كتَّاب إيلاف

لماذا تأخر الرد الإسرائيلي على الهجوم الإيراني؟

بقايا صاروخ باليستي أطلق باتجاه صحراء النقب
قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

في الأول من تشرين الأول (أكتوبر) الجاري، شنت إيران هجومها الثاني على إسرائيل خلال العام 2024، والذي حمل اسم "الوعد الصادق 2"، واستخدمت فيه أكثر من 180 صاروخاً فرط صوتي، وذلك رداً على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في طهران، والأمين العام لحزب الله حسن نصر الله في بيروت.

في ظل تلك المؤشرات، باتت محددات الرد الإسرائيلي على الضربة الإيرانية تعتمد على مجموعة من العوامل، من أبرزها المتغيرات السياسية والاستخبارية والعسكرية. تتغير الخيارات بحسب الظروف المحيطة بهما وفق التوازنات المحلية والإقليمية والدولية. ويمكن تلخيص أبرز هذه المحددات في النقاط التالية:

1. طبيعة الضربة الإيرانية ومدى تأثيرها:
يعتمد صانع القرار في تل أبيب في تقدير موقفه العسكري على تقييم حجم الخسائر البشرية أو المادية التي تتكبدها إسرائيل نتيجة الضربة الإيرانية، والمواقع المستهدفة، وما إذا كانت تشمل منشآت عسكرية حيوية أو مدنية.

أظهرت الضربة أن إيران أطلقت أكثر من 180 صاروخاً باتجاه إسرائيل، ما يجعل الهجوم أكبر قليلاً من هجوم نيسان (أبريل) الفائت، الذي شهد إطلاق أكثر من 110 صواريخ باليستية و30 صاروخاً من طراز كروز باتجاه إسرائيل.

وفي السياق ذاته، قال مسؤول أمني إسرائيلي إنَّ معظم الصواريخ أسقطتها أنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية، بينما أشارت الكثير من وسائل الإعلام إلى أنَّ بعض الصواريخ طالت القواعد العسكرية وألحقت بعض الأضرار الجانبية، مؤكدة أنها تسببت بأضرار في المباني الإدارية داخل القواعد الجوية، دون أن تتضرر القواعد الجوية بشكل مباشر.

فيما قال الحرس الثوري الإيراني إنَّ 90 بالمئة من الصواريخ أصابت أهدافها، مؤكداً في الوقت ذاته أنَّ الصواريخ التي أُطلقت كانت أسرع من الصوت، واستُخدمت لأول مرة ضد إسرائيل. وأوضحت مصادر الحرس الثوري أن الصواريخ استهدفت ثلاث قواعد عسكرية إسرائيلية.

2. التوازنات الإقليمية والدولية:
موقف الولايات المتحدة الأميركية، كأقرب حليف لإسرائيل، ودورها في الرد أو الضغط لمنع تصعيد أوسع.

ردود أفعال الدول الكبرى مثل روسيا والصين، ومواقف الحلفاء الإقليميين كالدول العربية والخليجية.

3. قدرة إيران على الرد المتبادل:
قدرة إيران على تنفيذ ضربات مضادة وفتح جبهات متعددة سواء مباشرة أو عبر حلفائها في المنطقة (مثل حزب الله في لبنان أو الميليشيات في سوريا والعراق).

حسابات إسرائيل حول فتح حرب شاملة أو الدخول في تصعيد محدود.

4. الوضع الداخلي الإسرائيلي:
الموقف السياسي الداخلي ومدى استعداد الحكومة الإسرائيلية لمواجهة ضغوط شعبية وسياسية إما لرد قوي أو لتجنب التصعيد.

مدى جاهزية الجيش الإسرائيلي للتحرك وتحمل تداعيات أي تصعيد عسكري.

5. التداعيات الإقليمية:
المخاوف من تأثير أي تصعيد على استقرار المنطقة بشكل عام، بما في ذلك احتمال تورط أطراف أخرى أو حدوث اضطرابات في جبهات أخرى مثل غزة أو الجولان.

6. الدبلوماسية الدولية:
دور المجتمع الدولي ومؤسسات مثل الأمم المتحدة أو المنظمات الإقليمية في محاولة احتواء التصعيد أو الضغط على الطرفين للتهدئة.

إسرائيل تميل عادة إلى الرد بشكل حازم على التهديدات المباشرة لأمنها القومي، لكنها في نفس الوقت تراعي كل هذه العوامل، خاصة عند التعامل مع دولة مثل إيران التي لديها شبكة علاقات وتحالفات إقليمية معقدة.

عوامل التصعيد المتبادل المؤدية إلى تأخر الرد:
1. البرنامج النووي الإيراني:
إيران تسعى لتطوير قدرات نووية، وهو ما تعتبره إسرائيل تهديداً وجودياً لها. بينما تخشى إسرائيل من أن تطور إيران أسلحة نووية، وهي مستعدة للقيام بعمليات عسكرية لمنع ذلك. وقد شهدنا عدة هجمات سيبرانية وعمليات اغتيال لشخصيات إيرانية متعلقة بالبرنامج النووي، يُعتقد أن إسرائيل وراء بعضها.

2. الدعم الإيراني للجماعات المسلحة:
إيران تدعم العديد من الجماعات المسلحة المناهضة لإسرائيل مثل حزب الله في لبنان، وتعتبر إسرائيل هذا الدعم تهديداً مباشراً لأمنها القومي. وقد نفذت مجموعة من الضربات العسكرية ضد أهداف إيرانية في سوريا ولبنان والعراق لمنع نقل الأسلحة المتقدمة للميليشيات المرتبطة بطهران.

3. الضربات العسكرية المتبادلة:
إسرائيل تشن بشكل منتظم ضربات جوية على مواقع إيرانية وأخرى تابعة لحزب الله في سوريا، حيث تحاول إيران تعزيز وجودها العسكري. لكن في المقابل، تقوم إيران وحلفاؤها بشن هجمات بصواريخ الكاتيوشا والطائرات بدون طيار ضد إسرائيل أو مصالحها الإقليمية.

4. التوترات البحرية:
شهدت السنوات الأخيرة تزايد الهجمات على السفن المرتبطة بإيران وإسرائيل في المياه الإقليمية، بما في ذلك بحر العرب والخليج. مثل هذه الهجمات عادة ما تكون رداً على عمليات سابقة، مما يزيد من التصعيد المستمر في المياه الدولية وباتت تهدد الأمن الدولي.

5. الدبلوماسية والضغوط الدولية:
رغم التصعيد العسكري المتبادل بين طرفي الصراع، إلا أن هناك جهوداً دبلوماسية مستمرة لاحتواء الأزمة الناجمة عنه، خاصة من قبل الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة وروسيا. كما أن التوترات الإسرائيلية الإيرانية تؤثر على جهود إعادة إحياء الاتفاق النووي الإيراني (JCPOA)، والذي انسحبت منه الولايات المتحدة في 2018 بعد عدة محاولات تنصل إيرانية من الالتزام بمخرجات التفاهمات التفاوضية في البرنامج النووي.

بشكل عام، التصعيد بين إيران وإسرائيل هو جزء من صراع طويل الأمد يشمل الجوانب العسكرية والاستخباراتية والسياسية، ولا يبدو أن هناك حلاً وشيكاً لهذه التوترات في الأفق القريب.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف