كتَّاب إيلاف

الأمم المتحدة والاعتراف بدولة فلسطين

من تظاهرة في دير البلح في الأول من أيار (مايو) 2024 لشكر طلاب الجامعات الأميركية والكندية على مساندتهم الشعب الفلسطيني
قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

تساؤلات كثيرة تثيرها مقاربة الأمم المتحدة حول الاعتراف بالدولة الفلسطينية كدولة كاملة العضوية تحت الاحتلال، وأولها هل يمكن قبول دولة كاملة العضوية تحت الاحتلال؟ وما هي الأسس والمعايير التي يتضمنها طلب العضوية؟ وهل من بديل للفيتو الأميركي وكيفية التغلب عليه؟ وماذا يعني الاعتراف بفلسطين دولة تحت الاحتلال؟

إنَّ الأساس في عضوية المؤسسة الأمميَّة أن تكون الدولة مستقلة، وهذا الشرط غير قائم بالنسبة إلى فلسطين، وهنا تبرز المسؤولية الدولية المتمثلة في وجوب إنهاء الاحتلال لاكتمال شرط العضوية. لكننا هنا أمام أنموذج خاص واستثنائي في قبول الدول الأعضاء لا ينطبق على عضوية فلسطين. فالأصل أنَّ هناك قراراً دولياً يحمل الرقم 181 لعام 1948، وهو قرار التقسيم الذي بموجبه قُبلت إسرائيل دولة في الأمم المتحدة، وقد جرى اشتراط قبولها بحلّ مشكلة اللاجئيين وبقيام الدولة العربية على مساحة 44 بالمئة من أراضي فلسطين التاريخية. وقد يقول قائل إنَّ هناك رفضاً عربياً لهذا القرار، لكن الواقع يشير إلى أن الرفض لم يكن رفضاً مطلقاً، بل متضمناً اقتراح إقامة دولة واحدة لجميع السكان. في المقابل، يجدر الانتباه إلى أنَّ قرارات الشرعية الدولية لا تسقط بالتقادم، وهذا يعني أنَّ القرار ما زالت له قوته الشرعية، ويشكل مرجعية دولية لقبول فلسطين دولة كاملة العضوية في الأمم المتحدة.

من ناحية أخرى، فإنَّ كل الأراضي الإضافية التي ضمتها إسرائيل إلى حصة الدولة التي اقترح القرار الأممي قيامها على مساحة 55 بالمئة من أراضي فلسطين التاريخية جاء كنتيجة مباشرة لحربي 1948 و1967، وهو ما يعني أنَّ الضم غير شرعي أو معترف به، لأنَّ الأصل أنَّ إسرئيل قبلت بحدود القرار المذكور.

هذه المعطيات آنفة الذكر تشكل عناصر قوة للمطلب الفلسطيني الرامي إلى تحويل فلسطين من دولة مراقب لا تتمتع بالحقوق إلى دولة كاملة العضوية تحت الاحتلال بحقوق كاملة.

لكن ماذا يعني هذا الاعتراف، وكيف ومتى يتحقق ويصبح ملزماً، بالرغم من الفيتو الأميركي؟ بداية يجب التأكيد على أهمية الاعتراف بالدولة الفلسطينية كاملة العضوية تحت الاحتلال كأحد أهم مقاربات الشرعية الدولية، والذي سيترك تداعيات إيجابية تترتب على هذا القبول، وبالتالي تفعيل خيار المسؤولية الدولية في إنهاء الاحتلال وفرض العقوبات على الاحتلال وفقاً للفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، بل يتعدى ذلك إلى التشكيك في عضوية إسرائيل ذاتها، ومن ثم التقدم بطلب لإعادة النظر في عضوية إسرائيل كدولة استناداً إلى القرار الأممي المذكور. إذ لا يجوز قبول دولة كاملة العضوية في الأمم المتحدة، وفي الوقت ذاته الموافقة على بقائها تحت الإحتلال، فهذا أمر مناقض لميثاق الأمم المتحدة ويعتبر إنتهاكاً له. إنَّ إسرائيل، كدولة كاملة العضوية، لا تكتمل شروط عضويتها إلا بدولة فلسطينية كاملة العضوية، وهذه هي الإشكالية الكبرى التي يحاول الفيتو الأميركي أن يتغلب عليها بزعم التفاوض على قيام الدولة الفلسطينية مع إسرائيل وليس عبر الأمم المتحدة، وهنا المفارقة، إذ متى كان التفاوض على قيام دولة يكون مع الدولة المحتلة؟ ولعل هذا ما يفسر الفيتو الأميركي الأخير الذى أسقط طلب فلسطين بالعضوية الكاملة. لأنَّ القبول يفرض تفعيل الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة لإنهاء الاحتلال، وهو ما لا تسطيع معه أميركا الاستمرار في توظيف الفيتو ضد دولة كاملة العضوية، وهذا يفسر سبب الفيتو الأميركي الأخير.

إقرأ أيضاً: غزة والانتخابات الأميركية

بالرغم من أهمية الاعتراف بفلسطين دولة كاملة العضوية تحت الاحتلال، يجب ألا نذهب بعيداً في تحميله أكثر مما يحتمل، فهذا الاعتراف لا يعني نهاية احتلال الأراضي الفلسطينية، ولكنه قد يكون بداية لطريق سياسي طويل لبلوغ قيام الدولة الفلسطينية المستقلة. ومن المعلوم أنَّ طلب العضوية يُقدم بالخرائط وبحدود معترف بها تستند على القرار رقم 242 الذى رفض ضم الأراضي بالقوة في أعقاب حرب 1967، وبما يشمل الضفة الغربية وغزة، وهو ما يعني أنَّ الطلب يتضمن حدود عام 1967، التي تشكل مساحتها حوالى عشرين بالمئة من أراضي فلسطين التاريخية، وهو ما يعني تنازلاً كبيراً من الجانب الفلسطيني وإضفاء صفة الشرعية على ما احتلته إسرائيل في أعقاب حرب 1948، أي أنَّه يصب في صالح إسرائيل، ومع ذلك ترفضه إسرائيل بحجج وذرائع وسرديات تفتقد إلى الشرعية، ولا تلتزم بالحقوق التاريخية، وتستند على القوة والدعم الأميركىي بالفيتو في مجلس الأمن، وهو ما يعنى أيضاً تناقضاً صارخاً مع ميثاق الأمم المتحدة، وسبباً في استمرار الصراع وعدم استقرار المنطقة، وعاملاً مسبباً لاندلاع الحرب، وهو ما يقوي من الطلب الفلسطيني للتغلب على الفيتو الأميركى بتفعيل قانون الاتحاد من أجل السلام، وعرض طلب العضوية على الجمعية العامة، وفي حال الحصول على ثلثي الأصوات، يصبح قراراً ملزماً ويتحقق الهدف من طلب العضوية.

إقرأ أيضاً: نتنياهو وأحلام اليقظة السياسة

إلى جانب هذا البديل، هناك مقاربة أخرى تتمثل في توسيع الاعتراف بفلسطين دولة خارج الأمم المتحدة، وهذا يتطلب دبلوماسية عربية وإسلامية نشطة ودول صديقة لتوسيع هذا الاعتراف، مما يجعل فلسطين حقيقة سياسية كما هي حقيقة قانونية. وهذا الخيار يبقى رهن متطلبات ومعطيات فلسطينية تتمثل أولاً في إنهاء الانقسام السياسي الداخلي، وإجراء انتخابات فلسطينية تقود إلى تأسيس نظام سياسي مدني توافقي برؤية سياسية واضحة لمقاربة الدولة الفلسطينية ولخيارات المقاومة السلمية الشعبية، وخصوصاً بعد حرب غزة وتفاعل الرأي العام عالمياً مع قضية الشعب الفلسطيني وخروج العديد من المسيرات المؤيدة للحقوق الفلسطينية والمنددة بالاحتلال والحرب الإسرائيلية على غزة. إنَّ مقاربة الدولة تشتمل على العديد من المقاربات، ومنها ربط السلام في المنطقة بالدولة الفلسطينية وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي، وهذا ما تخشاه إسرائيل ويثير قلقها.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف