كتَّاب إيلاف

إيران.. نار تحت الرماد

إيرانيون في أحد شوارع طهران صباح يوم 26 تشرين الأول (أكتوبر) 2024
قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

في ظل تصاعد الأزمات الداخلية والخارجية، يواجه النظام الإيراني حالة من التآكل في ثقة قواته، وازدياداً ملحوظاً في الانقسامات بين أجنحته، مما يجعله أكثر هشاشة من أيّ وقت مضى. لم تعد المخاوف مقتصرة على التهديدات الخارجية؛ بل امتدت إلى الداخل، حيث أضحى القادة والمسؤولون يعبرون علناً عن قلقهم من اندلاع انتفاضة شعبية تهدد بقاء النظام. هذا الضعف المتزايد ينعكس بوضوح في تصريحات كبار المسؤولين، من المرشد علي خامنئي إلى قادة الحرس الثوري والمسؤولين في السلطة.

النظام يجد نفسه اليوم في مواجهة مباشرة مع المقاومة المنظمة، حيث تمثل وحدات المقاومة الشعبية إرادة الشعب في التصدي للقمع والاستبداد، ما يثير ذعراً متزايداً بين أركان النظام، ويدفع قادته إلى محاولات يائسة لرفع معنويات قواتهم عبر التصريحات المتكررة والوعود الجوفاء.

يستعرض هذا المقال ثلاثة محاور رئيسية تكشف عن ضعف النظام الإيراني وتزايد قدرة المقاومة والشعب على مواجهة النظام وحسم مصيره.

المحور الأول: انهيار الروح المعنوية والنظام في موقف دفاعي
في سياق التدهور الواضح لثقة قوى النظام، خرج المرشد علي خامنئي محاولًا تحفيز القوات على الصمود في "حرب هجينة" لمواجهة ما وصفه بالتحديات المتزايدة والمعقدة. هذه المحاولات لرفع المعنويات جاءت في وقت تعاني فيه قوات النظام من قلق وتوتر متزايدين، حيث بات التركيز على "الحفاظ على الروح المعنوية" أولوية ضرورية لتجنب انهيارها التام. وتأتي تصريحات خامنئي ردًا على الوضع المتأزم الذي تعيشه قوات النظام وسط تراجع السيطرة في المنطقة إثر تزايد الضربات التي تعرضت لها أذرع إيران في دول الجوار، وتكبدها خسائر كبرى رغم محاولات إخفائها، ما جعل النظام يشعر بضغط الصراع الذي انتقل إلى داخل إيران نفسها.

وفي هذا السياق، تتفاقم مخاوف النظام من انتفاضة شعبية داخلية، وهي مخاوف صرّح بها عدد من المسؤولين مؤكدين أن الخطر الأكبر لا يأتي من الخارج بل من الشعب الإيراني ذاته. وفي خطبة الجمعة التي سبقت الأسبوع الماضي، عبّر خطيب جمعة بندر عباس، عبادي زاده، عن هذا القلق بقوله: "خوفنا الحقيقي ليس من هجوم عسكري من الخارج، بل من الانتفاضة الشعبية في الداخل". هذه التصريحات ليست مجرد زلة لسان، بل تكشف عن حالة التوتر والاضطراب التي يعيشها النظام بسبب تصاعد المعارضة الداخلية وتراجع ثقة الشعب به، مما قد يشعل شرارة انتفاضة جديدة.

المحور الثاني: القادة العسكريون في مواجهة الخوف وتكرار دعوات الثبات
لم يقتصر الاضطراب والخوف في صفوف النظام على شخص خامنئي، بل امتد ليشمل قيادات بارزة في الحرس الثوري والبرلمان الإيراني، حيث حاولوا التخفيف من مخاوف قواتهم. في هذا السياق، تأتي تصريحات محمد باقر قاليباف، رئيس مجلس النواب الإيراني، كإشارة أخرى على الانهيار النفسي الذي يسيطر على القوات. فبعد أن استشعر قاليباف حجم التحدي الناجم عن الضربات التي تلقاها النظام في المنطقة، حاول طمأنة قوات النظام في خطاب ألقاه في مشهد مؤخراً. وفي خطاب لم يتجاوز عشرين دقيقة، كرر قاليباف كلمة "لا تخافوا" و"لن نخاف" ثلاث عشرة مرة، قائلاً: "علينا أن لا نخاف، يجب ألا نخشَى... من ماذا نخشَى؟ حتى لو كان العدو يمتلك التكنولوجيا، لماذا نخشَى؟ لا تخافوا ولا تهتزوا".

تكرار قاليباف لكلمة "الخوف والخشی" يعكس مدى انتشار حالة الذعر بين قوات النظام، حتى بات من الضروري للقيادات العليا التدخل لرفع معنوياتها. هذا التصريح يظهر حقيقة ما يشعر به قادة النظام من تهديد وشيك، ليس فقط من الخارج بل أيضاً من شرارة الاحتجاجات والانتفاضة في الداخل.

المحور الثالث: دور وحدات المقاومة في تعزيز الحراك الشعبي
في ظل حالة الهلع المستشرية داخل النظام، تتقدم وحدات المقاومة الشعبية كقوة معارضة منظمة، تنتشر في مختلف المدن والمحافظات الإيرانية. هذه الوحدات، التي أسستها منظمة مجاهدي خلق الإيرانية، تمثل عنصراً محورياً في استراتيجية المقاومة الإيرانية، إذ تقوم بنقل المعلومات، ورفع الوعي بين الجماهير، وتحفيز الشعب على المشاركة في الاحتجاجات والمطالبة بالتغيير. وتستهدف وحدات المقاومة تنظيم الانتفاضات الشعبية من الداخل وتهيئة المجتمع لمواجهة النظام، ما يجعلها قوة شعبية مقاومة تثير مخاوف النظام بشدة، لدرجة أن العديد من المسؤولين يعترفون بأن الخطر الحقيقي ليس الهجوم الخارجي بل الاحتجاجات والانتفاضات في الداخل.

وحدات المقاومة، التي شهدت توسعاً كبيراً خلال السنوات الأخيرة، تشمل شرائح مختلفة من المجتمع الإيراني، من الطلاب والعمال إلى الموظفين في المؤسسات الحكومية والخاصة. إن دور هذه الوحدات يتجاوز الإطار التقليدي للمعارضة، إذ تعمل بشكل نشط ومباشر في دعم الحراك الشعبي. هذا التواجد الواسع لوحدات المقاومة في مختلف القطاعات الاجتماعية والمحافظات والمدن الإيرانية يساهم بشكل كبير في تعزيز قيادة وتنظيم الاحتجاجات الشعبية، وهو الأمر الذي يعزز فرص نجاح الانتفاضة ويسهم في إضعاف النظام بشكل متزايد.

النظام على حافة الهاوية ومقاومة تستعد للحسم
إنَّ حالة الذعر الواضحة التي عبّر عنها كبار المسؤولين الإيرانيين، من خامنئي إلى قاليباف، تعكس مدى هشاشة النظام وضعفه أمام تصاعد الاحتقان الداخلي. فالنظام الذي طالما اعتمد على القوة والقبضة الحديدية لقمع معارضيه، بات يدرك أن الخطر الحقيقي يكمن في الداخل، حيث يُظهر الشعب الإيراني رغبة متزايدة في التغيير وكسر قيود الظلم. تصريحات قادة النظام حول "الخوف من الانتفاضة الشعبية" تشي بحقيقة وضعه المتأزم، وتكشف أن مخاوفه ليست من تهديدات خارجية بقدر ما هي من صوت الشعب وإرادته الصلبة.

وفي ظل هذا الضعف، زادت أعداد الإعدامات بشكل غير مسبوق، حيث بلغ عدد الإعدامات في شهر مهر الإيراني الماضي 150 شخصًا، بزيادة قدرها 85 بالمئة مقارنة بشهر مهر من العام الماضي، الذي شهد تنفيذ 81 عملية إعدام. وهو العام الأخير من رئاسة إبراهيم رئيسي، سفاح مجزرة عام 1988، وهذا العدد يمثل أعلى معدل في السنوات الأخيرة. وبذلك، يواصل خامنئي تحطيم سجلاته في الجرائم والقسوة واحدًا تلو الآخر.

ومع ذلك، فإن هذه الإعدامات لن تخيف الشعب الإيراني، بل ستتحول إلى "نار تحت الرماد"، مما يعزز عزيمتهم وإرادتهم في السعي لإسقاط النظام واستعادة حريتهم. النظام الإيراني يجد نفسه أمام مقاومة شعبية تتصاعد قوتها وتنتشر وحداتها في جميع أنحاء البلاد، عازمة على إسقاط نظامه واستعادة الحرية. يبدو أن الشعب، بقيادة وحدات المقاومة، يسير بخطى ثابتة نحو التغيير، ويدرك أن النظام الذي يعاني من انقسامات داخلية وعزلة دولية لم يعد قادراً على الصمود. في هذا المشهد، يبدو أن نهاية النظام باتت أقرب من أي وقت مضى، وأن إرادة الشعب لن تضعف أمام محاولات القمع، بل ستبقى تناضل حتى يتحقق الأمل في الحرية والعدالة.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف