كتَّاب إيلاف

التغيير الفوقي واستنساخ الأنظمة السابقة!

الفساد المالي والسياسي حول دولاً غنية مثل العراق وليبيا إلى أفشل دول العالم وأكثرها بؤساً
قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

بعيداً عن إرهاصات النظم السياسية وانقلاباتها الداخلية منذ انتهاء الحكم العثماني وبداية تبلور دول جديدة بأنظمة ملكية وجمهورية استنسخت فيها تجارب غربية لا علاقة لها بطبيعة المجتمعات الشرقية، هذه الأنظمة التي تقهقرت أمام تحديات داخلية وخارجية، كان أبرزها فقدان الوعي، والتخلف الحضاري، والنزعة القبلية والدينية، حيث أنتجت مجموعة من النظم القومية والدينية أساسها الصراع المجتمعي والتأثيرات الإقليمية، والتي أسست نظماً مغلقة ومكبلة بقيود حديدية تحكمها العسكريتارية والأجهزة الأمنية، حيث أفقدت أي معارضة كانت فرصة تغييرها إلا باستخدام الخيار الخارجي، الذي اجتاح العديد من دول الشرق الأوسط، واستهدف تحطيم الهياكل الفوقية لتلك الأنظمة الراديكالية بمختلف توجهاتها يميناً ويساراً، دينياً أو مدنياً، في محاولة لإرساء نظم حديثة بلبوس ديمقراطي على الطريقة الغربية، وبالرغم من كل المحاولات والإنفاق الهائل، فشلت بعد عقدين من الزمن في تجربتها العراقية من أن تنتج قاعدة مجتمعية لاستخدام أدوات تلك الديمقراطية، حيث عادت تدريجياً تلك الموروثات المتأصلة في البناء الاجتماعي وانعكاسها على تكوين الأنظمة الجديدة.

إنَّ أكثر شرائح المجتمع التي أصيبت بالذهول والإحباط، بل الحيرة والإحراج الذي وصل حدّ المهزلة، هي الشرائح الواعية والمثقفة التي وقفت مذهولة أمام أنظمة جديدة تم تأسيسها على حطام سابقتها دون إحداث أي تغيير أفقي في المجتمع الذي بدا أكثر تعقيداً وتناقضاً مما كان عليه في النظم المغلقة، حيث رفعت بعض القيود الشمولية الكبرى كي تظهر بدائلها الصغرى في التركيبات القبلية والدينية التي تتعلق بطبيعتها البدوية والزراعية والعشائرية المتعطشة للسلطة والمال.

إقرأ أيضاً: العشوائيات الديمقراطية

ولم يكن حال تلك الشرائح أفضل من عامَّة الناس، وهي بالتالي مقيدة بكثير من سلاسل التقاليد والنظم الدارجة، وبقيت بالرغم من وعيها وإزاء ظروف قاهرة تتعلق بطبيعة النظام وضوابطه الصارمة اضطرت لتسخير أدواتها، قلماً كان أو حنجرة أو فرشاة رسم أو ريشة عزف أو خشبة مسرح أو منصة علم ومعرفة تكتب وترسم وتغني وتعزف على أوتار ذلك النظام كأي موظف تنفيذي ليس إلا، وبالرغم من إدراكها بأن ما تقوم به لا يرتبط بشخص النظام بل لتكريس الفن والمعرفة في ظل نظام طاغٍ، متوهمة بأنها ستزيل انكسارات النفوس العميقة وجروحها، وإزاء ذلك، كانت هناك أيضاً مجاميع أخرى من المثقفين تضمها سجون رهيبة، وأخرى قتلت وتم تصفيتها أو هاجرت وتحملت كل مآسي ذلك الرحيل القسري لأنها كانت ترفض ولا توافق أو تؤيد ذلك النرجسي الأوحد والقائد الهمام ونظامه الشمولي، بينما انعزل آخرون إلى زوايا بعيدة عن الأضواء لدرجة أنهم استبدلوا مهنهم وإبداعاتهم بأشغال وأعمال أخرى لا علاقة لها بالثقافة وعوالمها وبعيدة عن الأضواء ودوائر التأثير!؟

إقرأ أيضاً: إشكالية المعارضة في الشرق الأوسط

وخلال عقدين من الزمن، وبالرغم من كل المبررات الواهية التي تسوقها الحكومات، تارة بسبب الحرب مع الإرهاب أو بسبب الفساد الهائل الذي أنتجته، إلا أنها انحدرت تدريجياً إلى سلوكيات لا تختلف عن الأنظمة السابقة، وتحولت في كل من العراق وسوريا وليبيا واليمن وحتى في لبنان من دكتاتورية شخص واحد إلى دكتاتوريات ميليشياوية متعددة تتكاثر وتنشطر مع ارتفاع سعر البترول والدولار، مستثمرة في حكمها تارة المذهب وأخرى القومية وثالثة الدين والقبيلة وأخيراً غزة وشماعة تحرير فلسطين وعاصمتها القدس بعنتريات وشعارات تجاوزت من سبقتها في تسويق الخطابات النارية لتخدير الناس وتسطيح وعيهم، وبدلاً من الالتفات إلى الداخل الذي يعاني من بطالة مخيفة وارتفاع خطير في مستويات الفقر والأمية، انتشر الفساد المالي والسياسي وغدت دول غنية مثل العراق وليبيا من أفشل دول العالم وأكثرها بؤساً.

إقرأ أيضاً: القضية الكُردية ليست معارضة!

لا اعتقد أنَّ أيّ عملية إصلاح بإمكانها تغيير الأوضاع الحالية بوجود وتغلغل هذه الشبكة المعقدة من الفساد المالي والسياسي والإداري والطائفي والقبلي في أدقّ مفاصل الدولة والمجتمع، يرافقه إحباط كبير لدى غالبية الشعب لا يختلف عن الإحباط الذي أصيب به في الأنظمة السابقة!

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
هل نسيت واقع الحال لديكم
حسين -

منذ سنين يكتب السيد كفاح محمود ، المستشار السابق لحكومة اقليم كردستان وزعماءها ، عن الوضع العراقي الداخلي بعيدا عما يدور في اقليم كردستان العراق ، ويكيل الذم والقدح على العراق وبكل انظمته ، السابقه والحالية رغم ما فيها من مآسي وآلام على جميع العراقيين ولا اقول لا يوجد فساد وسرقات ولكنها تشمل كل المحافظات بما فيها اقليم كردستان ... طيب الاقليم لديه قيادة وحكومة ، هل جئتنا يا سيد كفاح بمقال عن واقع الحال المؤلم في الاقليم والفساد والارهاب المخابراتي فيها على نفس صيغة مخابرات نظام صدام والقذافي اختطاف وتصفية المعارضين والمنتقدين ... مقالات كتاب لامعين كرد امثال سامان نوح وغيره يتحدثون عن واقع الحال في الاقليم ، واين انت يا سيد كفاح

...
نافع عقـراوي -

لمن كتب هذه الأسطر (( اين اصبحت اموال التوفير الإجباري وأين رواتب الموظفين والمتقاعدين واستحقاق المقاولين ...أين هي الخدمات العامة للمواطنين من صحة وتعليم وضمان ..وأين وعد كبار مسئوليكم بأن الإقليم سيضاهي دبي )

مافيات المال والسلاح
حسن صالح الشنكالي -

خلاصة القول كنا نحلم قبل 2003 بسقوط النظام لكن للاسف استبدلنا دكتاتورية يتمثل بقائد اوحد ودكتاتور واحد بعشرات الدكتاتوريات المال والسلطة والسلاح استولت عليها من خلال هيمنتها على القرار العراقي والسيادة العراقية ..

التغيير والتحولات بغياب شكل الدولة
علي رستم -

أشرت إلى تشوه شكل الأنظمة السياسية بغياب الدولة في التاريخ الحديث وخاصة في القرنين العشرين والواحد والعشرين ..في قراءتي لتاريخ العراق لم نجد أو نعثر على مشروع وطني في الدولة واغلب الأحزاب والساسة دخلو دهاليز الصراع القومي الاديلوجي العقائدي وتخلوا عن بناء مجتمع الدولة وبالتالي تحولت الدولة آلى مقاطعات تدار بوهسطم الشعارات وماحصل مابعد 2003 تغيير على أن يكون المرتجى دولة لكن تمت إعادة إنتاج مااشرت إليه بدكتااوريات صغيرة تبني أعشاشها على طبقات معدمة وأمية وهي اليوم تتكاثر في صناعة وهم هؤلاء بالسلطة وليس الدولة

شعوب تعادي الديمقراطية وهي لم تتمتع بها إلا قولا
محمد سيف المفتي -

قرأتُ مقالك عن صراع الأنظمة والمجتمعات" باهتمامٍ كبير، وأودّ أن أشكرك على هذا التحليل المُعمّق لتاريخ المنطقة وتحدياتها الراهنة.أُؤيدُك تمامًا في تحليلك لفشل محاولات فرض الديمقراطية على طريقة غربية في بعض دول المنطقة، وذلك لعدم وجود قاعدة مجتمعية مؤهلة مسبقا، و تُؤمن بأدواتها، ناهيك عن موروثاتٍ ثقافية واجتماعية تُعيق عملية التغيير.رفعت لك القبعة لتركيزك على أهمية دور الشرائح الواعية والمثقفة في إحداث تغيير إيجابي، حيثُ تُشكل شعلة أملٍ في رحلة الشرق الأوسط نحو التطور.أعتقدُ أنّ رحلة الشرق الأوسط نحو التطور رحلةٌ شاقةٌ ومستمرة، لكنّها رحلةٌ ضروريةٌ لبناء مستقبلٍ أفضل للأجيال القادمة.