كتَّاب إيلاف

البحر الأحمر بين عقليتين

تدرك السعودية أهمية البحر الأحمر كبيئة استثمارية
قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

يُعد البحر الأحمر أعجوبة طبيعية وجيولوجية (كمحيط جنيني) ووسطاً بحرياً فاصلاً بين آسيا وأفريقيا. يتخذ البحر الأحمر موقعاً استراتيجياً على خارطة العالم لتميزه كرابط بحري استراتيجي بين قارات العالم القديم. ففي شماله قناة السويس التي تربطه بالبحر الأبيض المتوسط، وفي جنوبه مضيق باب المندب، البوابة الاستراتيجية الهامة للبحر الأحمر، ونقطة التقاء القوافل التجارية القادمة من آسيا ومن الخليج العربي لعبور البحر الأحمر وقناة السويس. يُعد شرياناً حيوياً للملاحة البحرية الدولية وذو مميزات متعددة:

- دينيًا: للرحلات البحرية إلى الديار المقدسة (مكة المكرمة والمدينة المنورة) للحج والعمرة.

- اقتصاديًا ولوجستيًا: لوجود عدد من الموانئ الهامة كمنافذ للاستيراد والتصدير، ومرافق بحرية للنقل والشحن البحري وتبادل الحاويات. يمر به سنوياً آلاف السفن والناقلات البحرية بمختلف أنواعها، ومن أهمها ناقلات النفط والغاز والبتروكيماويات. يُقدر عدد السفن التي تمر به سنوياً بأكثر من 20 ألف سفينة، بالإضافة إلى الصيد التجاري والزراعة السمكية.

- سياحيًا وترفيهيًا: كوجهة للرحلات البحرية واليخوت والاستجمام بالجزر والمنتجعات البحرية، وللغوص وعشاق المغامرة والصيد والشواطئ المشمسة.

- علميًا: كموقع بحثي لدراسة علوم البحار والشعاب المرجانية والدراسات البيئية والجيولوجية، حيث يتعرض للزلازل المستمرة نتيجة اتساع الصدع الكبير بين الصفيحتين العربية والأفريقية، والمعروف بصدع البحر الأحمر. يتبع هذا الصدع صدع البحر الميت، ويمتد من شمال البحر الأحمر والبحر الميت حتى هضبة الأناضول الجنوبية، وجنوباً الصدع الأفريقي (الوادي المتصدع) مكوناً سلسلة من الصدوع الجيولوجية التي تعتبر فالقاً قاريًا تحويليًا، يحول البحر الأحمر إلى محيط عظيم.

رؤية 2030 والعقلية السعودية:
على جانبي البحر الأحمر وفي أعماقه ثروات هائلة وخيرات جمّة، فهو مصدر للمياه المحلاة والكهرباء وللهيدروجين الأخضر (الطاقة النظيفة)، وذو ثروة سمكية هائلة. يُعد ممرًا ومنفذًا لتصدير النفط والغاز والبتروكيماويات، كما أنه مصدر جذب سياحي وترفيهي لما يحتوي من طبيعة بحرية هائلة وجزر سياحية. تنبّهت (رؤية 2030) للفرص الاستثمارية الواعدة في البحر الأحمر شمالاً ووسطاً وجنوباً، وتم التخطيط والتنفيذ للعديد من المشاريع ذات المواصفات العالمية والتنافسية العالية والمردود الربحي الكبير، استثماراً للحاضر والمستقبل. يعكس هذا التقدم العقلية السعودية الواعية والمدركة لأهمية البحر الأحمر كبيئة استثمارية، فعملت على استغلالها الاستغلال الأمثل. ولو نظرنا لخريطة الاستثمارات السعودية المعلنة، المنفذة والجاري تنفيذها، لوجدناها ممتدة على طول البحر الأحمر من جازان وجزر فرسان إلى جدة ورابغ وينبع والوجه ونيوم وخليج العقبة، والقادم أجمل. يُعد مشروع نيوم ثورة تخطيطية وإنشائية جديدة في عالم المدن والسياحة والمنتجعات وصناعة الطاقة النظيفة.

أمن البحر الأحمر والعقلية الحوثية:
يُعتبر أمن البحر الأحمر جزءًا هاماً ولا يتجزأ من الأمن البحري الإقليمي والعالمي، كونه ممرًا رئيسيًا لتصدير النفط والغاز والبتروكيماويات من خلال الناقلات المخصصة لها التي تمر به، لقربه من منافذ ومنصات التصدير في الخليج العربي، أو التي يتم تحميلها من منافذ التصدير بالموانئ الواقعة عليه. كان يتم تصدير النفط العراقي عبر ميناء المعجز بالقرب من ينبع، ومن ميناء العقبة الأردني أثناء الحرب العراقية الإيرانية 1980-1988.

أي تهديد لخطوط المواصلات البحرية (Sea lanes) وحركة الملاحة البحرية (Marine traffic) فيه يُعتبر تهديدًا لأمن وسلامة الملاحة الدولية والمجتمع الدولي، واستهدافًا مباشرًا وغير مباشر للاقتصاد العالمي، وزعزعةً للسلم والاستقرار الدوليين، ما يؤثر على تبادل المنافع والتجارة العالمية.

إقرأ أيضاً: مسلسل الانتخابات الأميركية المثير 2024

تعرض أمن جنوب البحر الأحمر وخليج عدن وبحر العرب والمحيط الهندي سابقاً لكابوس القرصنة المنطلقة من القرن الأفريقي، وبالذات الصومال، لمدة طويلة قبل أن يتم إيقافها بعد تظافر الجهود الدولية، مع مخاوف من تجدد نشاطها.

ما يقوم به الحوثيون في اليمن من استهداف للسفن والناقلات البحرية في جنوب البحر الأحمر دليل على ضعف إدراكهم لأهمية البحر الأحمر الإيجابية، وعدم تقديرهم لأهميته كمصدر استثماري واقتصادي لليمن. استغلت العقلية الحوثية الهشة ضيق عرض البحر ووجود نقاط الاختناق البحرية وسهولة التعرف على السفن لاستهدافها، وهي جرائم يعاقب عليها القانون الدولي وتهدد أمن وسلامة المجتمع الدولي، كما تهدد بكوارث بيئية في جنوب البحر الأحمر والسواحل المحيطة والثروة السمكية، كما حدث لخزان صافر وعدد من السفن التجارية وناقلات النفط والغاز والبتروكيماويات هناك. آخرها ما حدث لناقلة النفط اليونانية (سونيون)، حيث ادعى الحوثيون مهاجمة أكثر من 180 سفينة، وأصابت الهجمات نحو 32 سفينة، وغرقت منها اثنتان: السفينة البريطانية (روبيمار) والسفينة اليونانية (توتور).

إقرأ أيضاً: السلطة الفلسطينية في خطر

أدت تبعات وعواقب أفعال الحوثيين المهددة لأمن البحر الأحمر وارتكابهم لانتهاكات جسيمة للقانون الدولي إلى ردود فعل مدمرة أضرت بمصالح اليمن ومواطنيه، ووضعت اليمن في مواجهة العالم مع عدم قدرتهم على حماية مصالحهم. بعد استهداف ميناء الحديدة من قبل إسرائيل، والذي يُعد منفذ المناطق الخاضعة لهم لتصدير النفط والميناء المؤهل للاستيراد والتصدير، بات من الضروري تضافر الجهود الدولية للمحافظة على أمن وسلامة البحر الأحمر وخطوط المواصلات والملاحة البحرية الدولية فيه.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف