أوراق العمر
تجربتي مع المسرح
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
الحاجة أم الاختراع! مثل إنکليزي يذکرني بأول تجربة لي في المسرح، إذ کنت في ذلك الوقت، وتحديداً في العام 1973، في مدينة السعدية الصغيرة، وصودف اتجاه إلى إقامة حفل في ثانوية السعدية للبنات، ولئن کان من المعتاد أن تتضمن تلك الحفلات وصلات غناء وأناشيد، فقد اقترحت، بالرغم من أنني کنت صغيراً في السن، تقديم مسرحية، وتمت الموافقة عليها، وخلال فترة قياسية کتبت نصاً کوميدياً بعنوان "قاجيك أبو النعلجة"، والمثير في الامر أنني ضمنت النص المسرحي شخصية نسائية، وسرعان ما أعلن أحد المشارکين استعداده لأداء الدور النسائي، واستعان بباروکة نسائية لهذه الغاية، وأجرينا ببروفات مکثفة، ما زلت أتذکر عن أجوائها أنَّ الممثلين لم يكونوا يستطيعون منع أنفسهم من الضحك وهم يرددون الحوار. ولأنني کنت مخرجاً للمسرحية ومشارکاً فيها أيضاً بدور موظف فاسد يتقاضى الرشى ويغازل النساء، فقد کنت أسمح لهم بالضحك، ولکن أذکرهم بأن يتقمصوا دورهم على المسرح وأن يتصرفوا وکأنهم فعلاً تلك الشخصيات.
قُدمَت المسرحية فوق أردأ مسرح عرفته في حياتي، وکان يتکون من رحلات الطالبات، لکن بالرغم من ذلك، فاجأني الجمهور السعداوي وحقق العمل نجح نجاحاً کبيراً لم أتوقعه، کما أن المطرب الراحل صلاح عبدالغفور، وکانت تربطني به علاقة صداقة وثيقة، شارك في الحفل بأغان للمطرب العراقي فاضل عواد، وکان يتقن تقليد صوته، كما قدم أغنية هزلية بعنوان "حمدية السمينة" أضحکت الجمهور أيضاً.
هذه التجربة المسرحية الاولى في حياتي ظلت راسخة في بالي خصوصاً بعد نجاح المسرحية الباهر، وفي عام 1974، عندما انتقلنا إلى مدينة السليمانية، اشتريت کتباً في مجالي التأليف والاخراج المسرحي، إضافة إلى عدد من المسرحيات العربية والمعربة، وانكببت طوال العام 1974 على قراءتها والتبحر فيها أکثر من انشغالي بدراستي الإعدادية، حتى جاء العام 1975، فوجدت الفرصة سانحة لتشکيل فرقة مسرحية في نقابة عمال البناء والمشاريع، لأنَّ صداقة كانت تربط رئيس النقابة بأخي الکبير الراحل.
هذه الفرقة التي سميتها "پڕۆژە"، بمعنى "مشروع"، كانت فعلاً تجسِّد مشروعاً مهماً في حياتي في تلك الفترة، حيث تصورت أنني سأستمر کمسرحي طوال حياتي، والملفت أنَّ أعضاء من هذه الفرقة برزوا في ما بعد کممثلين بارعين في مجال المسرح والسينما، وقدمت الفرقة مسرحيات مختلفة ومنوعة، خصوصاً بعد أن قرأت کتباً لقسطنطين ستانسلافسکي وبرتولد بريشت وأنطونين آرتوا ويوسف عبدالمسيح ثروت وغيرهم، وبدأت بتأليف مسرحيات سعيت فيها من حيث المبدأ إلى السير على خطى بريشت وبأسلوب يحاکي أسلوب کليفورد أوديتس في مسرحية "في انتظار اليسار"، وقدمت الفرقة مسرحية لها في مصيف قشقولي تحت عنوان "الشعب يريد"، ولکن ليس على المسرح بل على الارض الجرداء، عندما فاجأنا الحضور بتقديم المسرحية، حيث بدأتها شخصياً بخطاب لفت الانتباه وجعل الناس يتجمهرون وقدمنا المسرحية.
الحقيقة، عندما أتذکر تلك الفترة من عمري وحماستي واندفاعي غير العاديين، أدرك الآن لماذا معظم النشاطات الابداعية وحتى الاختراعات وما إليها، ترتبط بمرحلة الشباب وفورانه والسعي من أجل وضع البصمات على جبين الزمان!
إقرأ أيضاً: القنبلة الطائفية
قدمنا مسرحية "الشکل" على مسرح تم نصبه على الماء في مصيف سرجنار بالسليمانية، وکانت المسرحية ملحمية، أي من مدرسة بريشت، وکانت تتناول بصورة رمزية انهيار الحرکة الکوردية المسلحة ضد النظام في آذار (مارس) 1975، والملفت للنظر أننا قدمنا العمل في يوم ممطر، إذ کنا جميعاً نٶدي أدوارنا تحت المطر فيما الجمهور يتابع المسرحية تحت المظلات!
وبمناسبة يوم المسرح العالمي في عام 1977، وعلى مسرح تابع لجامعة السليمانية، قدمنا مسرحية "السر" من تأليف الکاتب العراقي محي الدين زنکنة وإخراج الفنان الکردي المعروف جليل زنکنة، وقدمنا في أحد مشاهد المسرحية رقصة شارك فيها الجنسان، وهو أمر لفت الأنظار لا سيما في ذلك الوقت، وكانت تلك المسرحية تتحدث عن أسر فدائي من قبل الإسرائيليين وتعذيبه حتى يعترف، وکنت أمثل دور الفدائي، فيما کان يقوم بدور الضابط الإسرائيلي الذي يمارس التعذيب الممثل المسرحي السينمائي المعروف في إقليم کوردستان آزاد سوراني.
إقرأ أيضاً: قيادة جماعية لنظام ولاية الفقيه بعد خامنئي
نشاطات هذه الفرقة لم تقتصر فقط على تقديم المسرحيات، بل قدمت نشاطات ثقافية وفکرية أيضاً، حيث عقدنا ندوات ونشاطات حول المسرح والشعر والمسائل الفکرية الأخرى، والحق إنني عندما أتذکر تلك الأيام، يتبادر إلى ذهني وأنا في هذا السن كم كانت طموحاتنا كبيرة، مع الاخذ بنظر الاعتبار أنَّ العراق برمته کان خاضعاً لحکم نظام حزب البعث الدکتاتوري، وكنا في تلك الفرقة مجموعة من المراهقين الانتحاريين إن صح التعبير، إذ کانت المبدأية الانفعالية والاندفاع هو الذي يطغى علينا ويوجهنا. وجدير بالذکر أنه في تلك الفترة دفع عدد من الفنانين الملتزمين بقضايا فکرية ومبدئية حياتهم ثمناً لمواقفهم، نظير الشاعر والکاتب والممثل دلشاد مريواني، والمطرب قادر کابان، والشاعر والممثل المسرحي برزان عثمان.