كتَّاب إيلاف

الشغب الرياضي والعقوبات الخجولة!

التشجيع الحقيقي ليس في التنمّر أو الشغب بل في دعم الفرق بطريقة أخلاقية تُظهر الروح الرياضية
قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

الملاعب الرياضية ليست مجرد ساحات للتنافس بين الفرق، بل هي منصات تعبّر عن الروح الرياضية، الوحدة الوطنية، وشغف الجماهير برياضتهم المفضلة. لكن للأسف، أصبحت هذه الملاعب في بعض الأحيان مسرحاً لحالات من الشغب، الفوضى، والتنمر. هذه التصرفات لا تعبّر عن حماس رياضي صحي، بل عن انحراف أخلاقي يسيء للرياضة كمفهوم حضاري. وبينما تُفرض عقوبات على الأطراف المتسببة في هذه التجاوزات، يبقى السؤال قائماً: هل هذه العقوبات كافية للحد من الظاهرة؟ أم أننا بحاجة إلى نهج أكثر صرامة وشمولية؟

تعد حالات الشغب والفوضى في الملاعب وصالات الرياضة انعكاساً للانفلات الأخلاقي الذي يمارسه بعض المشجعين، متذرعين بحجة الحماسة الرياضية. هذا السلوك يتضمن التنمّر، الشتائم، وحتى العنف الجسدي أحياناً، ما يحوّل اللقاءات الرياضية من احتفالات تجمع بين الناس إلى صراعات تخلف انقسامات مجتمعية. السؤال المحوري هنا: من أعطى الحق لهذه الفئة في تحويل الرياضة إلى بيئة مشحونة بالفوضى؟ ولماذا تُبرّر هذه السلوكيات على أنها مجرد "فورة حماسة"؟

تلعب روابط المشجعين دوراً أساسياً في توجيه الجماهير وتعزيز الروح الرياضية، مع ذلك، يبدو أن هذا الدور غائب في العديد من الأحيان. روابط المشجعين، التي يُفترض بها أن تكون حلقة وصل بين الجماهير والأندية، غالباً ما تغيب عن أداء دورها في ضبط السلوكيات وتوجيه التشجيع نحو الإيجابية. وفي ظل غياب الأنظمة والقوانين الرادعة التي تحاسب المخالفين بجدية، تزداد هذه الظاهرة سوءاً، ما يطرح تساؤلات حول دور الأندية والهيئات الرياضية في إدارة جماهيرها.

أقرت لجان الانضباط والأخلاق في اتحادات الكرة عدة عقوبات على الأندية وجماهيرها في حالات الشغب. ومع ذلك، وصفها البعض بأنها "تحذيرات ناعمة" أو "غرامات خجولة" لا ترتقي إلى مستوى الردع الحقيقي. العقوبات المالية، رغم أهميتها، غالباً ما تكون رمزية مقارنة بالتكاليف المجتمعية التي تسببها هذه الأحداث. فهل المطلوب أن تتحول الملاعب إلى مناطق عسكرية بمئات من رجال الأمن والشرطة لمواجهة جماهير غير مسؤولة؟ أم أن الحل يكمن في تعزيز ثقافة التشجيع الواعي وتفعيل العقوبات بفعالية أكبر؟

الرياضة بطبيعتها قائمة على التنافس الشريف، حيث الربح والخسارة جزء من اللعبة. التشجيع الحقيقي ليس في التنمّر أو الشغب، بل في دعم الفرق بطريقة أخلاقية تُظهر الروح الرياضية. تعزيز ثقافة التشجيع الواعي يبدأ من التعليم، الإعلام، والأندية الرياضية. يجب أن تُطرح حملات توعوية مستمرة تهدف إلى تعليم الجماهير أهمية التصرف اللائق خلال المباريات، وأن تُقدَّم مكافآت معنوية للأندية وجماهيرها التي تُظهر سلوكاً رياضياً مثالياً.

إقرأ أيضاً: الرياضة النسائية العربية.. وعودة محمودة

التكنولوجيا يمكن أن تكون أداة فعالة في مواجهة الشغب الرياضي. يمكن استخدام الكاميرات في الملاعب لتوثيق الأحداث، ما يُسهل التعرف على المخالفين واتخاذ الإجراءات القانونية بحقهم. بالإضافة إلى ذلك، يمكن استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي لتحليل أنماط السلوك الجماهيري واتخاذ تدابير استباقية تمنع الفوضى. ويجب أن تكون العقوبات صارمة بما يكفي لردع المخالفين، مثل حرمان الجماهير من حضور المباريات، أو فرض غرامات مالية كبيرة تؤثر على الأندية والجماهير.

تمكين روابط المشجعين من تحمل مسؤولياتها في توجيه الجماهير وضبط تصرفاتها، وعلى الاتحادات الرياضية والإعلام الرياضي إطلاق حملات توعوية تستهدف الجماهير للترويج لقيم الروح الرياضية، ناهيك بإدخال دروس عن الرياضة وقيمها في المناهج الدراسية لتعزيز الفهم الإيجابي للرياضة منذ الصغر. تعزيز نظم المراقبة الإلكترونية في الملاعب لتوثيق أي انتهاكات بشكل فوري يُسرّع من تطبيق العقوبات. فضلاً عن ذلك، وبدلاً من التركيز على المشاهد السلبية، يجب أن يُبرز الإعلام المشاهد الإيجابية ويُكرّم الجماهير المثالية.

إقرأ أيضاً: الموسيقى ومعالجة مرضى الأعصاب

إنّ الشغب الرياضي ليس مجرد مشكلة رياضية، بل هو مشكلة مجتمعية تعكس غياب القيم والوعي. الرياضة يجب أن تكون ساحة للوحدة، للفرح، وللشغف الإيجابي، لا ساحةً للصراع والتنمر. معالجة هذه الظاهرة تحتاج إلى تكاتف الجهود بين الأندية، الجماهير، الاتحادات الرياضية، والمؤسسات الإعلامية. العقوبات وحدها لن تكون كافية، بل يجب أن ندعمها بتغيير ثقافي شامل يعزز الروح الرياضية ويرسخ التشجيع الواعي. فقط عندها يمكن أن تتحول ملاعبنا إلى مساحات تعبّر عن أجمل ما في الرياضة: التنافس النزيه، والمتعة، والوحدة المجتمعية.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف