كتَّاب إيلاف

مستقبل الصراع في البحر الأحمر

ناقلة نفط يونانية تشتعل فيها النيران بعد استهدافها من قبل الحوثيين مطلع أيلول (سبتمبر) قبالة الحديدة في اليمن
قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

بعد أكثر من خمسة أشهر من التوترات في البحر الأحمر، أعلن الحوثيون مؤخرًا، عبر تصريح المتحدث باسم قواتهم، عن المرحلة الرابعة من عملياتهم ضد السفن الإسرائيلية، والتي تتضمن توسيع رقعة عملياتهم العسكرية في البحر الأحمر لتشمل السفن الإسرائيلية في البحر الأبيض المتوسط وفي أي مكان تطاله أيديهم، حسب ادعائهم. وبالرغم من تواجد قوات التحالف الدولية المكلفة بأمن وحماية الملاحة في البحر الأحمر، أطلقت الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا عملية "حارس الازدهار"، وأعقبها إطلاق الاتحاد الأوروبي عملية "أسبيدس" لتعزيز الجهود الدولية في البحر الأحمر. وفي نفس الوقت، أرسلت الصين أسطولاً عسكريًا إلى خليج عدن لحماية مصالحها في المنطقة. وهذا يعني أنَّ الحوثيين من خلال هجماتهم ساهموا في عسكرة البحر الأحمر لأهداف بعيدة عن مصالح الأطراف العربية والإقليمية والدولية في المنطقة. فما هي مصلحة الحوثي في فتح نار جهنم على نفسه، وهو لا يملك القدرات العسكرية، وخاصة التكنولوجية منها؟ ولمصلحة من يقوم الحوثيون بهذه الأعمال المعروفة نتائجها الميدانية؟ أسئلة لن تتكشف الإجابة عليها إلا بمعرفة علاقة الحوثيين بنظام ملالي طهران وتنفيذهم أوامر الولي الفقيه، الذي يكسب من ذلك ورقة مهمة يستخدمها لمصالحه الخاصة في مباحثاته الماراتونية مع الولايات المتحدة الأميركية، بالإضافة إلى محاولة إيران السيطرة على المضائق المتحكمة في طرق التجارة الدولية.

أبعاد متعددة وسيناريوهات محتملة حول ما يمكن أن يؤول إليه الصراع في منطقة البحر الأحمر وما حولها. إذ يبدو مستقبل الصراع هناك في تصعيد متسارع، إذا أخذنا بعين الاعتبار التصريح الأخير للحوثي بتوسيع عملياته العسكرية إلى البحر الأبيض المتوسط، متذرعًا بمساندته تنظيم حماس في غزة. وهنا يُطرح تساؤل مشروع: إذا توقفت الحرب في غزة، هل سيتوقف الحوثي عن استهداف السفن في المنطقة؟ أعتقد أنَّ وقف العمليات العسكرية في غزة سيُظهر السبب الحقيقي لانخراط الحوثي في الحرب الدائرة، وسيُفصح عن مهمته الحقيقية التي تتميز عن بقية أذرع إيران في الدول العربية. فبينما تسعى تلك الأذرع إلى السيطرة على قرار الدول التي تعمل فيها، يتم استخدام الحوثي لتنفيذ أهداف إيران الإقليمية والدولية، بالإضافة إلى هدفه الخاص: محاولة الحصول على اعتراف به كقوة شرعية داخل اليمن. نرى أن إيران، عبر أذرعها في العراق وسوريا ولبنان، تمكنت من الوصول إلى البحر الأبيض المتوسط، وهي الآن تسعى من خلال الحوثي للسيطرة على البحر الأحمر والمضائق المحيطة به. وهذا يحقق استراتيجية ملالي طهران في الوصول إلى البحرين الأحمر والمتوسط.

إقرأ أيضاً: قراءة متأنية في الضربة الإسرائيلية الأخيرة لإيران

أعتقد أنَّ الصراع في البحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط سيستمر، خاصة إذا عرفنا أن هدف الحوثي هو الإزعاج فقط. والدليل هو أن نتائج هجماته على إسرائيل والسفن في البحر الأحمر ضئيلة من الناحية العسكرية، فلا وجود لعدد كبير من القتلى ولا دمار واسع للمنشآت. هنا يمكننا القول إنه، بالرغم من وجود هدف معلن، فإنَّ النتائج لا تدعمه، ما يعني أن الربط بينهما لا يعد مقنعًا.

استمرار الصراع وتوسعه يأخذنا إلى استراتيجيات الأطراف المنخرطة فيه. فالولايات المتحدة وبريطانيا تعتمدان استراتيجية عسكرية دفاعية هجومية في التعامل مع نشاط الحوثي، بينما تعتمد أوروبا استراتيجية دفاعية بحتة. أما الدول العربية، فما هو معلن يشير إلى اتباعها استراتيجية الكمون أو الهدوء لأسباب عدة. وأعتقد أنَّ الاستراتيجية العربية في المرحلة القادمة ستكون إطارًا لرد الفعل، أي أنها سترد على أي اختراق لمنظوماتها الدفاعية. وبالرغم من تواجد تحالفات دولية عديدة في المنطقة، لم يحدث أي اختراق حقيقي لمنظومات الحوثي، ما يدفع للتساؤل: هل الحوثيون أقوى مما كان يعتقده الخبراء العسكريون؟ أم أن لهذه التحالفات أهداف أخرى لا تتعلق بالقضاء على الحوثيين؟

إقرأ أيضاً: أميركا والصين وحرب الجيل الخامس

عسكريًا، وقبيل عسكرة البحر الأحمر، كانت هناك إحدى عشرة قاعدة عسكرية في القرن الإفريقي، إلى جانب الوكلاء المتحركين على الأرض. وهذا يشير إلى أنَّ دائرة الصراع قد تتسع لتشمل باب المندب، القرن الإفريقي، وربما أكثر. القوى الكبرى، مثل الولايات المتحدة وروسيا، وكذلك القوى الإقليمية كإيران وإسرائيل وتركيا ومصر والسعودية، تتنافس جميعها على السيطرة على الممرات المائية، ومع نشر السفن والقوات العسكرية في المنطقة، لا يبدو أن حلاً سريعًا يلوح في الأفق.

وفي النهاية، إيران استطاعت نقل الصراع من مضيق هرمز والخليج إلى البحر الأحمر وباب المندب، ما شكل ضربة للاستراتيجية الأميركية.

ختامًا، أعتقد أنَّ الأزمة في البحر الأحمر ليست وليدة الحرب على غزة، وأن ما يحدث في المنطقة يخدم مصالح الولايات المتحدة وحلفائها، في إطار سعيهم لتقليص النفوذ الصيني في المنطقة والسيطرة على الممرات البحرية المهمة بين آسيا، أفريقيا، وأوروبا.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف