الشُعوبيون الجُدد
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
عُرِّفت الشعوبية، منذ ظهورها في نهاية العصر الأموي وبداية العصر العباسي، بأنها نزعة عنصرية معادية للعرب كان هدفها الأساسي إعادة السلطان للعجم وضرب الإسلام وإحياء ديانات قديمة. منذ ذلك الوقت، أصبحت الشعوبية واسعة الانتشار، ودخلت في تجاذبات واتخذت صورًا وأشكالًا متعددة عبر التاريخ، وصولًا إلى وقتنا الراهن الذي اتخذت فيه صيغًا جديدة. اليوم تُعرّف الشعوبية بأنها كل دعوة تهدف إلى هدم الفكر العربي الإسلامي في أعمدته الأساسية: الإسلام، واللغة، والتاريخ، والتراث.
ما يجمع الشعوبيين قديماً وحديثاً هو العداء للعرب والإسلام. الشعوبية الجديدة لا تختلف عما كانت عليه في الماضي من حيث الهدف والأسلوب، غير أن الفارق بين الحاضر والماضي يكمن في أسلوب خطاب التضليل الذي تمارسه. لقد تمكنت الشعوبية الحديثة من إغفال جماعاتٍ وفئاتٍ من الأمة، وشراء ذمم البعض الآخر، معتمدةً في ذلك على سلطة المال والإعلام، واستغلال الدعاية السياسية، وترويج الثقافة الطائفية لضرب الدول والمجتمعات العربية والإسلامية. بالتالي، فإنَّ وجود الشعوبيين لم يقتصر على فترة زمنية معينة، بل امتد عبر مراحل زمنية مختلفة حتى وصلوا إلى وقتنا الراهن. وإذا كان الشعوبيون الأوائل من الأعاجم، فإنَّ الشعوبيين الجدد اليوم هم من أبناء الجلدة العربية. وإذا كان الأولون قد أرادوا إحياء ثقافاتٍ أخرى على حساب الثقافة العربية، فإنَّ الشعوبية الحديثة تسعى إلى استيراد ثقافاتٍ هجينة على حساب ثقافتنا العربية والإسلامية.
تتمثل أهم مظاهر هذه الشعوبية الجديدة في الدعوة إلى إحياء اللهجات العامية ونبذ اللغة الفصيحة، والمناداة بإحلال الحروف اللاتينية محل الحروف العربية، وإشاعة فكرة رفض الماضي والتراث، ورفض كل اعتزاز بمجدٍ تليدٍ بحجة التطلع إلى الأمام. كما يسعى الشعوبيون الجدد إلى ربط المبدعين العرب في شتى ألوان العلوم والفنون بغير الأصل العربي، وإنكار أي إسهامات للعرب في الحضارة، ونسبة كل خير فيهم إلى اليونان والأمم السابقة. كما يُحمل العرب مسؤولية سقوط الخلافة الإسلامية، ويتم تصويرهم كعنصر خائن. لذلك، ليس تجنياً أن نطلق على بعض الأدباء والروائيين والإعلاميين والباحثين ورجال الدين ومشاهير السوشيال ميديا وغيرهم لقب "الشعوبيين الجدد". البعض منهم أصبح أكثر شعوبية من الشعوبيين القدامى أنفسهم، بعد أن بلغ خطابهم من السقوط ما يثير السخرية والاشمئزاز، لدرجة أننا بتنا نسمع ونقرأ يوميًا من يسبّ العروبة ويشتم العرب وقيمهم الإسلامية، ويطلق أحكامًا جائرةً ضد تاريخهم وموروثهم وأعرافهم ورموزهم، بل ويستهين بهويتهم وثقافتهم وانتمائهم، وكأنهم غير مؤهلين للحياة والمستقبل. الأكثر من ذلك، أن الغلاة من هؤلاء الشعوبيين الجدد يمارسون التدليس والتشويه، بعد أن استبطنوا النفاق في قلوبهم وباعوا ضمائرهم في سبيل عرضٍ من الدنيا زائل. بدت البغضاء من أفواههم وأقلامهم المسمومة والمأجورة في طعنهم لأمتهم ودعوتهم إلى الانسلاخ عن الإسلام بحجة أنّه المسؤول عن كل ما أصابنا من مصائب.
بالعودة إلى ما يحدث اليوم وما يُمارس من خطاب إعلامي، وما يُنشر في مواقع التواصل الاجتماعي ضد علماء ودعاة وضد كتب تراثية وشخصيات تاريخية ودول، بقالب هزلي ساخر تهكمي، فإنه يُجسّد نظرة استعلائية شعوبية جديدة فاقدة لكل القيم والأخلاق. هذه النظرة تُنكر تاريخنا الحضاري، وتمجّد الآخرين وتظهرهم أمم حضارة وتقدّم وقوة، مقابل حفنة من العرب المتخلفين الجهلة الرجعيين المتشبثين بفتاوي وكتب بالية. كم شُتم العرب أثناء العدوان الإسرائيلي على غزة بعد عملية "طوفان الأقصى"، وكم مُدحت إيران من قبل هؤلاء الشعوبيين الجدد الذين أعلوا من شأنها ومجّدوا موقفها من الحرب واصفين إياه بالاستقلالي والمقاوم والداعم للشعوب المضطهدة في ترديدٍ ببغاويٍ لشعاراتٍ كشف التاريخ الحديث زيفها وبراغميتها على حساب أمة العرب.
ختاماً، يمكن القول إنّ ظاهرة الشعوبيين الجدد لم تكن أبداً أمراً طارئاً ولن تكون كذلك. فهي تشكّل تيارًا واضحًا يكبر ويترعرع بيننا، ويزداد قوةً وحضورًا وتأثيرًا، له أجندته المحددة والمدعومة داخليًا وخارجيًا. يدعو هذا التيار الآخرين إلى انتزاع أنفسهم من قيمهم وأخلاقياتهم وهويتهم، ويبشّر بأمراض سيكولوجية واجتماعية، ويمثل دولاً ومؤسسات ومرجعيات وكيانات تعمل ليل نهار على تشويه منظومتنا في الحاضر والمستقبل. هذا يستوجب إعادة قراءة التاريخ العربي الإسلامي جيداً واستخلاص الدروس والعبر منه لمواجهة ما يُحاك ضد العرب والإسلام من مؤامرات تحت شعاراتٍ زائفةٍ وجوفاء يتّخذها أعداء الأمة، بمساعدة هؤلاء الشعوبيين الجدد، شمّاعةً لقطع صلة العرب بدينهم وتاريخهم وثقافتهم وتراثهم.
التعليقات
شعوبيون من احفاد الصحابة ؟!
صلاح الدين -من المؤسف ان نجد من بين الشعوبيين الجدد ، احفاد الصحابة ، من تبنوا توجهاً فكرياً انعزالياً وشعوبياً ، وعادوا الامة وشتموا رموزها وأسودها، و صار كل شعوبي حاقد على العروبة والاسلام اخ لهم. ؟!
شيء من العدل
من الشرق الأوسط -نزعة عنصرية معادية للعرب كان هدفها الأساسي إعادة السلطان للعجم وضرب الإسلام وإحياء ديانات قديمة” ....اذا كنت تعتبر كل محاولة للحفاظ على ثقافة شعب من تعريبه عنصرية، فالأحرى ان تسمي كل ما فعله العرب المسلمون وكل ما حصل بعدها بقرون من تعريب لشعوب ما تسمى بالدول "العربية" التي لم تكن عربية ابدا بل عربها الاحتلال العربي لها. ضرب الاسلام يكون فقط عندما يستخدم العرب الاسلام وسيلة لضرب ثقافات الشعوب وتعريبها، عندها يكون لكل الشعوب حتى المسلمة ان تعادي هذا النوع من الاسلام. احياء ديانات قديمة؟؟!!! المسيحية ديانة قديمة فلم تسمحون بها في دولكم "العربية"؟؟!!! الاسلام نفسه قديم ومتخلف، والاديان الاقدن من الاسلام في المنطقة كانت اديانا اخلاقية وفلسفية جميلة كانت سببا ونتيجة لحضارات عريقة. فما الضرر من احياء ديانات قديمة؟! الاسلام نفسه قديم فان كنا نحارب الديانات القديمة فليكن الاسلام ضمن ما نحارب. " فإنَّ الشعوبية الحديثة تسعى إلى استيراد ثقافاتٍ هجينة على حساب ثقافتنا العربية والإسلامية" ......"استيراد"؟؟؟!!! من اين؟! عندما يريد المصري ان يرجع الى اصل حضارته العريقة الراقية، فهذا استيراد لثقافة هجينة؟؟!!! ولم لا تعتبر ثقافة البدو الحجازي غريبة عليه وهجينة؟! الثقافة العربية الاسلامية تناسب فقط العربي المسلم الذي لم يجد نفسه مسلما بالضرورة لانه ولد في بلد مسلم. الشعوب الاخرى لها كل الحق في المحافظة على ثقافاتها الاصلية والابتعاد كليا عن الثقافة العربية..... منذ بدء الاسلام والعرب يفرضون ثقافتهم باسم الاسلام على الآخرين. في القرآن (انا جعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا)....(لتعارفوا) وليس (ليطغي بعضكم على بعض).
يا شعوبي شرق أوسطي اذهب ابحث عن جذورك الضائعة
صلاح الدين -القدس مدينة كنعانية عربية منذ خمسين قرناً من الزمن، فإن أول من سكنها هم اليبوسيون الكنعانون الذين هاجروا من جزيرة العرب في نحو الألف الثالث قبل الميلاد ومكثوا حوالي (2000) سنة ، فاذهب أنت و ابحث عن جذورك وستكتشف انك اما مالطي او قبرصي او ارمني او يوناني او أوروبي ، ان العروبة ليست غريبة على الشام يا جاهل فلهم فيها ممالك قبل ان يإتي اجدادك من أوروبا ويستوطنوا بالمشرق بل ان الشعوب القديمة للشام مثل الفينيقيين من أصول عربية خالصة روح دور على جذورك الضائعة قد تجد نفسك من بقايا الصليبيين المجرمين الأجلاف ، او روح نام .
لا وجود لفكر أكاديمي في المقال
Hassan -هذا المقال يقدم منظورًا شديد التحيز حول مفهوم "الشعوبية"، حيث يصوره كخيط مؤامراتي مستمر يسعى بلا انقطاع إلى تقويض الهوية العربية والإسلامية منذ العصر العباسي وحتى يومنا هذا. تعاني تحليلات المقال من عدة عيوب جوهرية من الناحية العلمية، مما يقوض مصداقيته. أولاً، يعتمد المقال بشكل كبير على التعميمات الواسعة واللغة العاطفية التي تفتقر إلى الأدلة التجريبية والصرامة الأكاديمية. إنه يصور "الشعوبية" كقوة أحادية وغير متغيرة، دون أن يعترف بالسياقات التاريخية والاجتماعية والسياسية المعقدة التي شكلت الحركات الثقافية والفكرية المختلفة عبر الزمن. من خلال تبسيط دوافع وأفعال من يصفهم بـ"الشعوبيين"، يهمل المقال الفروق الدقيقة اللازمة لأي تحليل تاريخي جاد. ثانيًا، الادعاء بأن الانتقادات المعاصرة للثقافة العربية والإسلامية هي مجرد استمرار للشعوبية القديمة يعد ادعاءً غير دقيق ومبسط. إنه يخلط بين النقد الفكري المشروع والتبادل الثقافي مع العداء الصريح، متجاهلاً تنوع الأصوات والآراء داخل المجتمعات العربية والإسلامية. هذا النهج يعيق الحوار الصحي ويعزز العقلية الثنائية "نحن ضدهم"، التي لا تخدم الفهم ولا التقدم. أخيرًا، يفشل المقال في تقديم رؤية متوازنة، حيث ينتقي المعلومات التي تدعم أطروحته ويتجاهل الأدلة التي تناقضها. هذا الافتقار إلى الموضوعية الأكاديمية يجعل من المقال أكثر من كونه جدالًا أيديولوجيًا منه تحليلًا موثوقًا، إذ يبدو أن المقال يهدف بشكل أكبر إلى تعزيز أجندة أيديولوجية معينة بدلاً من المساهمة في فهم دقيق للتاريخ أو القضايا المعاصرة. في الختام، فإن النهج الذي يتبعه المقال معيب بشكل أساسي من الناحية الأكاديمية. إنه يتسم بالافتقار إلى الفهم العميق، والاعتماد على تفسير غير دقيق للتاريخ، وفشل في التعامل مع تعقيدات القضايا التي يناقشها. وبالتالي، لا يصمد المقال أمام النقد العلمي ويجب التعامل معه بحذر.