كتَّاب إيلاف

رسائل بايدن في ذكرى إنزال النورماندي

الرئيسان الأميركي والفرنسي وعقيلتيهما يصلان إلى مقر الاحتفال في كولفيل-سور-مير في منطقة نورماندي
قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

استضافت فرنسا ثلاثة احتفالات رئيسية في منطقة النورماندي بمناسبة الذكرى الثمانين للإنزال الجوي التاريخي، حيث دارت إحدى أعنف المعارك يوم السادس من حزيران (يونيو) 1944، ونزل صبيحة هذا اليوم نحو 150 ألف رجل على شواطئ النورماندي، بمشاركة 11500 طائرة حربية و6900 سفينة. وقد شارك نحو 58 ألف جندي أميركي في الإنزال إلى جانب 54 ألف بريطاني و21 ألف كندي، بينما كان عدد الفرنسيين ضعيفاً جداً لم يتجاوز 177 رجلاً، ما شكل أكبر عملية عسكرية في التاريخ عرفت باسم نبتون لتحرير فرنسا من الاحتلال النازي الذي دام أكثر من أربع سنوات، والمساهمة في إلحاق الهزيمة بألمانيا، ودعم الهجوم المعاكس للقوات السوفياتية، ووضع حد للحرب العالمية الثانية في أوروبا.

يذكرني هذا الحدث بتحرير السعودية الكويت من صدام حسين عام 1991، بدعوة قوات عالمية بقيادة أميركية. وهذا ما تدركه السعودية اليوم، إذ أنَّ الولايات المتحدة، رغم الخلاف معها في عدد من الملفات، لكنها لا زالت القوة المهيمنة عالمياً، فتسعى نحو إبرام اتفاق دفاع مشترك معها على غرار الدفاع المشترك مع اليابان وأستراليا للتفرغ للتنمية.

سقط في اليوم الأول من الإنزال 10470 رجلاً من الحلفاء على رمال شواطئ النورماندي، وعلى بعد عدة كيلومترات من الشاطئ كانت المقاومة الألمانية ضارية. وقد شارك في الاحتفال الفرنسي قادة من 25 دولة، في حين أنَّ الزيارة إلى فرنسا كانت الأطول لرئيس أميركي. وقد ذكر جو بايدن فرنسا والدول الأوروبية أن الانعزالية لم تكن الحل قبل 80 عاماً، وهي ليست الحل اليوم. وبالطبع، يشير بايدن إلى أنَّ محاولات فرنسا لقيادة أوروبا عن طريق تشكيل قوة ذاتية بعيداً عن الولايات المتحدة سيكون مصيرها الفشل، ولن تستطيع أوروبا المضي في مواجهة روسيا بعيداً عن الولايات المتحدة.

بدوره، يطالب الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب دول أوروبا بدفع فاتورة الدفاع، حيث يعتبر أنه من غير المقبول أن تستمر الولايات المتحدة في تحمل نحو 70 بالمئة من الإنفاق على التسليح في حلف الناتو. ويرغب ترامب في أن تزيد دول أوروبا، وعلى رأسها الدول الكبرى مثل ألمانيا وفرنسا وغيرها، مساهمتها في نفقات التسليح بما يتناسب مع الناتج المحلي الإجمالي لكل منها. لكنَّ بايدن في خطابه أكد أنَّ التحالفات القوية ما زالت تعد أساسية، ولم ينسَ الداخل الأميركي، إذا ذكر الأميركيين بوجوب تجنب نسيان هذا الدرس، واتهم ترامب بأنه يعمد إلى اتباع سياسة انعزالية تنم عن انسحابه شيئاً فشيئاً من الانخراط في شؤون العالم، والتركيز على الولايات المتحدة وعلى مسائل أساسية بالنسبة إليها، مثل التنافس مع الصين.

إقرأ أيضاً: أميركا تستنجد بالصين لكبح الحوثيين

وجه بايدن رسالتين إحداها للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وهي رسالة مبطنة وصفه فيها بالطاغية العازم على الهيمنة، ما يعني أن بايدن يقصد أن أميركا ضربت عصفورين بحجر واحد بعد رفض بايدن إعطاء بوتين ضمانة بعدم توسع الناتو شرقاً، ما جعله يتورط في حرب في أوكرانيا في شباط (فبراير) 2022، من أجل استنزافه وتحييد مطالبه بعالم متعدد الأقطاب، بل وأصدرت المحكمة الجنائية الدولية أمراً بالقبض عليه بسبب ما تعتبره ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في أوكرانيا، ما يفيد أنَّ أمريكا ستبقى القوة المهيمنة، وفي نفس الوقت تواجه الصين بشكل منفرد لتحجيم قوتها التنافسية. الرسالة الأخرى وجهها إلى أوروبا، وتفيد بأن أمريكا تجدد تأكيد دعمها لأوكرانيا وتعلن عدم التخلي عنها، وذكر أوروبا، وبشكل خاص فرنسا، بأنَّ الحلف الأطلسي أكثر اتحاداً اليوم من أي وقت مضى، وأكثر استعداداً للمحافظة على السلام. وبالطبع، يرسل بايدن رسالة تفيد بأن خصمه ترامب أراد التضحية بالحلف الأطلسي خلال رئاسته، بينما بايدن أعاد اللحمة للحلف بمجيئه رئيساً.

إقرأ أيضاً: باب المندب... أهم الممرات البحرية!

هذه الاحتفالات الثلاثة تستبق أربعة استحقاقات رئيسية، الأول قمة السبع للدول الأكثر تصنيعاً في منطقة بوليا جنوب إيطاليا ما بين 13 و15 حزيران (يونيو) 2024، والثاني قمة السلام التي تستضيفها سويسرا يومي 15 و16 من الشهر نفسه، ومناقشة القرار الأوروبي الأميركي استخدام عائدات الودائع المالية الروسية في الغرب التي تقدر بنحو 300 مليار دولار، منها 200 مليار دولار في بلجيكا، لتمكين أوكرانيا من شراء الأسلحة التي تحتاج إليها من الغربيين، وفي نفس الوقت مناقشة إعطاء الضوء لكييف من أجل استخدام الأسلحة الغربية خصوصاً الأسلحة بعيدة المدى داخل الأراضي الروسية، لكن بايدن لن يحضر مؤتمر السلام في سويسرا حتى لا يتم إحراجه من قبل الأوروبيين، لأنَّ أميركا لا تود استهداف الداخل الروسي، بل تود فقط حصر المواجهة في أوكرانيا، لأنها لا ترغب بتوسع الحرب في أوروبا.

إقرأ أيضاً: تداعيات عسكرة البحر الأحمر على الأمن والاقتصاد

الاستحقاق الثالث هو مبادرة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لتشكيل تحالف من عدة دول ستعمد إلى إرسال مدربين عسكريين إلى أوكرانيا لتدريب القوات الأوكرانية محلياً، بعد أن كان يتم تدريبهم خارجياً خصوصاً في بولندا، ومنذ عامين تم تدريب ما لا يقل عن 52 ألف جندي أوكراني إضافة إلى تدريب طيارين أوكرانيين على قيادة طائرات إف 16 أميركية الصنع، لكن المقترح الفرنسي يلاقي رفضاً أميركياً وأطلسياً، وأبرز المعارضين الأوربيين ألمانيا، فيما يلقى دعم بولندا ودول البلطيق التي لديها خشية من روسيا، بل اعتبر أمين عام الحلف الأطلسي ينس ستولتنبرغ من فنلندا أنَّ الحلف لا يملك خططاً لإرسال مدربين إلى أوكرانيا وهو حال فنلندا. أما الاستحقاق الرابع، فعنوانه قمة الأطلسي في الولايات المتحدة في منتصف تموز (يوليو) 2024، التي ستركز على ملف أوكرانيا وكيفية العمل على حرمان روسيا من تحقيق انتصار ميداني.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف