كتَّاب إيلاف

كَرَّة خاسرة‎

من صور تظاهرات يناير في مصر
قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

يقوم في كل عام دعاة مجهولون أو معروفون يدعون الناس بمصر إلى الثورة يوم كذا وكذا! ويُهيبون بالناس الخروج، والعصيان، ومناوأة السلطة، وهم يؤُزُّون الناس إلى ذلك بتذكيرهم غلاء السلع، ومنغصات العيش، وسوء الحكم، وسرف الأثرياء، وفقر الفقراء! ولا يزالون كذلك يُذكون في النفوس الغضب، ويضعون لهم التدابير، ويشيرون عليهم بالحيل، ويزعمون لهم النجح والفلاح إن هم استجابوا لهم وثاروا!

وإلى هؤلاء الدعاة لست أتوجه بشيء، لكني أتوجه بكلمتين، وإن شئت فقل نصيحتين، فأما أولاهما فأتوجه بها إلى الدولة المصرية، فأقول:

ليس بيننا سبب من القرابة ولا المعرفة، لكن الوطن رحم بيننا، فمن أجل ذلك أقول: اجتهدوا أن تصلحوا ما اختل من معايش الناس وأقواتهم، وأن تستلوا سخيمة الصدور، فإن ذلك يورث السخط، والسخط هو النار التي تقبل التحريض وترضى العمل به، فالمتألم إذا اشتد به الألم، وزاد به الوجع، وعزَّ دواؤه يئس، فإذا يئس أصغى لكل ناطق، وانقاد لكل هاتف، ولم يتثبت من هوى محرضه، ولم يتبين أين تزل به قدمه، ولم يُقَدِّر لقدمه موطئها قبل خطوها، فإن المتألم ربما أقدم على إهلاك نفسه وغيره ولا يبالي؛ ليفر من ألمه.

وأما ثاني النصيحتين فإلى جمهور شعب مصر، وإني لعلى يقين أن المصريين في غنى عن نصحي ووعظي، وأن ما أبصروه، وكابدوه في سِنِي ثورة يناير وتوابعها قد حسم من قلوبهم التطلع إلى تكرارها، ولكن هو النصح.

هل رأيت من قبل رجلًا أصابه صداع، فتناول مطرقة فدمغ بها رأسه ليشفى! فهكذا كانت الثورات في كل بلد نزلتها، فالثوار ضاقوا بسوء الحال، وأرادوا عيشًا كريمًا فتبدل عيشهم بؤسًا وشتاتًا في البلاد! وكرهوا الطغيان واستبداد حكامهمهم بالحكم، وأرادوها "شوروية متداولة" يتناوبها الغني والفقير، والمدني والعسكري، والشريف والوضيع، فتقسم الحكم في البلد الواحد إلى جماعات شتى، لكل منها طاغيته! فلما صار الطغيان وضنك العيش أشد من ذى قبل ترحم الناس على طغاة ذى قبل!

وأحسب أن كثيرًا من المصريين لم ينسوا وقائع 2011 حيث كان كل من شاء يعمل ما شاء، لا يرده دين ولا خلق، ولا يزعه سلطان حاكم ولا قاضٍ، فأُحرِق ما أُحرِق، وانتُهب ما انتُهب، وأُتلف ما أُتلف، هذا مع وجود كبراء ووجهاء كانت لا تزال لهم الطاعة، فكيف بالآن والكل لا كبير له إلا نفسه؟! كان هذا والعيش أرغد، والحال أوسع، فكيف لو قامت ثورة وهذه الملايين التى أنهكها الفقر انطلقت في الطرقات والشوارع، أتظن أن كسرة خبز ستبقى في بيتك لأولادك؟! لقد كان البلطجية في 2011 يروعون الخلق، فكيف لو اجتمع مع البلطجية ميليشيا فلان، وميليشيا فلان؟! أتراك تقدر أن تحمي أهلك إن هم اقتتلوا أسفل دارك؟! وكيف تفعل إذا ركبت ثورتك بلدان وطوائف لمآرب يريدونها، وأطماع يحرصون عليها؟!

إقرأ أيضاً: مَالَ واحتجب!‎

لعل قائلًا يقول: إن ما حذرتنا إياه هو ذاته ما يدعو إلى الثورة! فأقول له: وهل قامت ثورة في إحدى بلداننا فرأيت أهلها انتقلوا إلى حال أحسن؟! لقد كانوا في حال وسطى، فحسبوا أن الثورة ستنقل حالهم إلى حال كندا والنرويج (إن سلمنا لهما بالأفضلية)، فإذا ثوراتهم تقذف بهم إلى أفريقيا جنوب الصحراء! وإن كنت ترى ذلك ثمنًا يسيرًا في جانب الحرية، والديموقراطية، والعدالة، والمساواة، فانظر إلى أحوال إخوانك من الوافدين إلى مصر، واسألهم كيف كانوا، وكيف أصبحوا، وهل وجدوا حرية، وديموقراطية، وعدالة، ومساواة؟! فأى خير لا زلت ترجوه من ثورة أخرى؟! لكأنى أسمع قائلًا يقول: وتريدنا أن نحافظ على فقرنا، وسوء حكامنا؟! كأنك يا بن زين من بطانتهم، وأحد صنائعهم! تلوم الثوار، وتدع من يتعمدون إفساد الثورات، وضرب أهلها بالفتن، وشغلهم بالاقتتال؟! فأقول: لست من بطانة أحد، ولست مدَّاحًا لأحد، ولست آمرك أن تحافظ على فقرك، وسوء حاكمك، لكنى أريدك أن تحافظ على ذلك السقف الذى يستر ابنتك وامرأتك قبل ألا يكون لهما ستر. وأريدك أن تحافظ على كسرة الخبز وملعقة الأرز قبل ألا تجدها. وأريدك أن تحافظ على سرير والدتك المسنة وحبة دوائها قبل أن تضطر لحملها فوق ظهرك وتسير بها من بلد إلى بلد في الحر والبرد وهى في سن الإكرام. بل أريدك أن تحافظ على آخر قوارب النجاة قبل أن تجد نفسك غريقًا في عرض المتوسط، أو هالكًا في إحدى الصحراوات تشرب السراب وتأكل الرمال، أما لماذا يصنعون لنا الفتن بثوراتنا؛ فلأن ذلك من طبائع الثورات، الجميع يقاتل الجميع، ولو لم يفعل ذلك الفلول السابقون فسيفعله رفاق الثورة بأنفسهم وبإخوانهم.

إقرأ أيضاً: العيال كبرت

لقد نظرت في الدعوات إلى تكرار الثورة في مصر فرأيتها لشدة الغفلة لا يدعو إليها إلا أحد ثلاثة: غلام مراهق من مواليد 2012، أو رجل سفيه أحمق، أو صاحب ثأر فهو يريد أن يدرك ثأره كيفما اتفق! وإنه لا يجدر بأحدنا اتباع غلام مراهق، ولا سفيه أحمق، ولا موتور ذى ثارات.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لله الامر
abdo -

لا يسعنا الا القول حسبنا الله ونعم الوكيل