيد قراءته.وهناك مقاطع له أحفظها عن ظهر قلب. وأهم ما يفتنني في تفكيره هي حكاياته الفلسفية التي يرويها على ألسنة حيوانات، والتي تقول بإن الحياة والعالم يمكن أن يكونا حلما. أما كونفوشيوس فقد كان حارس النظام ، ونظريته تدافع عن المبدأ التراثي"...

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف