كتَّاب إيلاف

كيمياء الزمن

رجل أمام لوحة لبيكاسو بيعت بمبلغ 139 مليون دولار في مزاد
قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

زعم الناس قديماً أن العلم بالكيمياء وممارستها يحيل "خسيس" المعادن "نفيساً"، ويجعل رخيص الفلزات "ذهباً وفضة"! وسواء أصدقوا في زعمهم هذا الذي زعموا، أو كانوا مغالين فيه، فإنَّ كيمياء الزمان أذهب أثراً، وأمضى سحراً من كل كيمياء القدماء والمحدثين.

وإن شئت برهاناً على ذلك، فاسأل جدك أن يريك عملة قديمة، ثم انظر إلى نفسك وقد شخص إليها بصرك، وفغرت لها فمك، وجعلت تقلبها وجهاً لظهر، وظهراً لوجه، ثم تحولت إلى جدك وجعلت تستفتيه، وتستجوبه، وتقرره: كم مضى عليها من الزمان منذ فارقت دار السك؟ وكم كانت تبلغ قيمتها؟ ومن ذو الشوارب هذا الذى ضربت صورته على وجه العملة؟ فإذا ما فرغت من استجواب جدك، تراك وقد غلفتها، وذخرتها فى حرز مصون كأنما قد ظفرت بكنز من كنوز قارون!

لكنك لو أبصرتها في زمانها لعلمت أنها ما كانت إلا عملة؛ إن قامت لك بحاجة يومك لم تقم لك بحاجة غدك، لكن أغلتها، ورفعت قيمتها يد زمان مستها فزينتها للناظرين!

فإن أردت آية أخرى على كيمياء الزمان ففتش فى "كراكيب ستى وستك" التى تجهزت بها قبل سبعين سنة، أو تلك التى ورثتها عن جدتها، أو أهدتها إليها خالتها وعمتها، فهل ترى إلا بضع أخلاق من الثياب، ومكحلة من نحاس، وقدحاً من خزف؟! ثم انظر إلى نفسك وقد برقت عيناك، وانسحر فؤادك، وانحبس لسانك، وجاش خاطرك: أحقاً أمسك بيدى قطعة من الزمان قد شهدت الأحداث والوقائع، وهى ماثلة اليوم عندى أستنطقها أحاديث القرون الغابرينا؟!

إقرأ أيضاً: بوب مارلي الذي تنبأ بغزو روسي!

فأي شىء أخرجها من تحت مسمى "أسقاط المتاع"، وبالمصرى "خَرْج بيوت"، فجعلها قطعاً مُتحفية؟! إنها يا صديقي يد الزمان مستها فزينتها للناظرين!

ثم أنظر إلى هذا الشيخ الفاني وقد حفت به مذيعة حسناء، وإعلامى شهير، ومصور بارع، يلتقطون منه كل كلمة، أو لفتة، أو إيماءة، ولعلك تظن فى نفسك أنَّ هذا محارب قديم يقص عليهم وقائع الزمان، وحسن بلائه فيها، أو لعلك تظنه حكيماً معمراً ينبئهم مواعظ الدهور، وعِبَر الأيام، لكني أقول لك: قد أحسنت الظن، وليس كل الظن حسناً! فإن هذا المُحتفَى به ليس إلا مجرماً أثيماً قد أزهق أنفساً، وأتلف أموالاً، وانتهك حرمات ما كانت لتنتهك، وقد أُخلى عنه بعد طول حبس، ولو أبصره فى زمانه هؤلاء الذين يحاورونه ويحتفون به لقالوا إنَّ الموت قليل على مثله؛ لِعظم جرمه. لكن ها هو اليوم "شيخ عمود" جالس يحاضر فى القوم، فتؤخذ شهادته وتذاع فوق كل منصة، وعلى كل منبر!

إقرأ أيضاً: رجل أمن أم خبير عيون!

فأي شىء نقل مثله من صحف السوابق، ونشرات المطلوبين إلى منابر الإعلام، ومنصات الصحف؟! أقد رد المظالم؟! أم أحدث توبة؟! أم تحلل المظلوم؟! إنه لم يحدث من هذا شيئاً، لكن هي يد الزمان مسحت رأسه فجللته الوقار والوجاهة، ومحت صحائف سوابقه!

فهذه كيمياء الزمان، وذلك سحره الذى لم يبلغه ساحر، ولا أحاط به كيميائي.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف