رأيت... رجلًا في خريف العمر، انحنت قامته مع الزمن، وملأت التجاعيد وجهه. هذا الرجل، الذي لم يعد ينفعه مال ولا بنون، يعتبر من أكبر المعمرين في مدينتنا، فقد تجاوز التسعين عامًا.

هذا الرجل كان يعمل أجيرًا في حقول القطن والذرة والقمح ليكسب قوت يومه هو وزوجته العجوز. ولكن عندما تقدَّم به العمر ولم يعد يستطيع العمل، اكتفى بالليرات القليلة التي يدفعها له التأمين كغيره من العجزة.

ولكني صُعقت عندما رأيته مؤخرًا ينظف الحشائش في أحد الحقول وهو يجرّ نفسه جراً. عندما سألته عن السبب الذي دفعه للعمل، رغم أنه قبض مؤخرًا ليرات التأمين، أجابني: "نعم، قبضت تلك الليرات، ولكنني ساعدت بها كثيرًا من الناس الذين هم بحاجة أكثر مني إلى المال. وكما ترى، واقع الحرب في سوريا وما آل إليه حال الناس من تشرذم وضياع، وفقر مدقع. هذا الانحدار الذي يبعث على القلق جعل الناس يعيشون في المجهول، ولا يعرفون إلى أين سيمضون".

وأضاف متذمرًا: "الناس باتوا بحاجة ملحّة لقمة خبز تسدّ رمق أطفالهم، وهذا إن وجدت! رغبت في التبرع بجزء من المبلغ الذي حصلت عليه من مؤسسة التأمين كي أشعر أنني راضٍ عن نفسي. كما تعلم، أيامي في الدنيا باتت معدودة، ولذلك أحرص على تقديم ما أمكنني من مساعدة لأسرة ما، أو إنقاذ حياة مريض بتأمين الدواء الضروري له، أو المساهمة بمبلغ بسيط لترميم مسكن آيل للسقوط. يجب علينا جميعًا أن نتعامل مع هذه الأمور بحسّ إنساني صادق نابع من القلب".

وقفت له إجلالًا وتعظيمًا، والدموع تنهمر من عيني...


قرأت... أن دار "كريستيز" في نيويورك عرضت للبيع ساعة "رولكس" قديمة، كان يضعها أسير بريطاني خلال الحرب العالمية الثانية، واستخدمت في تنظيم عملية "الهروب الكبير" الشهيرة من معسكر نازي في عام 1944.

وقد قدمت دار "كريستيز" للمزادات في 9 يونيو (حزيران) ساعة "رولكس 3525 مونوبلوكو"، وهي ساعة كان يضعها الملازم الأول في سلاح الجو الملكي جيرالد إيمسون خلال احتجازه في معسكر "شتالاغ لوفت 3" النازي في سيليزيا البولندية.

شارك في خطة الهروب من المعسكر عبر الأنفاق 250 سجينًا من ضباط بريطانيين وكنديين وأميركيين وبولنديين وأستراليين. بينما نجح ثلثهم في الهروب، أعدم الألمان خمسين من الذين أُلقي القبض عليهم، وأطلق سراح الباقين في عام 1945.

تناولت رواية للكاتب والطيار بول بريكهيل هذه الحقائق التاريخية، واقتبس منها الفيلم الأميركي الشهير "الهروب العظيم" عام 1963 للمخرج الأمريكي جون ستورجس وبطولة الممثل ستيف ماكوين.

وأشارت دار "كريستيز" على لسان مستشارها للساعات آدم فيكتور، إلى أنّ القيمة التقديرية للساعة تبلغ حاليًا نحو مئتي ألف دولار، لكن تاريخها يجعلها لا تقدر بثمن.

وتعد قصة هذه الساعة استثنائية، إذ استطاع الملازم إيمسون، الذي كان سجينًا في المعسكر، أن يطلب الساعة الشهيرة من شركة "رولكس" ويتسلمها عبر الصليب الأحمر، وسُمح له بدفع ثمنها بعد انتهاء الحرب.

وقال فيكتور: "عندما وصلت الساعة إلى الملازم، كان التخطيط للهروب الكبير قد بدأ، وكان على الضباط تحديد الوقت الذي يحتاج إليه السجناء لاجتياز المسافة بين الحفرة والغابة عبر الأنفاق."

وأشارت الرواية التاريخية إلى أنّ جيرالد إيمسون كان السجين الرقم 172 في عملية الهروب، لكنه لم يصل إلى النفق، لأنَّ الجنود الألمان علموا بالخطة.

ورغم ذلك، نجا الطيار البريطاني من الإعدام على يد القوات الألمانية، وحافظ على ساعته طوال فترة الحرب.

وأوضح فيكتور أنّ سراح إيمسون أُطلق سنة 1945 عندما كان النازيون ينقلون السجناء عبر أوروبا لمحاولة الهروب من قوات الحلفاء، وعاد الملازم إلى زوجته وعائلته، وحافظ على الساعة حتى وفاته.


سمعت... أنَّ الموسيقى تعدّ من أفضل الوسائل لمعالجة مرضى الأعصاب، كما يؤكد الأطباء الأخصائيون في علاج الأمراض العقلية.

أشار أحد الأطباء إلى أنه لو تم تخصيص قسم خاص بالموسيقى في كل مصحة للأمراض العقلية، يُديره أخصائيون مدربون يعرفون مدى تأثير الموسيقى على النفوس، لكان في ذلك علاج مفيد للمرضى.

وهذا ما فعله فعلاً أحد مديري المستشفيات في مانهاتن الأميركية، حيث عمد إلى عزل فئة من مرضاه ومراقبة تأثير بعض المقطوعات الموسيقية المختارة على عقولهم المضطربة، فكانت النتيجة أن شُفي الكثير منهم بفضل الموسيقى.

كما نظم مدير آخر فرقة أوركسترا تعزف أنغامها للمرضى أثناء أوقات الطعام، وكان تأثير الموسيقى على هؤلاء المرضى المصابين بمختلف الأمراض العقلية بالغًا إلى أبعد الحدود.

يعتقد المتخصصون في العلاج النفسي أنّ المعالجة بالموسيقى تعتمد على الصلة الوثيقة بين التركيب العضوي في جسم الإنسان والأنغام المنظمة، وأن تأثيرها يتصل بميكانيكية العقل، لأنها تؤثر في أجزاء من المخ تعتبر مركز الإحساس والانفعالات.

منذ ثلاثة أعوام، قام أحد أساتذة الموسيقى بسلسلة من التجارب المثيرة في مستشفى خاص بالأعصاب في شيكاغو. عزف مجموعة من الأغاني الإيطالية أمام امرأة مريضة كانت ترفض إرضاع طفلها، فلم تُبدِ أقل تأثير بنغمات البيانو، حتى بدأ الموسيقار يعزف قطعة معينة، فاستجابت على الفور وبدأت ترضع وليدها.

وفي حالة أخرى، أصيب رجل بالعمى نتيجة "هستيريا" حادة عقب وفاة زوجته. استدعى موسيقار معروف لعلاجه، فعزف له لحنًا مفرحًا بعد أن عزف أنغامًا خافتة في البداية، فلم تمضِ ثلاثة أيام حتى هدأت أعصابه، وهكذا يتبين أنَّ للنغم تأثيرًا مختلفًا في حالات المرضى، لما يحدثه في الدورة الدموية بالمخ.