بدأت حماس هجومها الصادم في السابع من تشرين الثاني (نوفمبر) 2023 بطوفانٍ لم تكن تعرف كيف ستكون نهايته. أسبوع أو أكثر أيقظ ذاكرة العالم بقضية فلسطين ومأساتها ونكباتها بعد أن كانت قد نُسيت وأصبحت لا تثير اهتمام العالم، بل ولم تثر اهتمام غالبية الدول العربية المحيطة بها، لأنها كانت مشغولة بمشاكلها الوجودية ومعاناتها من حروب داخلية سياسية أو عسكرية، تضاف إلى معاناتها الاقتصادية. حين شهدت أحداث "طوفان الأقصى" أسبوعاً من نشوة الانتصار على أكبر ترسانة تسليحية ومنظومات استخبارية وأمنية تفخر بها إسرائيل، تصاعدت أصوات التضامن العربية والإسلامية مع بدء الرد الإسرائيلي الوحشي ضد المدنيين وبيوتهم، وضد المستشفيات والمدارس ومحطات الماء والكهرباء وبقية البنى التحتية. أصبح القتل اليومي يُعلن عن أرقام غير مسبوقة، حتى بدأت آفاق الحل والهدنة تنغلق بسبب الرفض الإسرائيلي والعنجهية المطلقة، وصارت معادلة القصف المتبادل بين حماس وإسرائيل تتخذ مسارات أكبر، في خروج كامل عن قواعد الاشتباك السابقة.

إسرائيل وجدت في ما أقدمت عليه حركة حماس طعناً عميقاً في كبريائها العسكري والسياسي، وكشفاً عن إمكانية اختراقها وأسر جنودها وتنكيس إرادتها في وحل التباكي أمام العالم، وطلب مساعدة أميركا وأوروبا والدول الصديقة لها. ثم بدأت تكشف عن وحشيتها في التدمير الشامل لأحياء غزة وسكانها في دوامة القتل اليومي، التي استمرت لعشرة أشهر متواصلة، دون أن يتمكن الجيش الإسرائيلي والدعم الذي تلقاه من أميركا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وغيرها، من تحقيق مشروعه في القضاء على حركة حماس والجهاد في المقاومة وإطلاق الصواريخ. المقاومة أنزلت بجنوده وضباطه خسائر كبيرة، بالإضافة إلى الخسائر الاقتصادية والمعنوية التي أصابت إسرائيل عموماً. وكانت هذه الخسائر سبباً في مغادرة ما يزيد على مليون يهودي "أرض الله الموعودة" كما تدّعي البروباغندا الصهيونية، بالإضافة إلى نزوح أكثر من مئة ألف شخص من مستوطنات شمال إسرائيل جراء القصف الذي توقعه صواريخ لبنان وفصائل المقاومة عليها.

إقرأ أيضاً: عراق الدولة أم الطائفة؟

مشروع القتل الذي مارسه بنيامين نتنياهو ضد قطاع غزة، وتدمير آلاف البيوت، وانتهاك قواعد الحرب في قصف المستشفيات والمدارس ومبانٍ تابعة للأونروا، وتهجير عشرات الآلاف من السكان في أكثر أحياء القطاع كثافة بشرية، جميع هذه الاعتداءات والمآسي، التي فضحت أساليب المؤسسة الصهيونية العنصرية الإجرامية، لم تمكنه من القضاء على حماس ومقاومتها، ولم يستطع استرجاع الأسرى الذين اختطفتهم يوم "طوفان الأقصى".

إقرأ أيضاً: كاهي وكيمر، رثاء متأخر!

نتنياهو يعاني فقدان الحل أو صعوبته البالغة، لأنه إذا أوقف الهجوم على غزة، وانسحبت آلته العسكرية منها، سيضعه ذلك أمام أسئلة حول جدوى هذه الحرب وخسائرها دون القضاء على حماس، وعدم قدرته على استعادة الأسرى. هذا قد يؤدي إلى الإطاحة بحكومته، وسيصبح مهدداً بالمثول أمام محكمة لا تهاون فيها. هناك إشكالية كبيرة تحيط بكل من نتنياهو ويحيى السنوار، فاستمرار الحرب بعد عشرة أشهر، وهي أطول حرب تخوضها إسرائيل بشكل يومي دون نتائج حاسمة، يدفع الأمريكان للضغط بقوة من أجل إيقافها. حينها، سوف تفقد إسرائيل سلطتها بدعم أميركا، ما يؤدي إلى فقدان نتنياهو سلطته. أما السنوار فسوف يتشبث بأرضه، ويبقى في حالة مقاومة في صورة المنتصر، رغم الحجم الهائل من الخسائر البشرية والمادية.